هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا أعدته آمي ووديات، تقول فيه إن السجون المصرية أصبحت مراكز تجنيد لتنظيم الدولة، مشيرة إلى أن عمليات الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون ومعدلات الاعتقال هي وصفة للكارثة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن البيت الأبيض أعلن عن انتصاره على الخلافة في سوريا بعدما عانى تنظيم الدولة من هزيمة في معقله الأخير في بلدة باغوز في سوريا، وقال الرئيس دونالد ترامب إن الخلافة "محيت عن الخارطة".
وتستدرك ووديات بأن منظمات حقوق الإنسان والناشطين يحذرون من أن هزائم التنظيم على جبهات القتال لا تعني توقف عمليات التجنيد له ولبقية الجماعات المتطرفة في السجون المصرية، حيث يعاني السجناء من أوضاع سيئة.
وتلفت المجلة إلى أن عبد الفتاح السيسي يقود نظاما تسبب بأسوأ أزمة حقوق إنسان في تاريخ مصر، بحسب منظمة "هيومان رايتس ووتش"، التي قدرت عدد السجناء في سجون نظام السيسي، في عام 2016، بأكثر من 60 ألف شخص، منذ أن أطاح بسلفه عام 2013.
وينقل التقرير عن الباحث المصري في منظمة "أمنستي إنترناشونال" حسين بيومي، قوله: "إنها من أسوأ الفترات في مصر من ناحية القمع والاعتقالات التعسفية، ففي مصر يمكن اعتقال أي شخص دون سبب على الإطلاق".
وتقول الكاتبة إن مصر لديها تاريخ في مجال ظهور وازدهار حركات جهادية خلف القضبان، فقد كان زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري من بين الذين أصبحوا متشددين في السجن، إلا أن منظمة "أمنستي" اعتبرت قمع السيسي للحريات المدنية بأنه "لا مثيل له في تاريخ المصر القريب".
وتذكر المجلة أنه يتم اعتقال الناس بسبب "نكتة، تغريدة، دعم نادي كرة قدم، شجب الانتهاكات الجنسية وإنتاج أفلام سينمائية"، مشيرة إلى أن الحكومة المصرية اعترفت في عام 2015 بأن السجون تجاوزت قدرتها الاستيعابية بنسبة 160%، وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى الظروف المهددة للحياة في السجون المزدحمة بالمعتقلين.
ويفيد التقرير بأن تقدير عدد السجناء يتفاوت من دراسة لأخرى، إلا أن "موجز السجن العالمي" قدر في عام 2016 عدد السجناء بحوالي 90 ألف نسمة، مشيرا إلى أن التقدير لم يفرق بين السجين السياسي وغير السياسي، وأشار تقدير إلى أن عدد السجناء يصل إلى 16 ألف نسمة، وفي الوقت الذي قدرت فيه منظمة "هيومان رايتس ووتش" عدد السجون الجديدة التي يجري العمل عليها بحوالي 18 سجنا.
وتورد ووديات نقلا عن المهندس أيمن عبد المجيد، قوله إنه اعتقل لنشاطه السياسي في عام 2015 في سجن القناطر، وسجن محكمة الجيزة وعدد آخر من السجون، وشاهد كيف تحول عدد من السجناء الذين اعتقلوا بجرائم لا علاقة لها بالعنف إلى التطرف، وأضاف: "لقد شاهدت الكثير من الرجال الذين اعتقلوا بسبب خلافات مع ضابط شرطة الذي قدم بلاغا ضدهم، وسجنوا ودخلوا دوامة عدم المحاكمة، ثم الاعتقال التعسفي لأمد لا نهاية له".
وتابع عبد المجيد: "إن هؤلاء الأشخاص امتلأوا بالغضب، وأصبحوا يكرهون الدولة والشرطة، وخسروا وظائفهم وأعمالهم، ما جعل حياتهم بائسة، وأبعدهم عن عائلاتهم، وهم الأشخاص أنفسهم الذين تتقرب منهم الجماعات المتطرفة".
وتقول المجلة إنه بدلا من شجب الأوضاع البائسة في السجون والمزدحمة بالمعتقلين، فإن إدارة دونالد ترامب قررت إعادة 195 مليون جنيه مساعدات للحكومة المصرية، لافتة إلى أن ترامب قد جمد المعونات عام 2017 احتجاجا على قانون يلاحق المنظمات غير الحكومية، وعلاقات الحكومة المصرية الدافئة مع كوريا الشمالية، إلا أن الإدارة الأمريكية أعادت الدعم العسكري للقوات المصرية، رغم غياب أي إصلاح حقيقي في مجال حقوق الإنسان.
ويستدرك التقرير بأن قرار استئناف الدعم رغم مظاهر القلق بشأن حقوق الإنسان جاء بعد سابقة في عهد باراك أوباما، الذي جمدت إدارته التمويل لمصر عام 2013 بسبب مظاهر القلق من وضع حقوق الإنسان، لتتراجع بعد عامين متذرعة بأهمية مكافحة التطرف الإسلامي.
وتنوه الكاتبة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كال المديح للرئيس المصري وجهوده الحثيثة لمواجهة التهديد النابع من الإرهاب والراديكالية الإسلامية التي تغذيه، مستدركة بأنه رغم مدح إدارة ترامب للسيسي، إلا أن الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ اكتشفوا التهديد الذي تشكله سياسات السيسي للأمن المحلي والدولي.
