كتب

"إسلام السلطة وإسلام الجماعة: محنة أمة".. التجربة التونسية

كتاب يبحث في تحولات الإسلام السياسي.. حركة النهضة التونسية نموذجا  (عربي21)
كتاب يبحث في تحولات الإسلام السياسي.. حركة النهضة التونسية نموذجا (عربي21)

"إسلام السلطة وإسلام الجماعة: محنة أمة" هو الإصدار المُفرد الثاني في رصيد الكاتب لطفي حجيّ بعد كتاب "بورقيبة والإسلام: الزعامة والإمامة" الصادر في طبعة أولى سنة 2004 وطبعة ثانية سنة 2013، إضافة إلى إصدارين آخرين بالاشتراك أحدهما بالفرنسية حول "بورقيبة: البصمة والأثر" والثاني يهتم بمراجعات التيار المصطلح على تسميته بالإسلامي في تونس وداخل المجال العربي على السواء.

الكتاب على وجه الحقيقة مجموعة مقالات بينها خيط رابط كُتبت في معظمها بين سنتي 2001 و2016، يعود أقدمها إلى سنة 1989: دأبُها ودَيدنُها والقطب الذي تدور عليه رحاها "تجديد الفكر الديني" و"معالجة قضايا الإسلام السائد على مبدأ التأويل والعقلانية"، فضلا عن قضايا الحقوق والحرّيات الأساسية ومنها الحرّية الدينية والحرّية السياسية وسؤال الديمقراطية عموما.

هذه المقالات، رغم طابعها الصُّحفي وما يستتبعه من إكراهات المنهج وخطّ التحرير، فضلا عن حرصها الشديد على التوثيق، التزمت في تمشّياتها التزاما تامّا بالموازاة بين العرض المُعلّل والتحليل المُفصّل من ناحية، والنقد الموضوعي، وهنا مربط الفرس، والتحرّر من الإيديولوجي والسياسي والتمسّك التام غير المشروط بالولاء للفكري وحده، ذاك الذي لا يحرّكه إلا هاجس الفهم والاستشكال من ناحية أخرى.

فهم الإسلام في ديار الإسلام

ولعلّ هذا التمثل الإشكالي وبالتالي النقدي لقضايا التنزيل والتأويل هي التي دفعت الكاتب إلى الاعتراف بأنّ حجر الزاوية فيما يطرح  من مقاربات يتمثل في "إبراز مأزق فهم الإسلام في ديار الإسلام، ليس مأزق الإسلام واحدا في علاقة التأويل بالتنزيل والنصّ بالواقع فقط، وإنّما أيضا مأزق الإسلام متعددا، وبالأساس من خلال الإسلام الرّسمي أو التقليدي أو المحافظ بتبريره للسّائد وإعادة إنتاجه له والإسلام الرّاديكالي أو الاحتجاجي بكلّ صيغه، مع ما يأتيه من أعمال إقصائية وفي مقدّمتها ظاهرة التكفير واحتكار النّطق باسم المقدّس، وذلك بأفق انتظار مزدوج:

ـ الوصل في تمثّل الإسلام بين طمأنينة الضّمير وحرّية التفكير والتسلّح بالحسّ النقدي التاريخي الذي يسمح بمعالجته النصّ الديني التأسيسي بآليات جديدة للمعرفة والاستنباط " أساسها العقل ومُكتسبات العلوم الإنسانية " والانتقال من ثمة، والعبارة للطفي حجي، من فقه المحرّمات إلى فقه الحرّيات بما من شأنه أن يعيد فهم الثقافة الإسلامية بآليات إنتاجها التاريخية وظروفها الموضوعية الخاصة بها وعدم الاكتفاء بنقد الأطروحات المُهيمنة أو العقل الفقهي ولكن في إطار الوقوف على أرضها بل الوصول إلى إعادة معالجة النصّ القرآني بآليات المعرفة الجديدة وضمن المتغيرات العالمية وقيمها المعرفية الجديدة، هذا بالنسبة إلى الأول.

 

 

نحن على حد تعبير المؤلف في أمسّ الحاجة إلى فقه جديد قد نسمّيه فقه الحرية، فقه يسمح للجميع بحرّية التأويل والقراءة


ـ إعادة تصنيف الحركات الإسلاميّة بموضوعية بما يمنح المناخ "لعدد كبير من فصائلها" لفكّ الارتباط مع الحاضنة الإحيائية: شخصياتٍ ومؤسساتٍ، والانخراط بها في الحاضنة الديمقراطية والمشروع الوطني في إطار ما يسمّيه الكاتب " الإدماج الديمقراطي" والانصهار الاجتماعي.

