مقابلات

فيلسوف تونسي: العالم في حاجة إلى فكر ونظام دولي جديدين

المفكر التونسي حمادي بن جاب الله:  أزمة كورونا ستؤدي إلى مراجعات للأولويات العالمية والإقليمية- (إنترنت)
المفكر التونسي حمادي بن جاب الله: أزمة كورونا ستؤدي إلى مراجعات للأولويات العالمية والإقليمية- (إنترنت)

المفكر التونسي حمادي بن جاب الله، عرف أستاذا مثيرا للجدل لمادة الفلسفة في الجامعة التونسية وفي فضاءات ثقافية وسياسية تونسية وعربية ودولية كثيرة منذ 40 عاما. كما عرف بكتاباته العلمية والسياسية في عدة موسوعات ومجلات فلسفية وتربوية وسياسية مختصة. يعتبر كثيرون أن من بين نقاط قوته تعدد اختصاصاته، لأنه جمع بين الدراسات التاريخية والفلسفية وابستمولوجيا العلوم الفيزيائية.


وفي الوقت الذي تتباين فيه التقييمات والمواقف من حمادي بن جاب الله وبعض مواقفه في وسائل الإعلام والمنابر الثقافية يحرص على أن يكون "مثقفا عضويا" ينزل من علياء الجامعات وينخرط في الشأن العام ويقدم قراءات للمستجدات محليا ودوليا.

الإعلامي التونسي كمال بن يونس التقى المفكر حمادي بن جاب الله وأجرى معه هذا الحوار الخاص بـ "عربي21"، ليستشرف معه المتغيرات إقليميا ودوليا بعد مرحلة "الحرب على وباء كورونا" فكانت هذه آراؤه:

 



س ـ كيف ينظر المفكر والمثقف المتابع للمستجدات الدولية إلى التحولات التي تشهدها المنطقة العربية ودول العالم على هامش انتشار "فيروس كورونا " بحدة توشك أن تتسبب في أكبر أزمة طبية وأخلاقية وسياسية واقتصادية واجتماعية منذ الحرب العالمية الثانية؟


 ـ  نحن مقبلون على تغييرات عميقة ستخلط الأوراق وتتسبب في إعادة التفكير في المسلمات والنظريات الفلسفية والتاريخية والمقولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تمهيدا لبناء نظام عالمي جديد..

وستهتز الثقة في كثير من الشعارات. وسيواجه خطاب السياسيين والمفكرين وصناع القرار في كل المجالات تحديات جديدة، قد تصل حد بروز تيار يؤمن بانهيار "الثوابت" و"المسلمات" و"الأسس" التي بني عليها الخطاب السياسي الدولي المعاصر.

ستؤدي هذه الأزمة إلى مراجعات للأولويات العالمية والإقليمية في المجالات الطبية والسياسية والفلسفية والخيارات الاقتصادية. كما ستفرز إعادة نظر واسعة في التوجهات العامة للخطاب السياسي العالمي وشعارات العولمة والتقدم والازدهار والعيش الكريم والتفوق والأولويات الأمنية والعسكرية والتنموية.. الخ.

الوجه الآخر لفشل المنظومة 

س ـ هل تساير وجهة النظر التي تعتبر أن العالم شهد تغييرات عميقة تاريخيا بعد كل الأوبئة والحروب الكبرى وغير أولوياته وسياساته؟ فهل سوف تؤدي الأزمة الحالية إلى "بركان" يعصف بصناع القرار الذين سيحملون مسؤولية الأوبئة والحروب وإخفاق السياسات الاقتصادية والصحية والعسكرية الحالية؟


 ـ  فعلا ستكون من بين نتائج الغليان الذي تسببت فيه الحرب على فيروس كورونا عالميا، إعادة النظر في أداء السياسيين ومراجعة نظريات كبار المفكرين والفلاسفة والاقتصاديين والسياسيين في العهدين الحديث والمعاصر.

 

كورونا أسقطت أوهام الرأسمالية ومقولات لينين والعولمة

 



من المتوقع أن تسقط بعض "المقدسات" وأن تنهار بعض الأوهام.. وبينها بعض الكتابات والخطب حول القيم والقراءات لإنجازات الحداثة وما قبل الحداثة وما بعد الحداثة وقيم الحرية والازدهار والرفاهة والعدل الاجتماعي والعولمة.. التي برزت مع فلاسفة وشخصيات تاريخية في حجم "أب الفلسفة الحديثة الفرنسي" رينيه ديكارت (1695- 1650) والفيلسوف المفكر الاقتصادي الليبرالي آدم سميث (1723-1790) ثم مع رموز الفكر الاشتراكي الشيوعي مثل فلاديمير لينين ( 1870- 1924).. وصولا إلى رواد "العولمة" في القرن العشرين ..

