أفكَار

ضم الضفة والأغوار.. التداعيات على فلسطين والأردن (2من2)

الأردن يدين إعلان إسرائيل بناء 7 آلاف وحدة استيطانية جنوب الضفة الغربية- الأناضول
الأردن يدين إعلان إسرائيل بناء 7 آلاف وحدة استيطانية جنوب الضفة الغربية- الأناضول

اتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس، نهاية نيسان (أبريل) الماضي، على أن تبدأ عملية ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية أول تموز (يوليو) المقبل، وتشمل غور الأردن وجميع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية. وتشير تقديرات فلسطينية إلى أن الضم سيصل إلى أكثر من 30% من مساحة الضفة المحتلة.

الدكتور أحمد امحيسن الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، خص عربي21، بورقة شاملة عن المسعى الإسرائيلي لضم أجزاء من الضفة وغور الأردن وتداعياته المحتملة على الفلسطينيين والأردنيين.. وهي في الأصل كانت أفكارا شارك بها في ندوة نظمها حزب جبهة العمل الاسلامي الأردني الثلاثاء الماضي 19 أيار (مايو) الجاري ورشة سياسية ومن خلال التحاضر عن بعد يوم الثلاثاء الموافق 19/05/2020 بعنوان "ضم الضفة والأغوار.. التداعيات والدور المطلوب"، لمواجهة مخططات الضم الصهيونية للضفة الغربية وغور الأردن.. 


التداعيات على الأردن..

سينتقل الأردن إلى مربع المواجهة المباشرة مع دولة الاحتلال..

إن المضي قدماً في فرض ضم أراضي غور الأردن ومساحات من أراضي الضفة الغربية.. يعزز من القناعات في الأردن.. بأن دولة الاحتلال لا تقيم وزناً لأي اعتبار للاتفاقيات ولا للمبادرات من الدول العربية من أجل تحقيق السلام.. مثل المبادرة العربية للسلام عام 2002 التي لم يأبه بها الاحتلال.. ولم يتراجع عنها من قدمها.. وإن حصل الضم وانقلب الاحتلال على الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة مع الأردن.. فإن ذلك يعني نسفاً جذرياً للعملية السياسية التي انطلقت من مدريد وأوسلو من جذورها.. بما في ذلك المعاهدات والاتفاقيات التي أفضت إلى العلاقات الأردنية-الإسرائيلية جديدة.. وسينتقل الأردن إلى مربع المواجهة المباشرة مع دولة الاحتلال.. التي تحتاج إلى رفع منسوب الإعداد الوطني لمواجهة تلك المخاطر والاستنفار لكل قوى ومقومات الأردن.. 

زيادة معاناة الاقتصاد الأردني

 

وستشهد الأردن حالات من الإرباك في علاقات مع العديد من الدول.. خاصة القريبة منها من دولة الاحتلال والداعمين لهم.. من خلال تعرض الأردن لضغوط دولية متعددة للقبول بالأمر الواقع والموافقة على الضم.. وتمسك الأردن بمواقفه سيضعه أمام حالات من تصدع علاقاتي مع بعض دول العالم.. ما سيزيد من الضغوط الدولية على الأردن.. في كثير من المناحي السياسة والاقتصادية والتعاون الدولي.. التي ستكون عاملاً مساعداً إضافياً في زيادة معاناة الاقتصاد الأردني الذي يعاني أصلاً..

 

إن المضي قدماً في فرض ضم أراضي غور الأردن ومساحات من أراضي الضفة الغربية.. يعزز من القناعات في الأردن.. بأن دولة الاحتلال لا تقيم وزناً لأي اعتبار للاتفاقيات ولا للمبادرات من الدول العربية من أجل تحقيق السلام..

 



