تقارير

أبو لغد.. عائد إلى "حي العجمي" بـ "يافا" في كفن

إبراهيم أبو لغد.. فرض عليه الاحتلال كيف يعيش.. لكنه اختار أن يموت في يافا  (أنترنت)
إبراهيم أبو لغد.. فرض عليه الاحتلال كيف يعيش.. لكنه اختار أن يموت في يافا (أنترنت)

ما بين ولادته في حي المنشية، قرب جامع حسن بك في يافا، وعودته إلى يافا بكفن ليدفن قرب بيارات البرتقال، حكاية مليئة بالأنين والحنين، تشبه حكاية آلاف الفلسطينيين الذين عاشوا نكبة فلسطين وتشرد أهلها.

عرف في الأوساط الأكاديمية الأمريكية كمفكر حاذق وذكي، وربطته علاقات وثيقة مع نخبة من كبار الأساتذة والباحثين من بينهم المفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد.

وصفه إدوارد سعيد بأنه "أبرز أكاديميي ومفكري فلسطين"، كما اعتبره المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي "أول باحث عربي أمريكي يحدث تأثيرا جديا" في نظرة الأمريكيين والمختصين بالعلوم السياسية إلى الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

لم ينضم في حياته إلى حزب أو تنظيم، رغم أنه عاصر مخاض النضال الفلسطيني الطويل، فقد ولد إبراهيم أبو لغد عام 1929، إبان "الانتداب" البريطاني على فلسطين، ونشأ في يافا التي كانت عاصمة الثقافة والتنوير في فلسطين.

وفي أعقاب حرب عام 1948، هاجر وعائلته إلى بيروت التي انتقل منها إلى الولايات المتحدة بغرض الدراسة، التي حمل جنسيتها لاحقا.
 
يقول رفيقه السياسي والكاتب الفلسطيني الراحل شفيق الحوت في مقال له، أنه حين ودعه في ميناء بيروت "لم يكن يحمل حقيبة ملابس، ولا يوجد في جيبه غير ما يعادل خمسة دنانير أردنية، كان قد اقترضها من صديق فاضل سددها له بعد ثلاث سنوات. وقبل لحظات من إقلاع الباخرة قذف إبراهيم إليّ على الرصيف بكيس بلاستيكي، فتحته فوجدت فيه الجاكيت الوحيدة التي كان يملكها، مع ورقة كتب عليها متمنيا أن أرسلها إلى شقيقه الأصغر".

كافح أبو لغد بمشقة وجهد كبيرين في دراسته، فحصل من جامعة "إلينوي" على شهادة البكالوريوس في الآداب عام 1951، وفي العام نفسه تزوج من اليهودية الأمريكية جانيت ليبمان، وهي أيضا أكاديمية شهيرة أنجبت له أربعة أبناء من بينهم البروفيسورة الجامعية المعروفة ليلى أبو لغد.

واصل أبو لغد تعلمه الجامعي بنهم كبير، فحصل على شهادة الماجستير في الآداب، قبل أن يحصل على دكتوراه الفلسفة في دراسات الشرق الأوسط من جامعة "برنستون" عام 1957.

في مسيرته الوظيفية عمل أبو لغد خبيرا ميدانيا لمنظمة "اليونسكو" في مصر لثلاث سنوات، حيث تولى إدارة قسم أبحاث العلوم الاجتماعية، ثم عمل مستشارا للأمم المتحدة.

وفيما بعد سيدخل مجال التدريس الأكاديمي في كلية "سميث" بولاية ماساتشوستس الأمريكية وفي جامعة "مكغيل" بمدينة مونتريال الكندية، وفي عام 1967 التحق بهيئة تدريس جامعة "نورثويسترن" الأمريكية أستاذا للعلوم السياسية، ثم ترقى في الثمانينيات إلى رتبة رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة. 

 

كانت فرحة أبو لغد بالعودة إلى وطنه الأم لا تسعها أية حدود وأي خيال، فعمل دليلا متطوعا لتعريف أصدقائه بالبلاد التي كان يحدثهم عنها، وبخاصة يافا، التي قال عنها محمود درويش إنها "كانت سدرة المنتهى بالنسبة لإبراهيم

 



نشط أبو لغد عدة سنوات محاضرا وكاتبا في شرح القضية الفلسطينية والقضايا العربية وتفسيرها.
  
وفيما بعد سيقترب أكثر من المنطقة بدخوله عام 1977 في المجلس الوطني الفلسطيني، وشرع بعد ذلك بوقت قصير في تنفيذ مشروع "جامعة فلسطينية وطنية مفتوحة" في بيروت تحت رعاية "اليونسكو"، غير أن المشروع لم ينفذ آنذاك بسبب الغزو الإسرائيلي للبنان.
 
وعندما طرحت فكرة مؤتمر جنيف عام 1977 الذي عقد فيما بعد بهدف البحث عن تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، طرح اسمه بين أسماء أخرى، ليمثل الفلسطينيين في المؤتمر، لكنه بادر فورا إلى رفض الفكرة من أساسها، وعلى أية حال فقد فشل المؤتمر فشلا ذريعا.

