هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ذا نيوريببليك" الأمريكية مقالا للباحثة في مركز "فورورد ثينكينغ" الإسرائيلي إليزابيث تسوركوف، تتساءل فيه عن الغارات التي تقوم بها إسرائيل في سوريا، وما تكشفه عن سياسة دونالد ترامب في الشرق الأوسط.
وتقول تسوركوف في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن سلسلة الغارات التي هزت دمشق والريف الجنوبي تبدو أنها الغارات الأكثر كثافة التي تقوم بها إسرائيل على الأهداف المرتبطة بإيران في سوريا ومنذ أيلول/ سبتمبر.
وتشير الكاتبة إلى أن هذه الغارات جاءت بعد يوم من خطاب وزير الخارجية مايك بومبيو في الجامعة الأمريكية في القاهرة، الذي كان جزءا من رحلة في المنطقة إلى جانب مستشار الأمن القومي جون بولتون، وقصد منها طمأنة الدول الحليفة بشأن قرار دونالد ترامب المتعجل الانسحاب من سوريا.
وتجد تسوركوف أن هذه الغارات مجموعة تشير إلى أن إسرائيل لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة أو روسيا للضغط على إيران كي تتوقف عن نشاطاتها، ما يزيد من احتمال توسع الحرب، مشيرة إلى أن إسرائيل شنت منذ عام 2012 آلاف الغارات على مواقع إيرانية، بهدف إعاقة عمليات نقل السلاح إلى المليشيات التابعة لها في سوريا، ومنع إيران من إقامة قواعد عسكرية دائمة لها في سوريا.
وتلفت الكاتبة إلى أنه بعد التدخل الروسي في سوريا عام 2015، توصلت إسرائيل مع موسكو إلى اتفاق يقضي بمواصلة الغارات، مشيرة إلى أنه بموجب هذا الاتفاق يقوم الطيارون والجنود الروس بإغلاق النظام الصاروخي باتريوت المنشور في سوريا في حال تلقى الروس بلاغا قبل الهجوم بدقائق بأن الطائرات الإسرائيلية ستقوم بالغارات على مواقع إيرانية.
وتستدرك تسوركوف بأن هذه الترتيبات توقفت في أيلول/ سبتمبر 2018، عندما أسقط الطيران السوري مقاتلة روسية بالخطأ، كان على متنها 15 طيارا، وحملت موسكو إسرائيل مسؤولية مقتل جنودها، ونقلت إلى سوريا النظام الصاروخي المتقدم أس-400، وتوقف الروس عن إغلاق الأنظمة الصاروخية الجوية، وطلبوا من الإسرائيليين إبلاغهم قبل ساعات من موعد الغارات.
وتفيد الكاتبة بأن إسرائيل ردت على الطلب في البداية بوقف الغارات كلها، ثم بدأت بالقيام بغارات صغيرة، فاستهدف الهجوم الأخير أربعة مواقع مختلفة، ويعد الأكبر منذ أيلول/ سبتمبر 2018، ما يؤكد إصرار إسرائيل على مواجهة الجهود الإيرانية ونقل الأسلحة إلى حزب الله.
وترى تسوركوف أن "السياسات غير الواضحة لواشنطن أسهمت ومنذ البداية في تعقيد الوضع، وكانت وراء الاسباب الكثيرة التي جعلت إسرائيل تقوم بغارات جوية داخل البلد، فمنذ انتخاب ترامب عام 2016 عبر المسؤولون الإسرائيليون عن إحباطهم من التباين بين الخطاب الداعي للحرب مع إيران وبين الأفعال على الأرض، وفي الوقت الذي حاول فيه مسؤولون في الإدارة نقل الخطاب المعادي لتنظيم الدولة والتدخل الأمريكي، وتحويله إلى محاولات الحد من تأثير إيران، فإن ترامب رفض هذه المحاولات".
وتنوه الكاتبة إلى أنه عوضا عن ذلك، فإن إعلان الرئيس في كانون الأول/ ديسمبر 2018، عن سحب القوات الأمريكية، بدد أي أمل لقيام الولايات المتحدة بالحد من الطموحات الإيرانية في المنطقة.
