وصف سياسيون واقتصاديون قرار الحكومة
المصرية بنزع ملكية 915 قطعة أرض بمثلث ماسبيرو بوسط القاهرة دون تعويض لائق
لأصحابها، بأنه بمنزلة "بلطجة" حكومية لخدمة الأغراض
الإماراتية التي
تقف وراء تطوير مشروع المثلث.
ويشير المختصون أنه بقرار الحكومة
الجديد، فإن
مثلث ماسبيرو ينضم لجزر الوراق ومحمد والدهب، التي قام نظام الانقلاب
العسكري بنزع ملكيتها لخدمة المستثمرين الإماراتيين، الذين توسعوا في الحصول على
المناطق الحيوية بنهر النيل ووسط القاهرة، لإقامة مشروعات سياحية وترفيهية وسلاسل
فنادق فارهة.
وكانت الجريدة الرسمية نشرت الخميس،
قرار رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي بنزع ملكية 915 قطعة بمنطقة مثلث ماسبيرو،
التي تقع في المنطقة بين وزارة الخارجية ومبنى الإذاعة والتليفزيون على كورنيش
النيل، وتمتد من ميدان عبد المنعم رياض وحتى شارعي الجلاء و26 يوليو بوسط القاهرة،
بإجمالي مساحة تقدر بـ 51 فدانا.
وبالإضافة لقرار نزع الملكية، أصدر
مدبولي قرارا آخر بتأميم قطع الأرض التي رفض أصحابها تسليمها للحكومة، أو القطع
التي فشل أصحابها في تقديم المستندات "التعجيزية" التي طلبتها الحكومة
لتأكيد ملكيتهم لهذه الأراضي والعقارات.
وقامت الحكومة بإجلاء ما يقرب من 4100
أسرة، بينما ترفض 200 أسرة ترك منازلها، كما صرفت تعويضات لـ2880 أسرة، بينما نقلت
437 أسرة لحي الأسمرات بصحراء المقطم.
ورغم أن متر الأرض في هذه المنطقة يتراوح
من 25 إلى 100 ألف جنيه، وبإجمالي يصل لـ 120 مليار جنيه، إلا أن الحكومة حددت
التعويضات بملبغ 433 مليون جنيه فقط، بواقع 100 ألف عن كل غرفة، أو تملك وحدة
سكنية بحي الأسمرات، أو صرف 40 ألف جنيه لاستئجار مسكن بديل لحين انتهاء مشروع
التطوير.
"بلطجة مدعومة"
من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي كامل
المتناوي لـ"
عربي21" أن "الحكومة مارست ضغوطا وإرهابا ضد أهالي
المثلث لإجبارهم على إخلاء منازلهم، وضيقت عليهم الخناق بوضع عراقيل أمام استصدار
شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية وباقي الأوراق الرسمية المتعلقة بالمدارس
والجامعات، لقطع أي اتصال بين الأهالي والمنطقة التي عاشوا فيها".
ويضيف المتناوي أن "الحكومة لو
نجحت في إفراغ هذه المنطقة من سكانها، فإنها سوف تنتقل لمناطق أخرى تقع بوسط
القاهرة بحجة التطوير لما تمثله من قيمة عقارية كبيرة في حال بيعها للمستثمرين، مثل
العتبة والموسكي وباب اللوق عابدين".
وحسب الخبير الاقتصادي، فإن "الإمارات
من خلال شركتها العقارية تقف بقوة وراء هذه المشروعات، التي بدأت بالاستيلاء على
كورنيش المقطم في حكومة أحمد نظيف، ثم امتدت للجزر الاستراتيجية بنهر النيل، مثل
جزيرتي الوراق محمد بشمال القاهرة وجزيرتي القرصاية والذهب بغرب القاهرة".
وحول تعليقه على قرار الحكومة بنزع
الملكية وتأميم الأراضي التي رفض أصحابها تركها، يؤكد المتناوي أن ما يحدث "يمثل
بلطجة واضحة من الحكومة، المعتمدة على الجيش في تنفيذ حملات الإزالة والإخلاء،
ومن ثم فإن أي مواجهة من الأهالي تعرضهم لمحكمة عسكرية، بالإضافة إلى أن الحكومة
لم يعد يعنيها إطلاقا أي أحكام يصدرها القضاء لصالح الأهالي".
"البيع من أجل البقاء"
وهو ما ذهب إليه الباحث السياسي سالم
الجريدي الذي أكد لـ"
عربي21"، أن "نظام السيسي رفع منذ البداية
شعار أن كل شيء قابل للبيع، طالما كان ذلك سببا للاستمرار والبقاء، سواء كان ذلك
للسعودية بالتنازل عن تيران وصنافير، أو للإمارات من خلال تحقيق حلمها القديم
بالاستيلاء على أهم الجزر الواقعة بنهر النيل، أو الأراضي المميزة على كورنيش
النيل مثل مثلث ماسبيرو".
ويضيف الجريدي أن "استخدام الحكومة
لسياسة نزع الملكية وتأميم الأراضي التي رفض أصحابها تسليمها، يؤكد أن الهدف ليس
له علاقة بالتطوير، وإلا لما لجأت الحكومة لنزع الملكية، باعتبار أن الأهالي سوف
يعودون مرة أخرى لمنازلهم بعد تطوير المنطقة، وهو ما يؤكد مخاوف الأهالي بأن أرضهم
لن تعود إليهم مرة أخرى".
وحسب الباحث السياسي، فإن "الإمارات
تريد استغلال وجود السيسي في الحصول على أكبر قدر من المشروعات الحيوية، وتحديدا
بمجال المشروعات السياحية والعقارية المميزة، التي تخضع بشكل مباشر لإدارة محمد
بن زايد، الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع السيسي، والذي تحول مؤخرا من مُقرِض للسيسي،
إلى شريك اقتصادي مميز ومؤثر".
ويرى الجريدي أن هذا "يعكس سياسة الإمارات
بمصر، التي لم يكن الهدف منها فقط القضاء على جماعة الإخوان المسلمين وثورة
يناير، وإنما السيطرة على الاقتصاد المصري والتوغل داخل الجيش، لضمان السيطرة على
النظام الحاكم، وهو ما يبرر تأسيس الإمارات لأكثر من 600 شركة خلال حكم السيسي فقط".
وحول مقصده من التوغل في الجيش، يؤكد
الجريدي أن "حرص الإمارات بأن تكون شراكتها مع مؤسسة الجيش وليس الحكومة،
يدلل على مخططها الخبيث باستغلال قوة ونفوذ الجيش في تحقيق ما فشلت حكومات مبارك
في تحقيقه، مثل إخلاء جزر النيل لصالحها كما يحدث الآن".