هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت
صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن إحكام الجيش قبضته على
العديد من القطاعات الاقتصادية منذ تولّي رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي السلطة،
ما تسبب في اختلال توازن الاقتصاد برمته ودفع رجال الأعمال إلى الخروج عن صمتهم.
وقالت
الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "القرّاء تفاجأوا في
الخامس من أيلول/ سبتمبر 2018 بالهجوم الذي شنته جريدة الوفد المصرية ضد الجيش،
لاسيما وأن الأمة لم تشكّك يوما في نزاهة وتفاني المؤسسة العسكرية".
ووجّه رجل الأعمال المصري، محمد سرحان، الحديث للسيسي، قائلا: "مشروع مستقبل
مصر يحتضر"، داعيا إياه لإيجاد "حل للانتكاسات التي تعرض لها الأربعون
مستثمر الذين شاركوا في هذا المشروع المدعوم من قبل رئيس الدولة نفسه والخاضع
لإشراف القوات الجوية المصرية".
وأفادت
الصحيفة بأنه وفقا لاتفاقية وُقعت في مطلع سنة 2018، حُوّل 100 ألف هكتار من
الصحراء شمال القاهرة إلى أراض زراعية في غضون ستة أشهر فقط. في الواقع، قطع
السيسي وعدا بمد المستثمرين بالعقود في اللحظة الأخيرة، أي خلال حفل التدشين الذي
سيشرف عليه شخصيا، والذي كان من المقرر أن يُنظّم في أواخر حزيران/ يونيو سنة
2018.
وأضافت
الصحيفة أن "هذا القرار لم يُثر قلق المستثمرين، نظرا لأن هذه الممارسة كانت
شائعة في البلاد، كما أن القوات الجوية تعهّدت بأن هذه الأراضي ستكون على ذمة
المستثمرين لمدة 49 عاما قابلة للتجديد. وبناء على ذلك، لم يتردد هؤلاء في دفع
أموال طائلة ناهزت 150 مليون جنيه مصري، أي ما يعادل 8.3 مليون يورو".
وقبل
أسابيع قليلة من الافتتاح، يقول مصدر مطلع على المسألة: "لقد اختفى فريق
اللجنة. لا أحد يجيب على الهاتف". اكتشف المستثمرون في وقت لاحق أنه جرى
تخفيض رتبة قائد سلاح الجو، يونس المصري، إلى وزارة الطيران المدني وأن أعضاء
اللجنة الآخرين تعرضوا للاعتقال.
ونقلت
الصحيفة عن المصدر ذاته قوله: "أفاد ضباط الفريق الجديد بأن أسلافهم كانوا
فاسدين وألقوا اللوم على المستثمرين لبدأهم في مشروع بهذا الحجم دون توقيع
عقد".
ومن
جهته، علّق محمد سرحان قائلا: "لقد أصبنا بالصدمة حين علمنا أن عقودنا
ستمكننا من تسهيلات لمدة خمس سنوات فقط". وأكد خبير في المجال أنه: "من
المستحيل أن يحقق استثمار زراعي مدته خمس سنوات أية أرباح. نحتاج إلى 15 سنة على
الأقل".
وتجدر
الإشارة إلى أنه بعد مرور سنة، تعذّر التوصل إلى حل توافقي. ومنذ تولى الجيش والسيسي مقاليد الحكم، (بعد الانقلاب) تنتشر الاتهامات داخل أوساط الأعمال التجارية المصرية
والأجنبية ضد الجيش بصفته طرفا فاعلا يفرض منافسة غير عادلة ويتغاضى عن المخاطر
التي تواجهها بعض المشاريع.
وأوردت
الصحيفة أن الفيديوهات التي نشرها الفنان محمد علي حثت ملايين المصريين على الخروج
إلى الشوارع ليستأنفوا بذلك النقاش حول دور الجيش في الاقتصاد. في الحقيقة، لازالت
العديد من القطاعات تخضع لسيطرة الجيش الآخذة في التزايد، بما في ذلك المياه
المعدنية والأجهزة المنزلية ومحطات البنزين واللوحات الإعلانية ومصانع الأسمنت
والأدوية والمنتجعات والمدارس الدولية.
وذكرت
الصحيفة أن الجيش يستفيد من الأرباح المتأتية من وجود ضباطه المتقاعدين على رأس
الشركات العمومية، ومن سيطرته على الأراضي العامة التي تمثل 94 بالمئة من مساحة
البلاد. علاوة على ذلك، تتمتع وزارة الدفاع بحق الرقابة على تخصيص هذه الأراضي
للاستخدام المدني، وتسيطر على أكبر المناطق الاستراتيجية بما في ذلك المناطق
الحدودية والساحل وسيناء وقناة السويس أين تتركز غالبية الاستثمارات.
حيال
هذا الشأن، يقول الباحث الرئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، يزيد
صايغ، إنه "مقابل منح موافقته على استخدام هذه الأراضي، يمكن للجيش الحصول
على امتيازات والمشاركة في الشركات والتورط في تسلّم الرشاوى".
