هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دعوة صريحة من قبل الملك محمد السادس للجزائر للحوار والنقاش من أجل فتح الحدود بين البلدين. الدعوة كانت صريحة ومباشرة من قبل العاهل المغربي أثناء خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء. على عكس العادة اختار الملك هذه المرة التبصر والرشادة السياسية والدبلوماسية الإيجابية بهدف استغلال الظروف الصعبة والاستثمار في التكامل والتعاون المشترك بهدف مواجهة التحديات التي يواجهها المغرب والجزائر وباقي الدول المغاربية.
فتح الحدود بين الجارين يعني تدشين مرحلة جديدة للاتحاد المغاربي الذي يملك كل مقومات النجاح في عالم مضطرب وعصر تميزه التحالفات الإقليمية والجهوية والقارية. مع الأسف الشديد يعتبر الاتحاد المغاربي النموذج الأمثل لفشل العمل المشترك بين مجموعة من الدول تتقاسم اللغة والدين والتاريخ وأشياء أخرى كثيرة.
تفاءل كثيرون بالربيع العربي وبالتغييرات التي شهدتها كل من تونس وليبيا وزحف الإسلاميين على البرلمان في المغرب وحراك سياسي نحو التغيير والقطيعة مع الفساد في كل من الجزائر وموريتانيا.
فالكل كان ينتظر ربيعا لاتحاد المغرب العربي ومستقبلا زاهرا لشعوب المنطقة، هل ستستفيد دول المنطقة من هذه الأحداث لترى اتحاد الشعوب الذي يحقق التكامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي؟ هل سيساعد النظام الجديد في تونس وفي ليبيا في إيجاد إستراتيجية جديدة لبعث الاتحاد وإخراجه من حالة الاحتضار التي يعاني منها إلى حالة من النشاط والحيوية والتعاون والتكامل بين دوله؟
الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بعد تسلمه الحكم زار دول المنطقة وأعلن عازما ومتفائلا وحازما أنه سيغير مجريات الأحداث وسينفخ الروح في الاتحاد المغاربي، ووعد بقمة مغاربية في سنة 2012، لكن شيئا لم يتجسد في الميدان من أقوال ووعود المرزوقي، فرغم الربيع العربي والتغيرات التي شهدتها المنطقة ما زال الاتحاد المغاربي يحتضر وأصبح يوما بعد يوم يفقد حتى أسباب ودواعي وجوده، أيعقل أن نتكلم عن اتحاد مغاربي والحدود مغلقة بين أكبر دولتين في الاتحاد واللتان تضمان فيما بينهما أكثر من 80 مليون نسمة؟. هل يعقل ألا تتجاوز التجارة البينية بين دول الاتحاد 4%؟ ماذا عن الربط الكهربائي؟ ماذا عن سكة حديدية تسافر عبرها شعوب المنطقة من الرباط إلى نواكشوط مرورا بالجزائر وليبيا وتونس؟ ماذا عن التعرفة الجمركية؟ ماذا عن التكامل في المجال الزراعي والصناعي؟ ماذا عن التعليم العالي والبحث العلمي؟ والقائمة قد تطول وشعوب المنطقة طال انتظارها في عصر التكتلات والكيانات الإقليمية. فالاتحاد عجز حتى عن تنظيم كأس الاتحاد المغاربي لكرة القدم للأمم أو للفرق الفائزة بالكأس أو البطولة.
المنطق يقول إن التغييرات التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة تبشر بالخير وتؤشر لربيع على مستوى الممارسة السياسية والديمقراطية وصناعة القرار. وإذا شاركت الشعوب المغاربية في الفعل السياسي فإنها وبدون أدنى شك ستعمل على التكامل بين الدول الخمس بما يعود بالفائدة على المنطقة برمتها. فالمنطقة مؤهلة بثرواتها وخيراتها ومواردها المادية والبشرية للنجاح والتكامل الاقتصادي. بطبيعة الحال كل شيء سيتوقف على نجاح المرحلة الانتقالية في كل من تونس وليبيا ونية السياسيين وصناع القرار في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا في خدمة شعوبهم بدلا من الاستثمار في الخلافات والوضع الراهن من أجل الاستمرار في السلطة.