وهي إعادة تصنيف تستدعيها في تقديره إملاءات الواقع ومُقتضيات الضرورة "لأنها لم تعُد جميعا تحمل نفس التصورات والمواقف من المجتمع ككلّ ومن المشاركة في المسار السياسي الديمقراطي خاصّة ".

 

 

الإسلام الواحد والأفهام المتعددة


في إطار هذه الرؤية التي تعتمد "العقل الثّاقب اللطيف" بعبارة الجاحظ والحرّية منهجا في المجالين الديني والسياسي نزّل المؤلف أبواب كتابه الستّة: الإسلام الواحد والأفهام المتعددة، بين الديمقراطية والشورى، الإسلام السياسي زمن المواجهات والثورة، تكفيريون خارج التاريخ، تِيهُ مسلم: النص، العقل، التأويل، الواقع، إرادة التجديد: العقل الإسلامي وإرث الانحطاط.

وهذه المباحث تكتسب أهميتها في تقديرنا من راهنيّتها بهذا الاشتغال على واحد من أهمّ مجالات التوتّر في الفضاء العام نعني إعادة تمثل العقل الديني ـ الإسلامي هنا، وكسر الحدود بين المؤسسة الدينية (السلطة أو الجماعة هنا) ذات الفكر التسلّطي والحرّية الإنسانية المنشودة دينيا واجتماعيا وحتى سياسيا، تلك الحرّية التي لا يمكن نَيلُها بحسب المنظّر الألماني دروفرمان إلاّ بإدراك أنّ الطقوس الدينية لا بدّ أن تُؤَمِّنَ للذات الإنسانية توازنها النفسي بدل تحويلها إلى ذات معصوبة: عنفا وتكفيرا والوعي بأنّ النصّ المقدّس ليس حبيس الدلالة الواحدة، وفقا لمنطق " الفرقة النّاجية "، بل هو لا ينطق إلا بفضل تفاعله مع المنطق التأويلي، والتفطّن إلى أنّ السلطة الدينية ليست إلا أداة لتبرير المَأسَسَةِ والهيمنة والسيطرة الاحتكارية .

 

إسلام السلطة وإسلام الجماعات


وبهذا الارتياد لمجالين لا يخلوان من مآزقَ ومزالقَ: سؤالالتديّن بوجه عام وسؤال الفكر الديني الإسلامي بصورة خاصة وبنجاحها في الخروج عن تلك الصورة النمطية التي يرسمها "إسلام السلطة"  و"إسلام الجماعات"، كل عن نفسه وتلك التي تُرسم لهذا وذاك بمُسبّقات إدانية أو مصادرة على المطلوب إلى صورة جديدة تقوم على المُساءلة النقدية وتبيّن مواطن التوتّر ومواطن الإضافة والتميّز في هذا الخطاب وذاك، وطرح الإحراجات التي تتصل بصورة الإسلام بوجهيه التقليدي والاحتجاجي/ الأصولي معا.

معنى هذا أنّنا إزاء محاولة، من الكاتب، لوجه من وجوه مقاربة تجديد الفكر الإسلامي في تونس وفي المجال العربي من المفيد أن تتلوها محاولات أخرى لغيرها من وجوه مقاربة الظاهرة ذاتها في كل ما يتصل بها من أسئلة حارقة على غرار إشكالية المساواة بين الجنسين وطبيعة العلاقة بين حقوق الإنسان والمطلب القرآني وبين السلطة الزّمنية والسلطة الرّوحية وبين الدّين والدولة والشريعة والقانون ومفاهيم السياسة المدنية ومفاهيم السياسة الشرعية، مقاربة لتغيير الواقع شعارها أن " لا سلطان إلا للعقل ولا سلطة إلا لضرورة الواقع الذي نعيش فيه ". 

