مقابلات

الغنوشي: الإسلام الديمقراطي بديل عن "الإسلام السياسي"

الغنوشي: تونس سترأس البرلمانات العربية والإسلامية وسنفعل مجلس الشورى المغاربي
الغنوشي: تونس سترأس البرلمانات العربية والإسلامية وسنفعل مجلس الشورى المغاربي

بعد 6 أشهر من الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين من تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين "الرؤساء الثلاثة" وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليميا ودوليا ومستقبل تيار "الإسلام الديمقراطي" والأطراف المحسوبة على "الإسلام السياسي"؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى "الديبلوماسية البرلمانية"؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب "النهضة" التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار الآتي حصريا لـ"عربي21"، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي نشرناه أمس الأثنين رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره اليوم، قراءة استشرافية لعلاقة "الإسلام الديمقراطي" بمكونات النظام العالمي الجديد..

العلاقات مع أوروبا والدول العربية

س ـ قبل الانتخابات زرتم عددا من البلدان العربية والدولية بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واستقبلتم في البرلمان عددا كبيرا من السفراء بما في ذلك سفراء الجزائر وواشنطن وباريس في تونس.. هل تعتقدون أن تلك البلدان سوف تقدم دعما سياسيا وماديا للتجربة التعددية والديمقراطية التونسية قولا وفعلا؟ 


ـ نعم هذه الدول تقف إلى جانب تونس فبلدنا يتمتع بسمعة طيبة وعلاقاته جيدة مع الأشقاء والأصدقاء.

وقد ازدادت هذه السمعة نصاعة بفضل التجربة الديمقراطية التي تظل الشمعة المضيئة الوحيدة في واقع إقليمي مضطرب تتقاذفه الأمواج وتسيل فيه الدماء في كل الاتجاهات ولذلك نجد الدعم من الجميع. وقد لمسنا هذا الدعم يوم كنّا نخوض الحرب ضد الإرهاب وهي حرب شرسة ومكلفة.

ثقتنا في الجميع كبيرة وقد بدأت الإعلانات عن هذا الدعم تأتي من المنظمات الدولية والإقليمية لنا ولغيرنا كمنظمة الصحة العالمية ومنظمات التعاون الإسلامي وكذلك منظمات الاتحاد الإفريقي. والدعم الثنائي لن يتأخر تجاه تونس، فالاستثمار في الديمقراطية هو أفضل الاستثمارات لأنه يجنبنا الصراعات والحروب ويدفع إلى التنمية العادلة والمتوازنة.

الإسلام الديمقراطي.. والإرهاب
 
س ـ هل اقتنعت تلك الدول بأن حزبكم حركة "النهضة" يختلف عن الجماعات الإسلامية المتشددة والمليشيات المسلحة مثل القاعدة وتنظيم الدولة وأنها تبنت مدنية الدولة وعلوية الدستور والقانون؟ وهل اقتنعت معارضتكم في الداخل بعمق التحولات داخلكم؟ 


 ـ الجميع يعلم أن حزبنا حزب مدني يؤمن بالدولة ويشتغل في إطار القوانين منذ تأسيسه. ومن كان مترددا في القناعة فقد جاءت الممارسة لتثبت له ذلك. 

 

 

حكومتنا صنفت "أنصار الشريعة" منظمة إرهابية وثقافة التعدد واحترام الاختلاف خيار مبدئي

 



قولك بأننا نؤمن بالقانون والدستور يجعلني أقف عند هذه النقطة فنحن لا نؤمن بالدستور فقط بل نحن شاركنا في كتابته. وكنا الكتلة الأكبر يوم صياغته وقد تم التنصيص على مدنية الدولة وعلوية القانون. ومثل هذه القناعات والممارسات تجعلنا في اختلاف جوهري وفي قطيعة مع التيارات التي ذكرتها. وأذكر هنا أنه في أيام حكم "النهضة" وقع تصنيف أنصار الشريعة منظمة إرهابية.

"النهضة" تصنف نفسها ضمن ما أطلقنا عليه تسمية "الإسلام الديمقراطي"، وهو تيار يؤمن بأن الديمقراطية في توافق مع الإسلام..