سيكون التحرك الدبلوماسي الأردني على طاولة البحث التي ستبقى في حالة انعقاد دائم.. وشاهدنا قبل أيام مقابلة أجرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية مع العاهل الأردني جلالة الملك عبد الله الثاني، حيث كان رده واضحاً وقوياً.. وسقفه مرتفعاً ارتفاع حجم هذا التهديد الوجودي الذي يستهدف المصلحة الأردنية العليا، حيث حذر بوضوح لا لبس فيه من وقوع صدام مع دولة الاحتلال.. واعتبر الضم  بمثابة إعلان حرب على الأردن وفلسطين.. ونعتقد بأنه بذهاب دولة الاحتلال لإنجاز الضم.. سيراجع الأردن كل الملفات التي أبرمها مع الإحتلال.. والتي ستصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال.. وسيعيد الأردن النظر فيها إن تمت عملية الضم.. مثل اتفاقية وادي عربة والاتفاقيات الأمنية.. واتفاقية الغاز وغيرها من التفاهمات التي فرضت علاقات أقيمت مع دولة الاحتلال.. وتتسلح القيادة الأردنية بموقفها هذا الرافض لسياسة الاحتلال الاستعمارية.. بالتفاف جماهيري وشعبي قوي بالتصدي لمشاريع الضم.. والأردن يستمد قوته من وعي شعبه وجيشه ومكانته الجغرافيّة ووحدته الوطنية.. وستبقى دولة الاحتلال تحسب للأردن ألف حساب.. وهو الأردن الذي يملك ما يقارب 570 كم من الحدود المشتركة مع فلسطين.. وفي حالة الصدام مع الاحتلال سيكون الشريط الحدودي هشاً.. ولن تستطيع دولة الاحتلال بسط نفوذها وسيطرتها الكاملة المحكمة عليها.. عندما تتوجه قوافل الشعبين في مسيرات العودة نحو فلسطين..
 
الضم هو خطوة على طريق الوطن البديل والتوطين..

والأردن يدرك بأن دولة الاحتلال تضمر الشر للأردن وتطرح الوطن البديل.. والضم يشكل تهديداً حقيقيا للأردن وليس فقط تهديداً اقتصادياً أو جغرافياً أو حدودياً أو سياسياً فقط.. وإن حصل الضم.. فهذا يعني تهجيراً جديداً للفلسطينيين بأي أسلوب وبأية طريقة.. وستكون موجات نزوح فلسطينية جديدة باتجاه الأردن.. ما يعني نكبة متجددة للفلسطينيين ترى آثارها على أرض الأردن.. وسيكون لها التأثير على طبيعة النسيج الاجتماعي في الأردن.. ومقاومة ذلك تكون باستمرارية مواصلة دعم صمود الشعب الفلسطيني وثباته على أرضه.. كما هو الحال طوال هذه العقود المنصرمة التي بقي فيها الفلسطينيون يؤكدون على تمسكهم بحقوقهم ومقاومتهم للاحتلال.. ولن تمر سياسات الضم هذه دون أي مواجهة وتحرك شعبي مقاوم في فلسطين.. مثل انتفاضة شعبية تصل حد العصيان المدني الذي سيرمي بظلاله على الأردن .. للارتباط العضوي بين الشعبين..

تقوية وتعزيز الجبهة الداخلية بكل مكوناتها وعلى كافة الأصعدة..

إن الأردن معني تماماً كما فلسطين من سياسة الضم.. بل هو المقصود والمستهدف بتطبيق سياسات الضم.. وإن تقوية وتعزيز الجبهة الداخلية بكل مكوناتها وعلى كافة الأصعدة.. لهو ضرورة حتمية.. بالتوازي مع التحدث بوضوح مع القيادة الفلسطينية الحالية ووضعها على المحك.. بل وتشكيل ضغط عليها.. بأن لا تقف مكتوفة الأيدي أمام استهداف فلسطين والأردن معاً.. ويبقى الرفض لساسة الضم رفضاً لفظياً.. فسياسة الضم هذه لم تكن ممكنة دون أوسلو وملحقاتها وتبعاتها.. واستمرار المفاوضات العبثية على مدار أكثر من ربع قرن من الزمن.. وهي محطة مهمة تستوجب الوقوف عليها وتأملها.. ونتائجها الكارثية تستوجب رفع سقف وتنمية وتقوية العلاقة مع كل مكونات الشعب الفلسطيني.. التي تتصدى لتلك المشاريع التصفوية.. وكذلك المضي قدماً في التحرك على الصعد الدبلوماسية في العالم.. من خلال تقوية العلاقات وزيادة مستوى التشبيك.. ويعد ضم أراضي غور الأردن وأراضي من الضفة الغربية في موازين الشرعية الدولية.. وأمر جدي جريمة وتطهيرعرقي يعاقب عليها القانون الدولي.. وخطوة حقيقية لتصفية القضية الفلسطينية.. 