فكيف تبدّى مصنف لطفي حجيّ في مستوى المنهج ومن ناحية من مضامين الخطاب وتطبيقاته؟

في المنهج:

ويشي به الباب السادس من الكتاب، ص ص 361 ـ 404، وقد سجّلنا فيه حضورا لافتا لكل من محمّد الطالبي وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري، وهو حضور يعود بالأساس إلى سنة 1990، والواضح من خلال مدارات اهتمام هؤلاء الأعلام ومشاريعهم في قراءة التراث ونقد العقل العربي أو الإسلامي وتجديد الفكر  العربي والرافد الإسلامي فيه تحديدا والدعوة الصريحة إلى إعادة بناء علم أصول الفقه أنّ الكاتب مسكون بهاجس معالجة "مصادر الإسلام الكبرى"، وبالتالي النصّ الديني التأسيسي بآليات المعرفة الجديدة متطلع إلى "إبداع مقاربات تجذب المسلم وتفتح له آفاقا جديدة لا تناقض فيها بين إسلامه وعصره"، ومؤدىّ هذا كله أنّ المؤلف يهفو إلى اتجاه الإرادات إلى تحوّل نوعي في ثقافة بلاده الوطنية من التفسير إلى التحليل، ومن القراءة التجزيئية اللاّ تاريخية لمصادر الإسلام الكبرى إلى القراءة الموضوعية لها، ومن الاجتهاد التراكمي لعموم الفقهاء إلى الاجتهاد النوعي للمفكرين والعلماء من ذوي الاختصاصات المختلفة. 

فنحن على حد تعبير المؤلف في أمسّ الحاجة إلى فقه جديد قد نسمّيه فقه الحرية، "فقه يسمح للجميع بحرّية التأويل والقراءة مع الإقرار بحق الاختلاف وحق التعايش"، "فقه الإسلام المتعدد الذي لا تحتكره سلطة أو جماعة"، بتعبير المفكّر الإيراني عبد الكريم سروش، وبالتالي من الاسترجاع الماضوي لمقولات الدّين التاريخي عبر الإلحاح على إحلال مفاهيم السياسة الشرعية التاريخية إحلالا قسريا في الحاضر، وهذا بالأساس شأن التيارات التكفيرية وجماعات الإسلام الجهادي، إلى آفاق تأويلية جديدة تتأسس على خطاب تأويلي جديد يتجاوز التأويلية القديمة إلى خطاب مُؤَنسَنٍ" يجعل من الإسلام عنصرا أساسيا في تنمية المجتمعات وتطويرها وليس عنصرا من عناصر أزمتها، وهذا ما تشي به بامتياز مثلا مقولة اللاهوت الأفقي المرتبط بالأرض، تلك المقولة التي يطرحها الكاتب أخذا عن حسن حنفي ليس في ارتباط بالكنيسة الحمراء في أمريكا اللاتينية وإنما في علاقة بالواقع المحليّ، بكل ما يستبطنه ذلك من استشعار حاجة المؤسسة الدينية الإسلامية إلى حركة إصلاح ديني على غرار الإصلاح اللوثري. 

فنحن إذن وفي مستوى المنهج إزاء احتفاء بأدبيات إسلام التأويل الجديد بكل ما يعنيه ذلك من وعي بالفروقات بين إسلام الرسالة وإسلام التاريخ، بين التنزيل والتأويل وبالتالي بين النصّ المقدّس والتراث الفقهي والتفسيري.

مضامين الخطاب وتطبيقاته: إشكالية المراجعات أنموذجا

يشي بها بالأساس الباب الثالث من الكتاب: الإسلام السياسي زمن المراجعات والثورة، ص ص 114 ـ222، وهو باب من الأهمية بمكان كمّاّ وكيفا، من حيث أنه يستأثر كميّا برُبع الكتاب أو أزيد بقليل، ومن حيث أنه يهتم بتمفصلات شتى للظاهرة الإحيائية على غرار "الإخوان المسلمين" و"حزب التحرير" وصولا إلى واحد من أكثر الأحزاب الوازنة في المشهد السياسي التونسي الجديد هو  "حزب حركة  النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا)"، وذلك من خلال المضامين الأساسية لمرجعيتها النظرية ومعالم مشروعها السياسي، اهتماما لم يكن تزامنيا تاريخيا فحسب، وإنما أيضا، وهنا تكمن أهميته، اهتماما آنيّا، هنا والآن، فيما وسمه لطفي حجيّ بالدين والدولة في دستور الثورة التونسية وما حفّ باختبار الحرّيات فيه من سِجال حاد داخل المجلس الوطني التأسيسي وفي الفضاء العام وما استتبع ذلك من انقسام مجتمعي حادّ أفضى إلى انبثاق الحوار الوطني وما يُسمّى بلجنة التوافقات داخل أروقة المؤسسة التشريعية ذاتها.

