سبق أن أشرت في مقالاتي إلى أن احتمال فوز حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، في الانتخابات المحلية كبير، لافتا إلى عوامل عديدة تعزز حظوظ الحزب الحاكم في السباق الديمقراطي المقرر إجراؤه في 31 آذار/ مارس المقبل. وهذا ما أكده أيضا نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، نعمان كورتولموش، وذكر في برنامج تلفزيوني أن حزب العدالة والتنمية يحتل المرتبة الأولى في نتائج استطلاعات الرأي، وأنه يتقدم على الأحزاب الأخرى بفارق كبير.
هذه المؤشرات لا تعني بالضرورة أن كل شيء على ما يرام، بل إن هناك نسبة ليست قليلة من الناخبين لم يقرروا حتى اللحظة لأي حزب سيدلون بأصواتهم في هذه الانتخابات، بالإضافة إلى الناخبين المستائين من أداء أحزابهم ومرشحيها وتحالفاتها. وقد يقاطع هؤلاء الانتخابات المحلية، ولا يرون الجدوى في الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
الكاتب التركي مهمت آجت، ذكر قبل أسبوع في مقاله بصحيفة يني شفق التركية، أن نسبة الناخبين القائلين بأنهم سيقاطعون الانتخابات في ارتفاع ملحوظ، وعزا هذه المعلومة إلى حمزة داغ، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية والمسؤول عن متابعة استطلاعات الرأي.
هناك نسبة ليست قليلة من الناخبين لم يقرروا حتى اللحظة لأي حزب سيدلون بأصواتهم في هذه الانتخابات، بالإضافة إلى الناخبين المستائين من أداء أحزابهم ومرشحيها وتحالفاتها
هناك أسباب مختلفة قد تدفع هؤلاء الناخبين إلى المقاطعة، إن لم يغيروا آراءهم في اللحظات الأخيرة. وتختلف بعض تلك الأسباب من حزب إلى آخر، إلا أن هناك سببا واحدا تشترك فيه كافة الأحزاب الكبيرة التي ستخوض الانتخابات المحلية، وهو التحالفات الانتخابية.
حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية أقاما تحالف الجمهور، في مقابل تحالف الملة الذي يجمع تحت مظلته كلا من حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح وحزب السعادة، بالإضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطي. وبموجب التحالف الانتخابي والتفاهمات التي توصل إليها قادة الحزبين، سيدعم حزب الحركة القومية مرشحي حزب العدالة والتنمية في مدن، ليدعم هذا الأخير مرشحي الأول في مدن أخرى. إلا أن هناك ناخبين مؤيدين لأحد الحزبين لا يريدون أن يصوتوا لمرشحي الحزب الثاني، ولا لمرشح أي حزب آخر. وهؤلاء قد لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع لعدم وجود مرشح يمثل الحزب الذي يؤيدونه.
أحزاب المعارضة التي شكلت تحالفا انتخابيا هي الأخرى تعاني من ذات المشكلة. فهناك ناخبون مؤيدون لحزب الشعب الجمهوري أو للحزب الصالح مستاؤون من تحالف حزبهم مع حزب الشعوب الديمقراطي، ويعتبرونه تحالفا مع المنظمة الإرهابية الانفصالية، بسبب ارتباط هذا الحزب مع حزب العمال الكردستاني. كما أن هناك ناخبين يساريين مؤيدين لحزب الشعب الجمهوري لا يريدون أن يصوتوا لمرشحي الحزب الصالح اليميني، وآخرين يمينيين مؤيدين للحزب الصالح، لا يريدون أن يصوتوا لمرشحي حزب الشعب الجمهوري اليساري. وهؤلاء أيضا يمكن أن يقاطعوا هذه الانتخابات لعدم وجود مرشحين يمثلون أحزابهم في مدنهم، بدلا من أن يصوتوا لمرشح أي حزب آخر.
شبح المقاطعة يخيم على معظم الأحزاب السياسية. ومن المتوقع أن تسعى تلك الأحزاب، في حملاتها الانتخابية، إلى إقناع الناخبين المؤيدين لها بضرورة التصويت إما لمرشحيها أو المرشحين الذين تدعمها
هناك مرشحون كانوا ينتمون إلى حزب الشعب الجمهوري، إلا أن الحزب لم يرشحهم للانتخابات المحلية، واستقالوا منه، وانضموا إلى حزب اليسار الديمقراطي، الذي أسسه رئيس الوزراء التركي الأسبق بولنت أجاويد. وكان حزب اليسار الديمقراطي الذي لم يتمكن من خوض الانتخابات البرلمانية الأخيرة، شبه ميت، إلا أن الانشقاقات من حزب الشعب الجمهوري بدأت تضخ الحياة في شريان هذا الحزب المنسي.
مصطفى صري غول، الرئيس الأسبق لبلدية قضاء شيشلي
بمحافظة إسطنبول، استقال قبل أيام من حزب الشعب الجمهوري، وانضم إلى حزب اليسار الديمقراطي، وترشح لرئاسة بلدية شيشلي. كما أن السياسي الشهير جلال دوغان، الذي سبق أن تولى رئاسة بلدية غازي عنتاب، رشحه حزب اليسار الديمقراطي في مدينة غازي عنتاب للانتخابات المحلية. وأعلن حزب الشعوب الديمقراطي دعمه لدوغان في هذه الانتخابات. وهناك حديث يدور في الكواليس حول المفاوضات الجارية لتقديم علي حيدر يلماز، الرئيس الأسبق لبلدية قضاء تشانكايا
بمحافظة أنقرة، كمرشح حزب اليسار الديمقراطي لرئاسة بلدية العاصمة، بعد أن رفض حزب الشعب الجمهوري ترشيحه في تشانكايا.
شبح المقاطعة يخيم على معظم الأحزاب السياسية. ومن المتوقع أن تسعى تلك الأحزاب، في حملاتها الانتخابية، إلى إقناع الناخبين المؤيدين لها بضرورة التصويت إما لمرشحيها أو للمرشحين الذين تدعمها بموجب تفاهمات التحالفات الانتخابية، وعدم الانجرار وراء فكرة المقاطعة.