وتذكر المجلة أن السيناتور الجمهوري ماركو روبيو والديمقراطي بن كاردين كتبا في عام 2017، للرئيس ترامب، يحثانه للضغط على حكومة السيسي بشأن حقوق الإنسان، و"إلا واجه مخاطر إطالة مصر الظروف ذاتها التي فرخت التطرف والإرهاب".
وبحسب التقرير، فإن تقرير أنماط حقوق الإنسان في العالم، الذي تعده سنويا وزارة الخارجية، أشار إلى عدد من قضايا حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك القتل خارج القانون، والتغييب القسري، والظروف القاسية في السجون التي تهدد الحياة، والاعتقالات التعسفية، والاعتقال السياسي، والتعذيب، لافتا إلى أن هذه الظروف، التي وثقتها عدة منظمات حقوق إنسان، وبحسب عدد من السجناء السابقين، فإنها تدفع السجناء نحو تنظيم الدولة.
وتنقل ووديات عن المستشار البارز في "هيومان رايتس فيرست" بريان دولي، قوله: "أدى القمع الوحشي الذي مارسه السيسي ضد المعارضين إلى تغذية نمو تنظيم الدولة، بشكل زاد فيه عدد المنتمين له في السجون المصرية، وتحدثت مع أشخاص اطلعوا على وضع تنظيم الدولة في وقت قريب، ويسيطر تنظيم الدولة على أجزاء من نظام السجن"، مشيرا إلى أن التنظيم يقوم بتجنيد المعارضين السلميين والمعتقلين غير السياسيين، من خلال استغلال الغضب والانتهاك الذي تعرضوا له أثناء السجن، وقال دولي: "ينضم الأشخاص للجماعة انتقاما أو للحماية".
وتورد المجلة نقلا عن السجين محمد نبيل، وهو أحد ناشطي حركة 6 أبريل، التي أنشئت عام 2008 لدعم إضرابات العمال، وفي أثناء اعتقاله في السجن شاهد عددا من زملائه المعتقلين يعذبون ويسجنون في زنازين انفرادية مع عناصر من تنظيم الدولة، قوله: "أجبرنا المسؤولون على حضور جلسات التعذيب ومشاهدة الإسلاميين وهم يعذبون ويضربون بالكهرباء، ويعلقون من سقف الغرفة، وكانوا يقيدونهم من أيديهم، ويشبحونهم من السقف حتى تنخلع أكتافهم، وكانوا يصعقون الأشخاص في الأجزاء الحساسة من أجسادهم".
وأضاف نبيل: "شاهدنا أطفالا لم تتجاوز أعمارهم الـ13 عاما، أو في سن الـ18 عاما يعتقلون ويصعقون بالكهرباء، وبهذه الطريقة جندهم تنظيم الدولة الذي كان يدير الداخل"، مشيرا إلى أن الجلادين اغتصبوا الأطفال واستغل تنظيم الدولة الأمر، وقال لهم "يجب قتل هؤلاء الأشخاص ويمكننا المساعدة".
وبحسب التقرير، فإن نبيل وصف عمليات التجنيد التي تبدأ من الانتقام كونه عاملا دافعا، أما العامل الثاني فهو الوعد بالشهادة، لافتا إلى أن عملية التجنيد في السجن تعد واحدة من الطرق التي اعتمدها الجهاديون للتجنيد في العمليات الإرهابية، التي نفذت في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، فشريف وسعيد كواتشي اللذان نفذا عملية تشارلي إبيدو عام 2015 أصبحا متشددين في السجن، وكذلك أمادوا كوليبالي، الذي هاجم متجرا يهوديا في باريس، والأمر ذاته ينطبق على بنيامين هيرمان، الذي قتل ضابطي شرطة في ليج في بلجيكا.
وتنقل الكاتبة عن الباحث في المركز الدولي لدراسة التشدد رجان بصرا، قوله إنه شاهد في أوروبا عددا من الحالات التي تحول فيها السجناء للتطرف، وذلك بعد إدانتهم بجرائم عادية، وأضاف: "تم فصلهم عن أصدقائهم وعائلاتهم في السجن، الذي يعد مناخا معاديا، حيث يبحث فيه الناس عن حماية جسدية وعليهم البحث عن حلفاء جدد.. ثم يلتقون بمتطرفين يعرفون مكامن ضعفهم".
وتشير المجلة إلى أن الحكومات حول العالم تحاول وقف عمليات التجنيد في السجون، التي أدت إلى ولادة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، الذي سيطر على مساحات واسعة فيها عام 2014، ونفذ هجمات حول العالم.
ويستدرك التقرير بأنه رغم تراجع سيطرة التنظيم على المناطق، إلا أن الحكومات المحلية والعالمية تحاول البحث عن طرق لاحتواء نشاطات التجنيد في سجونها، فيما يقول السجناء السابقون إن معالجة انتهاكات حقوق الإنسان في السجون قد تبطئ من عمليات التجنيد.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول فهد الذي أفرج عنه عام 2018 بعد اعتقال أربعة أعوام في ستة سجون مختلفة، إنه "ربما أدت ظروف سجن جيدة للتخفيف من المظالم التي يستغلها تنظيم الدولة، وهذا ليس ضمانا، لكنك لو أوقفت التعذيب والضرب فإنك ستقلل من قوة تنظيم الدولة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)