الشورى ليست نقيضا للديمقراطية 
 
س ـ ماذا تقصدون بـ"بالإسلام الديمقراطي"؟

 


 ـ الديمقراطية أُسلوب حكم ونظام تسيير للشأن العام وقد شهدت كمفهوم وكتجربة تحولات كبيرة منذ اليونان إلى اليوم. ونحن إذ نأخذ بها كمجهود راكمته التجارب الإنسانية حتى استقرت في شكلها المعاصر ومن أهم ما يميزها عن غيرها من الأنظمة أنها تضمن مكانة للمختلف وتحفظ له حقوقه وهي أيضا تداول سلمي على الحكم والمحدد، والحكم الإسلامي الديمقراطي يعني أن الشعب هو الذي يختار بإرادة حرة من يريد ويسحب منه الثقة متى شاء.
 
هذه الديمقراطية التي نأخذ بها لها أيضا أبعادها الاجتماعية، ونحن نؤكد على بعدها الاجتماعي حتى لا تظل مجرد آلية جوفاء. كل ذلك يترسخ عبر ثقافة التعدد والديمقراطية التي تعني ثقافة الاختلاف.

وعندما نظرنا إلى مقاصد الإسلام وقيمه وجدنا أنها تلتقي مع هذه الطريقة في إدارة الشأن العام، فالشورى ليست في خلاف مع الديمقراطية بل هما وجهان لعملة واحدة.

لذلك نختلف جوهريا عن الحركات التي لا تؤمن بالديمقراطية. وبمجرد القول بأنك مسلم ديمقراطي اختلفت عن كل تيارت العنف والإرهاب التي لا تؤمن بقوامة الشعب وبحقه في اختيار من يحكمه.

تيار الإسلام الديمقراطي من الممكن اعتباره تيار "ما بعد الإسلام السياسي". فقد نشأت التيارات الإسلامية كغيرها من التيارات في فضاء الأنظمة الشمولية. لكن هذا السياق حكم على هذه الأنظمة بالنهاية وساعد في بروز الإسلام الديمقراطي الذي نعتقد أنه الأقرب إلى روح العصر وقيمه.

وما يمكن ملاحظته أن التيار الإسلامي أكثر قدرة على التجدد من التيارت التقليدية في العالم العربي خاصة التيار القومي واليساري والعلماني، فهذه التيارات لم تجدد نفسها وبقيت سجينة التصورات التقليدية. وقد وضعتها الثورة في اختبار خاصة في قيم المعاصرة والديمقراطية.

والسياسي لا يمكنه أن يكون مرة ديمقراطيا وأخرى استبداديا. لكننا رأينا ممثلين عن مثل هذه التيارات تبرر الديكتاتورية على حساب الديمقراطية والحكم العسكري على حساب المدني.

ولذلك نحن نسجل بارتياح التطورات التي حصلت في حزبنا ولا زال جهد التطوير قائما وسوف نواصله فالذي لا يتطور يتراجع والكائنات الحية هي بطبيعتها في تطور دائم.

تنسيق مع الجزائر حول ليبيا 

س ـ تطور الأوضاع في ليبيا يؤثر كثيرا في تونس ودول الجوار الليبي وبينها الجزائر ومصر. هل سيعمل البرلمان التونسي على إحياء المبادرة التونسية الجزائرية المصرية وغيرها من المبادرات الإقليمية الخاصة بالملف الليبي؟ 


ـ الأحداث تتسارع وكنا نتمنى أن تواجه ليبيا الشقيقة جائحة كورونا موحدة. الوضع في ليبيا تتقاذفه الأجندات الدولية والإقليمية ولو كانت كل القوى تعمل بجهد حقيقي من أجل فرض الحل السياسي لتحقق ذلك.
 
تعلم أن علاقة تونس بليبيا علاقة عميقة وأساسية، فثلث الشعب الليبي يقيم تقريبا في تونس بين سائح وزائر ومقيم.. ونحن نرحب بإخوتنا في أرضنا وتونس تعمل من منطلقات عديدة إلى التوصل إلى الحل النهائي والذي لن يكون إلا سياسيا.

نحن لا نريد أن نعمق الخلاف بين الليبيين وإنما نلتقي بهم ونقدّم النصيحة المطلوبة والتي مفادها أن الحل لن يكون إلا ليبيا ولن يكون إلا سياسيا.

