هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعكف المتحدثون الإسرائيليون باسم الحكومة والجيش على امتداح الدور الكبير
والحاسم الذي تقوم به الأجهزة الاستخبارية في عدوانها المتكرر على قطاع غزة،
وآخرها قبل أيام، حين اغتالت عددا من المقاتلين، وأتبعه رد فعل المقاومة بإطلاق
صليات من قذائف الهاون على المستوطنات الجنوبية.
وبحسب
مراقبين، فتعتقد دولة الاحتلال أنه لولا المعلومات الاستخبارية التي وفِّرتها
أجهزتها، لما استطاع أن تواصل حربها ضد قوى المقاومة، ولكن رغم تعدد هذه الأجهزة
الأمنية الإسرائيلية، لكنها واجهت 3 مشاكل خلال حروب غزة، أدت إلى وقوعها في جملة
إخفاقات استخباراتية تتمثل في:
تدفق
المادة الخام غير الدقيقة إلى القادة.
توزيع
المادة الاستخبارية على محافل البحث، وبعثرة معلوماتها، وعدم الخروج بتقدير جيد.
الترهل
الإداري الذي يلعب دورا مهما في عملية الإخفاق.
لقد
شكلت حروب غزة الأخيرة نموذجا صارخا على فداحة الأخطاء الاستخبارية، والثغرات
الأمنية التي وقعت فيها مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بمختلف مسمياتها
(الشاباك، والموساد، وأمان)، ولعل الإخفاق الأكبر الذي وقع فيه الجيش يكمن في نجاح
المقاومة، وهي منظمة تخوض حرب عصابات، في "خطف دولة بأكملها" بعد سنوات
عديدة من التسلح والتخفي، بحيث استفاق الإسرائيليون ليجدوا المقاومة أكثر تنظيما،
وأكفأ قتالية وتدريبا مما كان في جولات القتال السابقة، وأسفر عن تغير الوضع مع
مقاتليها في ساحة المعركة، كما يراها مراقبون.
الإخفاقات
الأمنية
أسهمت
سلسلة الإخفاقات الأمنية والاستخبارية في بروز شروخ أولية في الإسناد الذي تمنحه
القيادة السياسية العليا للجيش منذ بداية أي حرب ضد غزة؛ حيث عبّرت محافل سياسية
ووزراء في الحكومة، في محادثات مغلقة، عن قصور الاستخبارات في جمع المعلومات عن
تعاظم المقاومة، والاستعدادات المكثفة التي أعدّتها للمواجهة مع الجيش الإسرائيلي.
وأشارت
الوقائع اليومية لمواجهات غزة إلى أن أحدا ما غفي في "الحراسة"، وهي
أجهزة الأمن، رغم أنها حذّرت بأن المقاومة تستعد للمواجهة، لكنها فشلت في قدرتها
على التسلل داخل صفوفها لإعداد قائمة أهداف نوعية لهجوم يكسرها، وربما رأى رجال
الاستخبارات "الغابة"، لكنهم بالتأكيد لم يلاحظوا الأشجار! لأنهم أعطوا
إحساسا بأنهم منشغلون بمنح إنذارات باختطاف جنود فقط، ولكن طوال الوقت تعاظمت حماس
إلى حجم جيش.
ثم
تمثلت سلسلة من الإخفاقات الأمنية والاستخبارية بالمفاجآت التي قدمتها المقاومة
خلال المعارك، لتثير تساؤلات مقلقة في ضوء عدم تزود الجيش بمعلومات من الاستخبارات
بأن لديها صواريخ وأسلحة بهذه القدرة.
ويرى
مراقبون أن هناك الكثير من الشواهد التي تشير بما لا يدع مجالا للشكّ إلى أن
العقبات التي واجهها الجيش في الجبهة العسكرية أمام المقاومة، لم تكن فقط متعلقة
بالناحية اللوجستية، وإنما بصورة أساسية شكلت إخفاقا استخباريا شموليا في فهم
الواقع الفلسطيني في غزة، وبات من الواضح أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الجيش
لم يُجهّز نفسه لكل السيناريوهات، ويبدو أن إحدى المشكلات في هذه الحرب هي مستوى
التوقعات العالية من الجيش، بفضل التقارير الأمنية المغلوطة.
وضمن
تكتيكات الحرب الاستخبارية التي قادتها المقاومة في غزة، جاء الفشل الاستخباري
للجيش الإسرائيلي بعجزه عن جمع المعلومات عن منصات الصواريخ والأنفاق، وأماكن
اختفاء قادة وكوادر المقاومة، وطبيعة القدرات القتالية لها، فيما أثبتت المقاومة
قدرات استخبارية لافتة من خلال جمع المعلومات عن المواقع العسكرية الإسرائيلية في
محيط قطاع غزة، والمناطق والبلدات الجنوبية، وهو ما تجلى في عمليات القصف الأخيرة
قبل أيام، حين استهدفت قذائف الهاون التجمعات الاستيطانية والمواقع العسكرية على
طول حدود غزة، حيث تمكنت المقاومة استخباريا من تحديد أماكن الحشود العسكرية
الإسرائيلية في المناطق الحدودية قبل وأثناء أي عملية عسكرية، ما سمح لها بإدامة
قصفها، والاشتباك معها.