ستسقط في المدة القادمة 3 أوهام كبرى 

ـ الوهم الأول الذي برز بعد الثورة الصناعية والاعتماد على الآلة الحديثة وبروز شخصيات في حجم آدم سميث والدعوات إلى مقولات ليبرالية من نوع "دعه يعمل دعه يمر".. أعلنوا عن تراجع "نهائي" لدور الدولة الاقتصادي لصالح رأس المال الذي يخلق الرفاهية والازدهار والسعادة.. وتابع مفكرون ومنظرون اقتصاديون بعدهم الترويج لهذه المقولة التي تبين فشلها.. وأنها كانت "وهما"..

ـ الفشل الثاني: سقوط النظريات التي قام عليها فكر رواد الاشتراكية والشيوعية حول نهاية الدولة ونهاية التاريخ وفق مسار صراع الطبقات.. وبشرت هذه النظريات كذلك بنهاية الرأسمالية وانتصار الديمقراطية الاجتماعية.. لكن الحصيلة كانت الوصول إلى الدولة القمعية الحديدية ورأسمالية دولة جديدة..

ـ الفشل الثالث يهم مقولات "ما بعد الحداثة".. والعولمة الاقتصادية والفكر السياسي الاقتصادي الذي وعد بالتنمية الشاملة والديمقراطية والشراكة بين الإدارة ورأس المال والمجتمع المدني.. واعتبر دور المجتمع المدني محوريا.. لكن الحصيلة كانت عولمة متوحشة أنتجت أصنافا من الظلم واختلال التوازن والفوارق.. ونظما في الحكم وتوزيع الثروات من أبشع ما عرفت البشرية من ظلم ..

المركز والأطراف 

س ـ هل تساير هنا مقولات بعض رموز "اليساريين الجدد" مثل المفكر المصري والخبير الاقتصادي الدولي سمير أمين صاحب نظرية "التنمية غير المتكافئة" ومقولات اختلال التوازن بين المركز (مراكز الدول العظمى والرأسمالية المتوحشة) و"الأطراف"، أو "الهامش"، أي ما يسمى بدول العالم الثالث؟ 


 ـ البشرية تجد نفسها اليوم في مرحلة إخفاقات متعددة الأوجه وفي مختلف المستويات بسبب بهيم الرأسمالية المتوحشة، وتعمق الفوارق بين الدول والشعوب والقوى الاقتصادية والاجتماعية ..

انتهينا فعلا إلى تعميق "التنمية اللامتوازنة واللامتكافئة" بين "المركز" و"الأطراف" (أو "الهامش" و"المهمشين") مثلما يقول المفكر والخبير الاقتصادي اليساري المصري سمير أمين.. 

نحن في نهاية "الكذبة الثالثة".. وفي مرحلة انهيار "الوهم الثالث".. ولابد من مراجعة النظريات الاقتصادية والفكرية والفلسفية والسياسية استعدادا لمرحلة تبلور النظام الدولي الجديد..

أين الحكماء؟

س ـ وكيف تتوقع أن تتطور المنطقة العربية الإسلامية والعلاقات بين الدول العظمى التي فضحت "كورونا" ثغرات قاتلة في سياساتها وخيارات زعمائها؟


 ـ  طبعا السؤال الكبير اليوم: كيف سيكون الوضع بعد الأزمة الحالية بسبب كورونا؟

شخصيا لا أرى في العالم قيادات لديها حكمة سياسية قادرة على أن توجه العالم في وجهة جديدة.. نفتقر إلى حكماء حقيقيين.. يكونون في مستوى الحاجة لبناء نظام عالمي جديد..

نحن في وضع حرج جدا وتاريخي: القوي يكتشف حدود قوته، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، والضعيف أصبح لا يتحمل ضعفه.. ودول "الجنوب تبدو" تحت ضغط مضاعف ومتعدد الأشكال..

النتيجة قد تكون مزيدا من التفكير في الهجرة والمغامرة بالحياة والأمن والمصالح القديمة ..

من صالح الجميع اليوم إعادة الاتفاق على نظام عالمي جديد.. بعد أن تأكد فشل النظام الكوني الحالي وسقطت "كذبة العولمة" وسقطت معها أوهام انتهاء دور الدولة والرهان المطلق على رؤوس الأموال أو على المجتمع المدني ..