 



أما عن التنسيق مع دول الجوار الليبي فنحن في تواصل مع الأشقاء في الجزائر وهناك تطابق في الرؤية وندفع إلى تبني الحل المقترح من دول الجوار الليبي، والذي لا يتعارض بدوره مع ما انتهت إليه المؤسسات الدولية.
 
من المقرر أن يستضيف البرلمان التونسي جلسة لمجلس الشورى المغاربي سيحضرها رؤساء البرلمانات ومن بين بنود جدول الأعمال الوضع الليبي. وقد تأجل هذا الاجتماع جراء حالة كورونا.

 



نحن اليوم نراقب عن كثب تطورات الوضع الليبي ونعتقد أن الشعب الليبي والدولة الليبية في حاجة إلى المساعدة من أجل إنهاء الخلاف. نحن متفائلون بمستقبل ليبيا ومستقبل العلاقات الاستراتيجية التي لنا معها.

البرلمانات الإسلامية والعربية 

س ـ شاركتم في مؤتمر اتحاد البرلمانات الإسلامية والعربية ثم استقبلتم رئيس الاتحاد العربي عاطف الطراونه في تونس. كيف تنظرون إلى تفعيل دور هذه المؤسسات الإقليمية؟


 ـ ذهبنا إلى بوركينافاسو للمشاركة في اتحاد البرلمانات الإسلامية الذي يضم 54 دولة إيمانا منا بدور البرلمانات في خدمة الشعوب فلا أحد يستطيع أن ينكر ما يضطلع به البرلمان الأوروبي أو الأمريكي اللاتيني وبقية البرلمانات الإقليمية.

ونحن على ثقة بأن تدفع هذه البرلمانات نحو الاستقرار والتنمية. وقد فازت تونس برئاسة الدورة القادمة لاتحاد البرلمانات الإسلامية. كما أنها سوف تترأس اتحاد البرلمان العربي، بما سوف يساعد على إضفاء حراك فعلي على هذه المؤسسات.

 


 
نعتقد أن البرلمانات صوت الشعوب وهي أقرب إلى نبض الشارع وقد أثبتت العديد من هذه المؤسسات دورها في معاضدة جهد الحكومات أمام جائحة كورونا. على البرلمانات أن تنجز من المقترحات والتشريعات والاتفاقيات وتبتدع من المبادرات ما يقرب الشعوب العربية والإسلامية على كل الأصعدة.

علينا أن نقترب أكثر من التعاون الاقتصادي والثقافي والتشريعي ونزيد من تبادل الخبرات في كل المجالات وهي كلها مشاريع سنعمل على المضي فيها قدما. شعوبنا تتطلع إلى مزيد من التقارب والتعاون وعلينا أن نمهد لكل ذلك ونعمل على إنجاز المطلوب.
 
نحن ممتلئون قناعة بأن هذه الأزمة الوبائية ستمر جارفة معها كثيرا من الحطام وعاصفة بكثير من الأنظمة والأفكار والقيم المعطلة لمسيرة البشرية صوب عالم أكثر عدالة وأكثر حرية وأكثر إنسانية، فغالبا ما تتشكل الأهداف النفيسة في خضم الأمواج العاتية المتلاطمة. 

بعد نصف عام من الانتخابات 

س ـ كيف تقيمون اداء البرلمان التونسي بعد نصف عام من الانتخابات العامة وتنصيب مكتبه الجديد؟


ـ عملنا في البرلمان يتقدم بصورة جيدة ومتزنة وقد حققنا خلال هذه المدة الوجيزة العديد من الإنجازات بالرغم من الصعوبات التي واجهتنا بدءا من تأخر موعد تشكيل الأغلبية الحكومية، وهو ما انعكس على المجال التشريعى. وقد كان لزاما علينا أن ننتظر تشكل هذه الأغلبية حتى يكون التسريع في الإنجاز التشريعي .

ولكن وبمجرد أن تمت المصادقة على الحكومة داهمتنا جائحة كورونا وهو ما جعل كل الجهد يتوجه في هذا الاتجاه. حاولنا أن نتقدم رغم كل الصعوبات في الإنجاز فقد تمكن البرلمان من المصادقة على الحكومة التى نالت الثقة بعد  حوارات كبيرة واختلافات أكبر. لكننا جنبنا البلاد الذهاب إلى المجهول . كما صادق البرلمان على ميزانية 2020 .