وأشارت
الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن تدخل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد لا يعتبر
حديثا، إلا أن السيسي يواصل الاندفاع، حيث اكتسب الجيش في عهده ثقلا أكبر مقارنة
بعهد حسني مبارك. لقد منح الرئيس المصري ثقته للمؤسسة العسكرية وكلفها بالمشاريع
الضخمة التي أطلقها على غرار تجديد الطرق ومضاعفة أرباح قناة السويس وإنشاء عاصمة
إدارية جديدة ومدن جديدة وغيرها.
وفي
سياق متصل، حرص السيسي على تقديم الجيش على أنه المؤسسة الأجدر بالثقة، نظرا لأنها
الأكثر فاعلية والأقل تكلفة وفسادا. ويحلل خبير اقتصادي مصري رفض الكشف عن هويته
هذا الوضع قائلا إن: "الجيش يرغب في خلق طبقة جديدة من أصحاب المشاريع
الصغيرة والمتوسطة والمستثمرين الأكثر ولاءً. ومع ذلك، فإن كبار الزعماء يحلّون
دائما في مركز الشراكات".
ونوّهت
الصحيفة نقلا عن أحد الدبلوماسيين الغربيين بأن "الشركات الخاصة العملاقة
تشتكي من وقوعها ضحية للرئيس السيسي من خلال تبديد أموالا طائلة في استثمارات
فاشلة. وتعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات التابعة للقطاع غير الرسمي
الأكثر عرضة للخطر". وتحتج هذه الشركات على الاضطرار إلى تخفيض هوامش الربح
من أجل إطلاق مشاريع منخفضة التكلفة.
ويقول
صايغ: "يرغب الجيش في الحفاظ على هوامش الربح، ويمكن أن يجبر الشركات على
قبول الخسائر. وفي حال رفضت، فإنها تدرك أنها لن تحصل على عقود بعد الآن".
تطرقت
الصحيفة إلى أن المؤسسة العسكرية دخلت قطاعات جديدة عقب العجز المتعلق بأزمة الدولار وانخفاض قيمة الجنيه المصري
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016. ومن خلال الإشارة إلى الوضع الملح وخطر حدوث
اضطرابات اجتماعية، تدخل الجيش لاستيراد المنتجات الضرورية منخفضة التكلفة.
ينطبق
هذا الأمر على حليب الأطفال بعد مظاهرات خرجت فيها الأمهات في أيلول/ سبتمبر 2016.
وعلى الرغم من كونها مؤقتة في البداية، إلا أن هذه التدخلات أصبحت دائمة وبلغت في
بعض الأحيان ذروتها. ففي مجال المعدات الطبية، منحت وزارة الصحة الاحتكار للجيش.
وبينت
الصحيفة أنه بعد السيطرة على الواردات في قطاع الأدوية الذي يواجه نقصا خطيرا،
حصلت الهيئة القومية للإنتاج الحربي على موافقة الحكومة في كانون الثاني/ يناير
2017 على إنشاء مصنعها الخاص.
يأسف
رجال الأعمال المصريون والأجانب من المنافسة غير العادلة التي تسببها المزايا
الهائلة التي يتمتع بها الجيش، فهو لا يدفع ضرائب على الدخل والمبيعات والواردات
من المواد الأولية والمنتجات والمعدات والخدمات. وما زال الجيش يستفيد من دعم
الطاقة، على الرغم من التخلص التدريجي منه منذ سنة 2016.
اقرأ أيضا: حكومة السيسي تروّج أولوياتها لـ"الإصلاح الاقتصادي"
وأوردت
الصحيفة نقلا عن الخبير يزيد صايغ إنه "من غير المؤكد أن هناك إدارة
استراتيجية للاقتصاد العسكري، ولا تفكير اقتصادي منسق. ويستجيب الجيش بشكل أساسي
للتأثيرات السياسية وطلبات الرئيس. ويندرج تدخل هذه المؤسسة في إطار
"إرثين" إثنين، أحدهما حمائي والآخر يرتبط "بدولة الرفاهية"
الضامنة للاستقرار الاجتماعي والحفاظ على النظام.
ويواصل
الخبير قائلا إن "الجنرالات المتدخلين في الاقتصاد غير أكفاء. ويوشك أن يكون
لأفكارهم الاقتصادية الخاطئة تأثير خطير".
وفي
الواقع، خفّضت الحكومة المثقلة بمستوى تداين قياسي محليا ودوليا منذ أوائل العقد
الأول من القرن الألفينات، استثماراتها في مشاريع البنية التحتية والإسكان. في
أيلول/ سبتمبر 2016، منح صندوق النقد الدولي قرضًا لمصر بقيمة 12 مليار دولار
مقابل تنفيذ الإصلاحات الهيكلية.
في
الختام، نقلت الصحيفة عن مختصة مصرية في الاقتصاد قولها إن "الطريقة التي
أراد الجيش حل مشاكل الاقتصاد بواسطتها خلقت مشكلة أكبر، ذلك أنه بالغ في تقدير
دوره".
علاوة
على ذلك، تعد ميزانية الجيش، التي لا تخضع لأي فحص علني حقيقي، رهانا رئيسيا آخر.
وتخضع حسابات المؤسسة العسكرية للمراجعة، لكن على غرار جميع الشركات العامة في
مصر، لا يُفرض نشر هذه التقارير كما يصعب على المعلومات القليلة المتوفرة تفسيرها
أو تحليلها.