‏ما العمل في الرد على مشاريع دولة الاحتلال في سياسة الضم للأراضي العربية الفلسطينية.. وللخروج من المأزق الحالي الذي يخنق القضية الفلسطينية؟

لا بد للكل الفلسطيني من أن يجتمع ويتوافق على صياغة المشروع الفلسطيني.. ورؤية استراتيجية فلسطينية واضحة شاملة بمشاركة الكل الفلسطيني.. وتكريس الوحدة الوطنية الحقيقية للشعب الفلسطيني.. ووحدة حاله في الداخل والخارج.. وتعيد اللحمة والوحدة للشعب الفلسطيني.. وتهدف إلى تحقيق تطلعات شعبنا في التحرير الكامل وكنس الاحتلال.. فقد أصبح اليوم من الضرورة بمكان.. إعادة وصياغة وتشكيل وتفعيل مؤسساته المتمثلة في المجلس الوطني الفلسطيني.. ومنظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها.. على أسس ديمقراطية تضم الكل الفلسطيني.. وإجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة لقيادة مؤسساته وضخ دماء شابة جديدة فيها.. وانتخاب قيادة فلسطينية جديدة للشعب الفلسطيني.. ولا بد من التخلص وإلغاء اتفاقية أوسلو وتبعاتها وإفرازاتها وملحقاتها.. التي تعد بمثابة نكبة جديدة للشعب الفلسطيني.. وهي المنزلق والمأزق الأخطر الذي أوصل قضيتنا إلى الحضيض.. ومنح بذلك شرعية لدولة الإحتلال على 78% من مساحة فلسطين التاريخية.. ما زاد في فتح شهية الاحتلال على مطالبة شرعنة فلسطينية لاحتلالهم لبقية الأراضي الفلسطينية..

العودة إلى صيغة الوحدة الوطنية الحقيقية.. ومواثيق منظمة التحرير.. وتغذية المقاومة والحراك الشعبي ضد الاحتلال بكل الإمكانات والأشكال والسبل..

إن المطلوب اليوم لمواجهة سياسة الضم التي تعني شطب القضية الفلسطينية.. مزيداً من الصمود في وجه كل المخططات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.. والتمسك بالثوابت الفلسطينية.. وذلك من خلال استنهاض الهمم وقيم الكرامة والوطنية في أبناء شعبنا.. التي تعتبر كنوزاً بشرية وتتواجد في كل أنحاء العالم.. والتأكيد على إدانة ورفض صفقة القرن والخارطة الأمريكية.. التي تعتبر تكريراً لإعلان ووعد بلفور.. ومتابعة سلوك طريق المقاومة بكل أشكالها وأنواعها حتى دحر الاحتلال.. 

والمطلوب اليوم المزيد من التكامل مع نضال وتحركات أبناء شعبنا في العمق الفلسطيني في الأراضي التي احتلت عام 1948.. ودعم حراكاتهم.. بالتوازي مع التحرك الدبلوماسي وفضح دولة الاحتلال أمام العالم.. 

 

يجب الاستفادة من المواقف الدولية المعلنة ضد سياسات الضم.. والتحذيرات التي أطلقت من الدول والحكومات والبرلمانات والمؤسسات في العالم.. وتشجيعها وتطويرها والبناء عليها..

 



والمطلوب اليوم هو صياغة خطة مواجهة فلسطينية أردنية شاملة.. وحل السلطة والتوقف عن التنسيق الأمني والتخلص من قيودها التي تكبل الفلسطينيين.. وهي إحدى إفرازات أوسلو وقد أصبحت بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية.. كما ويجب سحب الاعتراف بدولة الاحتلال رسمياً.. وإلغاء كافة الاتفاقيات والمعاهدات والتفاهمات المبرمة مع الاحتلال.. وفي مقدمتها اتفاقية أوسلو وتبعاتها وإنهاؤها تماماً.. والعودة إلى صيغة الوحدة الوطنية الحقيقية القائمة على الشراكة.. ومواثيق منظمة التحريرالفلسطينية.. وتغذية المقاومة بكل أشكالها في الوطن المحتل.. ودعم ومساندة الحراك الشبعي وتصعيد وتيرة الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال..

تحشيد الرأي العام العالمي والمؤسسات الدولية ضد الاحتلال..

توجه القيادة الفلسطينية للهيئات الدولية رسمياً.. والانضمام للمؤسسات الدولية.. من أجل إصدار قرارات تلزم السلطات المحتلة بالتراجع عن سياسات الضم.. ‏والذهاب لمحكمة الجنايات الدولية.. لمحاكمة ساسة وجنرالات الاحتلال على جرائمهم التي اقترفوها بحق شعبنا.. وعدم الرضوخ للضغوط الأمريكية التي تمنع الفلسطينيين من الانضمام للعديد من المؤسسات الدولية.. فما يمارسه الاحتلال يعد حسب قرارات الشرعية الدولية جريمة حرب ويجب المحاسبة عليها.. 