واللافت للنظر هو درايةُ الكاتب العميقة بهذه الحاضنة ووعيُه الدقيق ببنيتها الذهنية وتحوّلاتها ووقوفُه عن كثب على تطلعها إلى التحوّل من حزب تقليدي كان في البدء حركة إحياء ديني، إلى "حزب منفتح وعصري كما يقول أصحابه، حزب سياسي ديمقراطي وبالتالي مدني"، دراية ووعي عبّر عنهما ولخّصهما بدقّة ذلك الحوار غير المباشر الذي بناه لطفي حجيّ بين المأسوف عليه الهاشمي الطرودي، الكاتب الصحفي الذي لخّص بكتاباته الصحفية أكثر المواقف راديكالية حول علمانية الدولة والحبيب خضر، النائب عن حركة النهضة بالمجلس الوطني التأسيسي والمقرّر العام للدستور، ص ص 207 ـ 222، وهو حوار بما هو غير مباشر، يترجم بالفعل رغبةَ الكاتب ووعيَهُ بأنّ "من يهمّه مستقبل المجتمع ومصلحته ويسكنه فعلا هاجس التطوير والتقدم يجب ألاّ ينظر من الزوايا الإيديولوجية أو الحزبية بل عليه أن ينظر إلى المسألة من زوايا تجنيب المجتمعات مخاطر هي قادرة على تجنّبها شريطة تغليب العقل على الشعوذة الفكرية والسياسية والتحاور بدل التقاتل والقانون بدل التعسف والقمع"، كما يترجم، من جهة الكاتب، التمسّك بضرورة حوار العقول، والولاء غير المشروط للفكر وحده والانزياح عن أية اشتراطات أخرى ما عدا اشتراطات الفهم والاستشكال بعيدا عن تصدير الرّفض والرّفض المُضادّ. 

قضايا خلافية

مسّ هذا الجدل قضايا خلافية عديدة مثل مدنية الدولة والعلاقة بين السلطتين الزمنية والروحية، الشريعة والقانون والعلاقة بين مقولتي الحاكميّة والديمقراطية، حقوق الإنسان ومجلّة الأحوال الشخصية والعلاقة بين الخصوصية والكونية، المفاهيم الدستورية بين الأحكام السلطانية ومبادئ السياسة المدنية. 

وبصرف النظر عن طبيعة هذا الجدل وما انتهى إليه من مآلات، وهي مآلات في حصيلتها زائد إيجابي، ترافقت لا محالة مع ما اعتبره بعض الفُرقاء "مراجعات تحت الضغط" واعتبره بعض الفرقاء الآخرين "قناعة بإيجابية تلك التحسينات وبكونها تخدم الحريات وتخدم الديمقراطية وتخدم الانتقال الديمقراطي في البلاد وربما في غيرها وليس من باب الاضطرار"، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه، اعتمادا على مُنجز الدستور وعلى لوائح المؤتمر العاشر لحركة النهضة الصادرة بتاريخ 25 أيار (مايو) 2016:

 

الرؤية الإخوانية التقليدية قد انتهت في تونس وبات من الواضح أنّ حركة النهضة ستنتهي إلى الخروج من جلباب الأًخونة إلى جبّة التًّونسة".


ـ هل نحن مع خطاب النهضة إزاء خطاب إستراتيجيات وخيارات مبدئية؟ أم نحن إزاء نصّ انتقالي وبنية ذهنية انتقالية تبدو قلقة بين الرّغبات والإكراهات، بين المُراجعات والرِّهانات، الرغبة في "مزيد التأصل في البيئة الوطنية"، و"إبداع تجربة تونسية وفقا لشروطها الخاصة" من ناحية، وإكراهات واقع القاعدة الحركية وواقع القاعدة الانتخابية، وهي قاعدة اجتماعية بالأساس وبالتالي قاعدة متحولة، والرأي العام المحلّي والإقليمي من ناحية أخرى؟

ـ ألا يُخشى مع هذه البنية القلقة: مُعجما ومَرجِعا ومفاهيمَ، بما يعني أنها على وجه الحقيقة صدى لأصوات عديدة ومتعددة داخل هذه الحاضنة، أن يتحول خطاب المراجعات إلى خطاب ترضيات ولملمة صفوف؟ وما ينسحب بهذا الصدد على المرجعيات الفكرية ينسحب على المشروع السياسي.