العالم يتطلع إلى واقع جديد يفرض الحد من استغلال الكبار للصغار.. ومن هيمنة "الدول العظمى" على دول الجنوب.. وعلى شعوب دول الجنوب والمجتمعات الفقيرة الحد من السلبية والكسل وسياسات البحث عن "حلول ترقيعية"..

المطلوب الالتقاء حول أولويات جديدة على رأسها "تحرر العالم".. من التحرر الوطني إلى التحرر الاجتماعي والحريات الفردية والعامة وتكريس قاعدة الحرية.. التي أعتبرها على رأس الأولويات..

3 مدارس تاريخية 

س ـ لو سألت المفكر والباحث في التاريخ والفيلسوف حمادي بن جاب الله قراءة استشرافية لتطور العالم ضمن رؤية تأليفية.. ماذا يقول؟


 ـ  يمكن تحقيق التنمية الشاملة والتقدم وضمان الحريات في صورة استقراء عميق للتاريخ وللمنهجيات التي اعتمدت في فهم المتغيرات التاريخية .. 

عموما يمكن الحديث عن 3 نظريات في قراءة التاريخ وفهم المسارات التاريخية:

ـ الأولى منهجية "التاريخ يعيد نفسه" التي دافع عنها العلامة المؤرخ وعالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون.. وقد تبينت حدودها ..

ـ الثانية هي منهجية التاريخ عند الكتاب والمفكرين "الأصوليين "الأوربيين وتلامذتهم في العالم، الذين يقدمون قراءة تبسيطية لتاريخ البشرية بمختلف تضاريسه، ويقومون بإسقاطات لأنهم انطلقوا من مسلمة غالطة تقول إن الابتعاد عن الأصل والأصول يؤدي إلى الدمار، وأن العلم والعقل يدمران الإيمان..

ـ الثالثة تعتبر أن التاريخ يتقدم موضوعيا وأن واقعنا مهما كانت ثغراته ونقائصه أفضل من واقع الآباء والأجداد، وأن الأولوية ينبغي أن تعطى للبناء والتنمية وتكريس الحرية.. ورفض الظلم والحرب لأن الحروب هي الشر المطلق ..

وإذا كان واقع البشرية اليوم سيئا جدا بسبب إصابة ملايين بفيروس كورونا وسقوط ملايين آخرين في الحروب التي تشهدها مناطق كثيرة في العالم، خاصة منذ تفجير حروب الخليج في الثمانينيات وحروب العراق 1991 و2003، فإن عدد ضحايا هذه الحروب أقل بكثير من الـ 50 مليون الذي سقطوا في الحرب العالمية الثانية مثلا.. لذلك علينا دعم القراءة الثالثة للتاريخ ..

 

مطلوب مراجعة كل "المسلمات" الفلسفية والسياسية والاقتصادية

 



إن جهود التنوير اليوم تخترق ظلمات تراكمت على امتداد القرون. وبالتالي فلا بد من دعم الجهد للبناء والاستشراف ودعم قيم الحرية..

إنّ أهم قيمة بُنيت عليه "الملّة الإبراهيميّة" أو "الأديان الثلاثة الكبرى" أي اليهودية والمسيحية والإسلام، هي الحرّيّة.. والحرية هدف في حد ذاتها، أمّا العلم والعقل فهما الوسيلة...

ولا أعتقد أن أتباع "الديانات الثلاث"، اليهوديّة أو النّصرانيّة أو الإسلاميّة، لديهم فرص الاجتهاد والإبداع والاستشراف عصرا أفضل ممّا هي عليه اليوم.

لقد حققت البشرية تقدما فاق ما تحقق في القرون الوسطى والعهدين الحديث والمعاصر في أوروبا والغرب وفي المستعمرات.. وفاق ما تحقق في عهد الأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم.. علينا أن نستشرف الماضي ونتجاوز كسلنا وسلبيتنا وأن لا نرضى بنقائصنا ومآسينا.. ثم نتقدم.. نحو واقع أفضل..

التعليقات (1)
احمد عبد النبي
الإثنين، 20-04-2020 03:35 م
هذا مسخ تونسي وليس فيلسوف تونسي ... ليس له من الفلسفة الا ترجمة بعض اعمال الكسندر كويريه ... و ما عدا ذلك فإيديولوجي إقصائي حقود ... والعتب على الصحفي كمال بن يونس الذي لم يجد من فلاسفة تونس غير أشباههم...