ويتزامن الجهد التشريعي مع تحركنا لتحقيق الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس. ونعتقد أن ذلك ضروري جدا ولا بد من تحقيقه. فالبرلمان سلطة أصلية ومهامه كبيرة في نظام برلماني معدل .

وحتى تتحقق تلك المهام لا بد من توفير وسائل نجاحها. إلى جانب ذلك قمنا بنشر مدونة الجلسات العامة التي عقدت أثناء مناقشة الدستور وهي وثيقة هامة لأنها جزء من الذاكرة الوطنية ومرجع من المراجع التى تساعد على التأويل عند قراءة الدستور وباب يفتح أمام الدارسين ورجال القانون.

في نفس الوقت فعلنا الدبلوماسية البرلمانية. ومن المؤكد أن البرلمان ورغم هذه الإنجازات يحتاج إلى المزيد من الجهد والتنظيم والعطاء. وقد لمسنا ذلك أمام جائحة كورونا، فقد تم التفاعل مع المستجدات منذ اللحظات الأولى ونبهنا السلطة التشريعية منذ جلسة 16 آذار (مارس) الماضي إلى ضرورة الذهاب إلى الأقصى من أجل الحماية والتوقي بإغلاق الحدود والحجر الشامل. وكذلك تم تكوين خلية الأزمة. ونحن كما ترون نمارس أعمالنا عن بعد عن طريق العمل الإلكتروني .

 



وقد نجح البرلمان في ذلك وهو أمر سيسجل في تاريخ تونس المعاصرة. فنحن من البرلمانات النادرة التى تعمل دون انقطاع عن بعد وهو بعد مجازي لأننا في الحقيقة ندير الحوار عن طريق الوسائط الافتراضية .

بلادنا في حالة حرب ونحن جنود من أجل عزة شعبنا ومناعته. وعملنا يجب أن لا ينقطع. ففي حالة الحرب الكل ينجز المهام الموكولة إليه وعلى أحسن وجه وأفضل من الزمن العادي حتى ننتصر. 

 

إقرأ أيضا: الغنوشي: هذه علاقتنا برئيسي الدولة والحكومة والمعارضة

التعليقات (4)
شاهد
الثلاثاء، 28-04-2020 06:45 م
لا دين تحت قبة البرلمان
لا وجود للسكون
الثلاثاء، 28-04-2020 06:40 م
صحيح الذي لا يتطور يتراجع حتماً، الانظمة الاستبدادية لا توقف سير التطورات(النهضة) العلمية و الاقتصادية و غيرها فحسب بل تسحبها الى الوراء سنين عديدة
بوطيب المغرب
الثلاثاء، 28-04-2020 04:24 م
يا سيد الغنوشي احءف كلمة الاسلام و اكتب مكانها حزب .عوض الاسلام الديمقىاطي نقول الحزب الديمقراطي.ببساطة الحزب سيكون مفتوحا لجميع المواطنين اما اءا قلت الايلام الديمقراطي فهو يتكفل بالمسلمين فقط و هذا خطا سياسي لا يغتفر. الاخوان فازوا ديمقراطيا و فشلوا لانهم اغلقوا الابواب امام الاخرين.
ماذا بقي في جعبتك؟
الثلاثاء، 28-04-2020 03:32 م
ما هذا الكلام؟ إسلام ديمقراطي وإسلام سياسي؟ الإسلام كل متكامل يشمل الديمقراطية بأفضل معانيها كما يشمل الحكم والسياسة. بل كلام راشد العنوشي هذا هو كلام سياسي، وعندما انتخب الناخبون مرشحي حزبه كان ذلك على أساس التزامهم بقيم الإسلام، سياسياً وقيمياً وتقرباً إلى الله تعالى. مشكلة هؤلاء أنهم يريدون أن يُبعدوا عن أنفسهم تهمة العمل السياسي الإسلامي وخاصة الإخواني في انعكاس لتسمم الأجواء بعد الثورة المضادة التي أطاحت بأول حكم يمثل التيار الإسلامي. الجميع يبحث عن مهرب، ولكن الإسلام يتطلب الفخر بالانتساب إليه: "وقال إنني من المسلمين".