فالاتحادات والتحالفات بين الدول نجحت بفضل الديمقراطية ونجحت بفضل الحكم الرشيد والاستغلال الأمثل للثروات المادية والبشرية في كل قطر على حدة ثم في الأقطار المتحالفة والمتحدة مجتمعة. فالاتحاد المغاربي بحاجة إلى دول مغاربية قوية بفضل الحكم الراشد والديمقراطية والتواصل الفعال بين القمة والقاعدة.
في الفترة ما قبل الربيع العربي كان هناك حكم تسلطي استبدادي في ليبيا وحكم فاسد في تونس، أما بالنسبة للجزائر والمغرب وموريتانيا فهناك حاجة ماسة إلى النظر إلى الأمور والمعطيات بمنطق جديد وهو منطق يقوم على احترام الحريات الفردية واحترام الشعب وإشراكه في العملية السياسية وفي صناعة مصيره ومستقبله. نجاح الاتحاد يتوقف على نجاح كل دولة على حدة فيما يتعلق بالمجتمع المدني، والفضاء العام والأحزاب السياسية والمعارضة والنظام الإعلامي الحر والمسؤول والملتزم والفصل بين السلطات والقضاء العادل... الخ.
لقد حان الوقت بالنسبة لدول المنطقة أن تحارب الفساد وإهدار المال العام وعدم الاستغلال الرشيد للثروات المادية والبشرية، لقد حرك الربيع العربي المياه الراكدة ووجه إنذارا شديد اللهجة لتلك الأنظمة التي ما زالت بعيدة كل البعد عن شعوبها وعن الواقع وما زالت تعاني من فجوة كبيرة بين آليات الحكم التي تمارسها والواقع. لكن بعد مرور سنتين على الربيع العربي ما زال الاتحاد المغاربي يحتضر وما زالت أسباب أفوله تتفوق على أسباب نجاحه. فرغم تحديات العولمة وتربصات الاتحاد الأوروبي بالدول المغاربية والتنافس الأوروبي الأمريكي على المنطقة، نلاحظ أن دول المغرب العربي لم تدرك حتى الساعة، أو بالأحرى لم تنجح في وضع آليات عملية للتكامل الاقتصادي وللعمل المشترك من أجل إقامة كيان موحد يستطيع أن يواجه التكتلات المختلفة في العالم.
أزمة القضية الصحراوية وتعقدها بالنسبة للمملكة في المغرب والنظام في الجزائر كانت وما زالت الحجرة التي انكسرت عليها كل محاولات العمل المشترك بين دول الاتحاد، وهذا ما يتطلب دراسة هذه المشكلة وحلها في أقرب الآجال بطريقة ترضي الجميع ومن أجل مصلحة الجميع. الفعل الديمقراطي في دول الاتحاد مغيّب، ونلاحظ أن طاقات هائلة سواء كانت مادية أو بشرية غير مُستغلة بطريقة جيدة. فالقرار لا يُتخذ بطريقة مدروسة وعلمية والسلطة تعيش بعيدة عن هموم ومطالب الشارع. النظام الإعلامي لا يقوم بدوره الحقيقي وما يفعله هو التملق والتسبيح والتمجيد، فالفجوة إذن كبيرة جدا بين السلطة والجماهير، هذا على مستوى كل دولة في الاتحاد، فكيف تنجح هذه الدول في تحقيق عمل مشترك وهي عاجزة عن تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها. فدول الاتحاد اليوم عاجزة على إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة ولا طريق سيار يربط دول المنطقة، ولا ربط كهربائي تستفيد منه كل دول الاتحاد.
ومن هنا فإن اتحاد الشعوب مغيّب تماما، والعمل المشترك بين دول الاتحاد نجده غائبا على مختلف المستويات سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة أو الرياضة...الخ. فبدون تكامل اقتصادي وبدون تبادل في مختلف المجالات بين شعوب المنطقة لا يكتب النجاح للاتحاد المغاربي ويبقى بذلك جسد بلا روح. دول الاتحاد المغاربي بحاجة إلى وقفة مع الذات لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. التغيير لا بد منه ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار، فمستقبل الاتحاد المغاربي يكمن في تحرير المواطن المغاربي وإعطائه إمكانيات الابتكار والإبداع والتميز حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره.
لقد حان الوقت أمام دول الاتحاد المغاربي لتعي أنها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية والتخلي عن الآليات البالية السلطوية التعسفية، أو المحافظة على الوضع الراهن وهذا يعني الموت البطيء للاتحاد المغاربي والعمل المشترك والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالمنطقة.
عن صحيفة الشرق القطرية