كما ويجب الاستفادة من المواقف الدولية المعلنة ضد سياسات الضم.. والتحذيرات التي أطلقت من الدول والحكومات والبرلمانات والمؤسسات في العالم.. وتشجيعها وتطويرها والبناء عليها.. مثل موقف الاتحاد الأوروبي الذي يدين ويرفض خطوات الضم بمباركة أمريكية.. ضمن بنود صفقة القرن.. ويبحث آليات لوقف خطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.. بينها إمكانية فرض عقوبات.. باعتبار ضم أراضي غور الأردن وأراضي في الضفة الغربية.. سيشكل انتهاكاً للقانون الدولي.. الذي يجب أن تترتب عليه عواقب..

ومن المتوقع أن يكون الغطاء الأمريكي للضم في عهد ولاية ترامب حاضراً.. رغم ارتفاع الأصوات الدولية المعارضة للضم.. وأن تذهب الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاولة تشكيل غطاء لسياسة الضم.. وتشكل ضغطاً على بقية دول العالم للاعتراف بسياسة الضم والسيادة على الأرض.. تماماً كما فعلت عندما نقلت سفارتها إلى مدينة القدس.. في تحد واضح لمقاييس وقوانين وقرارات الشرعية الدولية.. حيث إن ضم أراضي غور الأردن وأراض من الضفة الغربية المحتلة.. هي عملية تتعارض مع كل المواثيق والشرائع والأعراف الدولية.. ومع وثيقة جنيف الرابعة.. ومع اتفاقية لاهاي 1907.. ومع قرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم.. وهي تتعارض حتى مع السياسة الأمريكية المعلنة.. التي تقول بأن المستوطنات غير شرعية والأراضي التي احتلت عام 1967 هي أراض محتلة.. 

ومن الأصوات التي ارتفعت رافضة سياسة الضم مثلاً وليس حصراً.. ويتطلب المشهد تكثيف الجهود لكي تزداد هذه الأصوات عدداً وتأثيراً.. لوقف النزيف في الأراضي الفلسطينينة.. الممثل الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط.. نيكولاي ملادينوف.. يعتبر الضم انتهاكاً للقانون الدولي.. وضربة مدمرة لحل الدولتين.. لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف.. الضم هو انتهاك خطير للقانون الدولي.. المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة  منذ عام 1967 مايكل لينك.. يحذر من أن سياسة الضم ستخلق سلسلة من العواقب الوخيمة لحقوق الإنسان.. 

رفض عربي.. واعتبار الضم جريمة حرب جديدة بحق الشعب الفلسطيني.. جاء على لسان وزراء الخارجية العرب .. منظمة التعاون الإسلامي حذرت من خطورة فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الواقعة في أراضي دولة فلسطين.. احتجاج وتحذير تركي.. حيث وصفت أنقرة مشروع الضمّ الإسرائيلي بالخطوة "الخطيرة التي من شأنها تقويض القانون الدولي".. احتجاج سفير الاتحاد الأوروبي.. وسفراء أوروبيون لدى الخارجية الإسرائيلية.. رسالة 130 نائباً بريطانياً.. موجهة إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون لفرض عقوبات اقتصادية على الجانب الإسرائيلي في حال قيامه بضم مناطق في الضفة الغربية.. رسالة 66 من النواب البرلمانيين من تشيلي لدولة الاحتلال.. أعربوا فيها عن رفضهم لمخططات الضم الإسرائيلية في الضفة.. جنوب أفريقيا.. حيث أدانت وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جمهورية جنوب أفريقيا.. سياسات الضم الإسرائيلية كونها تعد تهديدًا للوجود الفلسطيني.. 

ما يجب فعله فلسطينياً وأردنياً هو التحرك الفوري ودون تأخير وهذا ممكن ومتاح.. لمواجهة مخططات الضم الصهيونية لأراض في الضفة الغربية وغور الأردن.. لتجنب مخاطر الخطوة وإفشال مشروع الضم.. وإلا فستمضي دولة الاحتلال في مخططاتها.. كما فعلت طوال فترة عبثية المفاوضات التي امتدت لأكثر من ربع قرن من الزمن..

 

إقرأ أيضا: ضم الضفة والأغوار.. التداعيات على فلسطين والأردن (1 من 2)

التعليقات (0)