وتذهب تسوركوف إلى أن الخطاب المتشدد لبومبيو في القاهرة عن إيران يعكس التباين بين الخطاب والفعل الأمريكي، مستدركة بأنه رغم الخطاب المتشدد من إيران، والخروج من الاتفاقية النووية معها، فإن إدارة ترامب مارست خلال العامين الماضيين سياسة تشبه سياسة أوباما من سوريا، وهي السياسة التي انتقدها بومبيو مطولا في خطابه المتحزب يوم الخميس في القاهرة، و"عليه فإن إعلان الرئيس الشهر الماضي عن سحب القوات احتفلت به إيران بصفته انتصارا فيما كان يعد ضربة قوية لإسرائيل".
وتقول الكاتبة إن "الأمن القومي الإسرائيلي يعتمد على إظهار القوة الأمريكية وكونها حليفا يوثق فيه، وفي الوقت الذي تركزت فيه الأنظار على مخطط الانسحاب من مناطق شمال شرق سوريا، حيث القوات الكردية التي تدعمها أمريكا، فإن إسرائيل كانت قلقة من انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة التنف، على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، فسحب القوات الأمريكية وخروج المقاتلين الذين تدعمهم سيقصران من خط الإمدادات الذي استثمرت فيه إيران كثيرا، ويمتد من طهران عبر العراق وسوريا إلى لبنان".
وتبين تسوركوف أن إيران تستخدم في الوقت الحالي ممرا طويلا يمر عبر دير الزور لتجنب المواجهة مع الأمريكيين، لافتة إلى أنه من غير المعلوم إن كانت تأكيدات مستشار الأمن القومي جون بولتون التي قدمها لإسرائيل بشأن البقاء في التنف تعكس إرادة الرئيس.
وتشير الكاتبة إلى أن "إسرائيل مصممة في ضوء هذه الضوابط على مواجهة حزب الله ومنع إيران من بناء قواعد عسكرية لها في سوريا، إلا أن هذه السياسة في شكلها الحالي فاشلة، فقد فشلت مئات الضربات الإسرائيلية منذ عام 2012 في منع حزب الله من تعزيز ترسانته الصاروخية، بالإضافة إلى أن الغارات غير فاعلة لمواجهة التأثير الإيراني على الجيش السوري والمليشيات التي تدعمها، علاوة على جهود طهران لكسب عقول السوريين وقلوبهم من خلال توفير المساعدات الإنسانية لهم".
وتعتقد تسوركوف أن "عدم الوضوح في السياسة الأمريكية المترافق مع نزعة ترامب الانعزالية يتركان إسرائيل وحدها لتواجه إيران خلف حدودها الشمالية، فيما تشعر إيران وحزب الله بالقوة بعدما ساهما في نجاة بشار الأسد ضد المعارضة السورية، وزادا من تأثيرهما في البلد، بالإضافة إلى أن الانسحاب يلغي التأكيدات التي قدمتها أمريكا لإسرائيل وحلفائها، ويجعلها في نظرهم حليفا لا يمكن الوثوق فيه".
وتذكر الكاتبة أن إسرائيل ستواصل في هذه الحالة ضرب شحنات الأسلحة من فترة لأخرى، ما يمنع إيران من نقل السلاح جوا إلى لبنان، مشيرة إلى أن إسرائيل ستواصل في الوقت ذاته التحادث مع روسيا؛ لإقناع نظام دمشق بالضغط على حلفائه الإيرانيين لوقف نقل الأسلحة وبناء القواعد.
وتختم تسوركوف مقالها بالقول إن "النزاع بين المصالح الإسرائيلية والإيرانية، وعدم استعداد روسيا أو رفضها أداء دور الوسيط بينهما، يعنيان أن سوريا ستظل ساحة للتنافس الدولي، وأن أي خطا في النزاع الذي تم احتواؤه الآن قد ينتشر إلى إسرائيل ولبنان".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)