أدىدورا في تأسيس "رابطة الخريجين الجامعيين العرب الأمريكيين" في عام 1968، وفي عام 1992 اتخذ قرارا بمغادرة الولايات المتحدة والعودة إلى فلسطين بعد قضاء أربعين عاما في المنفى، فعين نائبا للرئيس وأستاذا في جامعة "بيرزيت"، حيث أقام بمدينة رام الله القريبة حتى وفاته، وقبلها بعام استقال من عضوية المجلس الوطني الفلسطيني.

ساهم أبو لغد في تأسيس "اللجنة المستقلة لحقوق المواطنين" و"مركز إصلاح المناهج الدراسية" و"مركز قطان الثقافي" في رام الله.

واتخذ موقفا معارضا بقوة مثل صديقه إدوارد سعيد، لـ"اتفاقات أوسلو" عام 1993، مع أنه ظل متحمسا لبناء المؤسسات الفلسطينية وخاصة في الميدانين الثقافي والتعليمي.

 

ظل يردد في لقاءاته مع أركان السلطة وقيادات فصائل العمل الوطني؛ بأن النهوض بالكفاح السياسي والجماهيري والمسلح يتطلب بناء مؤسسات فلسطينية تلتزم قضايا الشعب، وتضع مصالحه فوق الاعتبارات الشخصية والحزبية والفئوية والطائفية أو الجهوية.

 



وكانت فرحة أبو لغد بالعودة إلى وطنه الأم لا تسعها أية حدود وأي خيال، فعمل دليلا متطوعا لتعريف أصدقائه بالبلاد التي كان يحدثهم عنها، وبخاصة يافا، التي قال عنها محمود درويش أنها "كانت سدرة المنتهى بالنسبة لإبراهيم".

ألف أبو لغد وحرر عددا من الكتب، من أهمها: "المواجهة العربية الإسرائيلية في 1967: منظور عربي"، "تهويد فلسطين" ـ إعداد وتحرير، "إعلان المبادئ الفلسطيني ـ الإسرائيلي" ـ تحرير إبراهيم أبو لغد وآخرون، "المقاومة والمنفي والعودة: حوارية مع هشام أحمد فرارجة"، "المشهد الفلسطيني" ـ إدوارد سعيد وآخرون، و"الفلاحون الفلسطينيون من الاقتلاع إلى الثورة" ـ تقديم.

ومن مؤلفاته في مجال التعليم: "دليل اختبار وتقويم المسائل السمعية والبصرية من المواد التعليمية"، "أثر التدريب في تغير الاتجاهات ـ دراسة تجريبية"، "البحث الاجتماعي: مناهجه وإدارته " و"التقويم في برامج تنمية المجتمع".

وله أيضا العديد من البحوث والمقالات والرسائل والدراسات العلمية المنشورة باللغتين الإنجليزية والعربية، ركزت معظمها على القضايا السياسية والتاريخية والتعليمية في فلسطين والعالم العربي.

وكان يبتهج عندما يتوسم خيرا بموهبة في شخص ما، لأنها كانت فرصته لاستخراج كل ذلك الشغف والإبداع الممكن لدى تلك الموهبة.

 

توفي أبو لغد في مدينة رام الله في 23 أيار (مايو) عام 2001، إثر إصابته بمرض في الرئة، ودفن في مسقط رأسه في مدينة يافا. وتخليدا لاسمه قامت جامعة "بيرزيت" بإنشاء "مركز إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية"

 



يؤكد السياسي والكاتب الفلسطيني الراحل ممدوح نوفل، بأن أبو لغد آمن بالمؤسسة وبالعمل الجماعي المنظم، و"كره في مرحلة النضال في الأردن ولبنان فوضى السلاح والإدارة، وتألم من تكرار المشهد في زمن السلطة، وحزن لعسكرة الانتفاضة". بحسب نوفل.

وظل يردد في لقاءاته مع أركان السلطة وقيادات فصائل العمل الوطني؛ بأن النهوض بالكفاح السياسي والجماهيري والمسلح يتطلب بناء مؤسسات فلسطينية تلتزم قضايا الشعب، وتضع مصالحه فوق الاعتبارات الشخصية والحزبية والفئوية والطائفية أو الجهوية.

توفي أبو لغد في مدينة رام الله في 23 أيار (مايو) عام 2001، إثر إصابته بمرض في الرئة، ودفن في مسقط رأسه في مدينة يافا. وتخليدا لاسمه قامت جامعة "بيرزيت" بإنشاء "مركز إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية".

 



ويقول رفاقه في كلمات التأبين في ذكرى سابقة لوفاته، بأنه "لم يكن هناك أفضل من إبراهيم في تحويل الخراب والهزائم إلى نوع من الإنجاز".

وكان الأمر الذي حظي بانتباه الكثيرين عند وفاته، تمكنه من أن ينجز لنفسه حق العودة إلى يافا، وبحسب معاصريه ورفاق مسيرته فقد فرض عليه الاحتلال كيف يعيش، لكنه لم يستطيع أن يحرمه من أن يختار أين يموت.

التعليقات (0)