خطاب المراجعة لدى "النهضة"

ـ ومتى علمنا أنّ الخيط الناظم لخطاب المراجعات لدى حركة النهضة، هو النقد الذاتي، وهذا ما لم نتعود عليه لدى الأحزاب السياسية الوطنية إلا نزرا قليلا، وبالتالي الاعتراف بعلاقتها التاريخية القوية ثقافيا، بما سمته "أدبيات المشرق" في إشارة ضمنية إلى الحاضنة الإحيائية التقليدية وفي مقدمتها الحاضنة الإخوانية، فهل نحن مع النهضة في تونس بصدد تجسير علاقة مع المدرسة الإصلاحية التونسية واستئناف لجهود روادها وتوسيع في قاعدة مشروعهم تبعا لمقتضيات الانتقال الديمقراطي ولكن هذه المرّة ليس في إطار " الأمّة " وإنما في إطار "الوطن" وفي كنف "الاحتكام إلى الديمقراطية بمضمونها السياسي والاجتماعي ينطق بذلك مثلا حديث راشد الغنوشي عن المشروع البورقيبي بقدر مهمّ من العقلانية والموضوعية " ( ص 11 ) بالتزامن مع فكّ الارتباط مع مدرسة المنار والحاضنة الإخوانية، تلك التي كانت علاقتها بالأولى علاقة قطيعة والتفاف؟ خاصة مع ذهاب "البعض إلى أنّ الرؤية الإخوانية التقليدية قد انتهت في تونس وبات من الواضح أنّ حركة النهضة ستنتهي إلى الخروج من جلباب الأًخونة إلى جبّة التًّونسة".

ـ هل نحن مع مشروع النهضة السياسي، وهو مشروع يدافع بصريح العبارة عن مشروع "الدولة المدنية الديمقراطية"، وهي كما قررها الدستور "دولة ضامنة للحقوق والحريات" "قائمة على الديمقراطية التشاركية"، إزاء مقاربة في الحكم تنعقد على الانزياح عن ضيق أُفُق نظرّية الحاكمية الإلهية، وهي نظرية لا يمكن أن تؤدي إلاّ إلى موقف سلبي من التطور الاجتماعي والفكري وإلى حالة انفصام ضدّ كل شيء، وهي النظرية التي يذهب بها الإسلام الأصولي بكل تلويناته إلى حد الغلوّ والتعسف فيسبغ على نفسه مشروعية التصرف باسم الله وحاكميته، ويمضي بعيدا في تكفير من لا يوافقه التفكير ومنهج التأويل، وكذا الإسلام الرّسمي، رغم بهرج الطلاء: موقف مفتي الجمهورية من حرية الضمير مثالا، إلى وعي فكر سياسي جديد مرتبط بمتغيرات العصر وحاجيات الواقع الوطني ومحقق لأقصى درجات الانفتاح العقلي؟

ومُؤدّى كل هذا الانتباه إلى التناقض مع حركات التطرّف الأصولي رغم زعم التقاطع مقابل الالتقاء مع الحاضنة الديمقراطية والمشروع الوطني بمختلف روافده.

 

أسئلة حول السياسي والديني لدى "النهضة"

ـ هل نحن مع مثل هكذا خطاب إزاء حاضنة تهفو بالفعل إلى التحوّل من حزب تقليدي كان في البدء حركة إحياء ديني تجمع بين تحويل الدّين إلى نوع من اللاّهوت وتحويل الفقهاء بمنطق مشروعية الإفتاء إلى ضرب من هيئة كهنوت وتسعى إلى محاولة مُصادرة السّلطة والدولة ومؤسساتها والمجتمع وتفاعلاته الثقافية عبر فتاوى الحاكميّة، وهو ما ينطبق على عموم تيارات الإسلام السياسي، إلى حزب سياسي ديمقراطي وطني يصنّف نفسه ضمن ما يسمّيه بتيار الإسلام الديمقراطي بمقتضى تجاوزه، فيما يزعم، للمبرّرات التي تجعل البعض يعتبره جزءا ممّا يسمى بالإسلام السياسي أو الأصولية الإسلامية بتعبير أنور عبد الملك، حتى أنّه يرى أنه لم يعد مشمولا بهذا التصنيف بما هو مرحلة متقدمة عليه فكريا؟ نتاج ثقافي سياسي جديد فيه ما فيه من إرهاصات العلمنة والتمييز بين المقدّس والدنيوي، نتاج ثقافي سياسي جديد يحمل طرحا جديدا في مستوى المنهج والشواغل.

ـ هل نحن مع هذا النتاج الثقافي السياسي الجديد إزاء إعادة بِناء أم إعادة طِلاء بتعبير نصر حامد أبو زيد؟ محكّ ذلك بروز مجهود نظري " يؤصل للخيارات الجديدة " ويشرح ويحلل أسباب التحول الفكري ومبرراته، مجهود نظري لا ينبغي له بالتأكيد أن ينحصر في الإسهامات الفكرية لشخصيات قيادية لا غير، على غرار راشد الغنوشي في تونس ولا سيما في كتاباته المتميزة في ما يتعلق بالديمقراطية والدولة المدنية والحرّيات السياسية وحقوق المرأة ومفهوم المواطنة وحقوق غير المسلمين وعلي الصُّلاّبي في ليبيا وأحمد الرَّيسوني في المغرب وأن لا يتعدى حيّز المبادرات الفردية بقدر ما ينبغي أن يتحوّل إلى خيار إستراتيجي بل أنموذج يمكن أن يقتدى به ضمن أفق ما يُعرف بـ " ما بعد الإسلاموية" على حدّ تعبير عالم الاجتماع الإيراني آصف بيات.

وإذا كان هذا هو شأن خطاب حركة النهضة الرسميّ ذاك الذي تنطق به مؤسساتها فما عسى أن يكون شأن الخطاب المُصاحب داخل النهضة وخارجها؟

 

*أستاذ جامعي تونسي

التعليقات (2)
أحمد
الجمعة، 19-04-2019 11:25 ص
المشكل ليس في الدين أو الفكر والمفكرين..المشكل كله في الجهل بالدين التام وانعدام الأخلاق,الطمع والنفاق والقوادة التي أصبحت منهج أي شخص بيحسبوها استراتيجية ومصالح خاصة وسياسة..ولا يمكن للأمة أن تنهض الا بتنظيف عقولها وقلوبها وصدورها...حاكم البلاد لص والقاضي لص ورجل الأمن لص والشاهد لص وغيره ورجل الدين أو المتدين سيزج به في السجن أو يوصف بالتخلف والجنون فلا تحملوا الاسلام جهل هؤلاء..وكل اسلامي يتقدم للسياسة يوقعونه في أفخاخ كثيرة واخفاقه في اقناع الجهلاء ينسب للدين مباشرة..والدين بريء من كل البهايم..ولهذا فالسياسي الاسلامي ممكن يفوز في أي بلد لكن الكلاب ستعرقل طريقه بالنباح على كل كبيرة وصغيرة ومن العمل للصالح العام سيتحول كل جاهل ولص وغيره الى عالم وفقيه وهذا لا يخدم لا السياسة وسيضر بالدين في وجه ضعاف البصر..ومن هنا وجب احترام الدين بدرجة قصوى والأجتهاد في تنمية الأخلاق والمعرفة لدى الناس والتطور بأساليبهم في الحياة والتعاملات عندها هو نفسه سيكزن مهيئا للتغيير الحقيقي بكل ثقة وعزم..وساعتها لن نقول حزب اسلامي أو رجل اسلامي بل دولة مسلمة مائة بالمائة في كل حياتها...والى تحقيق ذلك لا يسمح لأي كلب بالعبث اطلاقا بالدين من أي اتجاه كان...
الله الهادي
الخميس، 18-04-2019 11:19 م
على أحزاب الإسلام السياسي أن توضح أنه كيف يستطيع المسؤول أو السياسي الإسلامي أن يطبق دينه وهو في حكم ديمقراطي أي ليس إنتخابات مع إستطاعة العلمانين من ممارسة حرياتهم الشخصية، مثلا وزير الصحة والتوقيع على طلبات رخص الخمارات ودور الدعارة والخنزير واللحم المسفوح ، الله يهدينا أجمعين على جعل دساتيرنا هي الشرع الإسلامي.