أسئلة
محرجة
على
صعيد جيش الاحتلال، كشف العدوان المتواصل في غزة مواضع خلل مقلقة في معلوماته
الأمنية، بالاستعداد للمعركة وشكل إدارتها؛ لأنّ القيادة العسكرية اعتادت استخدام
قوة نار كبيرة لتنفيذ خطط عملياتيّة نموذجية ومتوقعة، وهو ما لم ينجح في غزة، رغم
الكلفة البشرية الباهظة من الضحايا الفلسطينيين.
فالاستعداد
للحرب أمام "عدو" مصمم وقليل الميزانيّة، كالمقاومة الفلسطينية التي
طورت ردودا على التفوق الجوي والاستخبارات المتطورة الإسرائيلية، منع الجيش من
الحيل والمفاجآت، واستند أساسا لسلاح الجو، في ظل إهماله للقوات البريّة والوحدات
الخاصة.
كما
كشفت الاشتباكات العسكرية مع مقاتلي المقاومة عن إخفاق استخباري باكتشاف منظومة
القيادة والتحكم لديها، والعثور على أمكنة قادتها، فالكتائب والسرايا والألوية
الفلسطينية واصلت التحكم بقواتها، وإطلاق الصواريخ، والهجوم على القوات الغازية،
وفي ظل غياب المعطيات الاستخبارية اختار الجيش استخدام النيران الكثيفة ضد المناطق
المأهولة، وتعريض المدنيين الفلسطينيين للقتل والتشريد.
وقد
شهدت الأيام الأخيرة طرح الإسرائيليين لأسئلة خطيرة أمام قادة الجيش لتفسير
الإخفاق الاستخباري والعسكري أمام غزة مثل: ماذا علمتم وماذا لم تعلموا، وماذا
فعلتم وماذا لم تفعلوا، وأي من الاثنين القصف وإطلاق القذائف أجدى لتنفيذ المهمة،
وأيّهما أضرّ بها، وهل أخطار المستقبل كامنة في الأنفاق أم القذائف الصاروخيّة،
وأيها من القذائف الصاروخية: الغراد أم الهاون؟
ولعل
الشواهد الإسرائيلية على الإخفاق الاستخباري الميداني في بعض عمليات التصعيد في
غزة، لم يقتصر على اعترافات الجنرالات وشهادات الجنود، بل وصلت ذروتها إلى الحلبة
السياسية، والدعوات المتتالية لعدم الثقة بما تقوله النخب السياسيّة والعسكريّة
بشأن تقدير قوة المقاومة، لأنهم ضللوا الرأي العام من خلال الانطلاق من افتراضات مضللة
بشأن قدراتها، وحاولوا إقناع الجمهور الإسرائيلي بأنها ضعيفة، وغير معنية وغير
قادرة على فتح مواجهة عسكرية.
ويرى
مراقبون أن وقائع العدوان في غزة المستمرة منذ سنوات، وآخرها قبل أيام، أظهر فشل
المخابرات الإسرائيلية بعدم قراءتها للمعنى الجوهري للتطورات الميدانية الخاصة
بالمقاومة، مع العلم أنه عندما يكون لدى جهاز الشاباك طواقم بشرية ناشطة بأرض
الميدان، وتتعامل مع السكان، بجوار وسائل التقنية، يمكنه تحقيق إنجازات، وجمع
معلومات أكبر، لكن من الطبيعي أن يتراجع الأداء الاستخباراتي في غزة؛ نظرا لعدم
وجود إسرائيلي لعدة سنوات.
في
المقابل، فإن من يقرأ التقديرات الإسرائيلية المتباينة لجولة التصعيد الأخيرة في
غزة، يقر بأن هناك صعوبات أمام المخابرات الإسرائيلية شكلت حائلا بين أن تشخص
وتتنبأ بالتغييرات في توجه المقاومة قبيل نشوب هذه الجولة وأثنائها، وجاءت
التقديرات المتفائلة في وسائل الإعلام عن القدرة على سحق المقاومة، واستعدادها
للتوصل لهدنة ليتبين أنه مبالغ فيها، والمعلومات الاستخبارية عن قواعد إطلاق
القذائف الصاروخية لمدى متوسط، كانت جزئية.
حرب
العقول
لقد
اعتمدت المخابرات الإسرائيلية على مصدر أساسي في جمع المعلومات الاستخبارية
اللازمة لحربها ضد المقاومة الفلسطينية، بجانب المصادر البشرية عبر تجنيد العملاء،
وهي المصادر الإلكترونية القائمة على الاستعانة بأحدث ما توصلت إليه التقنيات
التكنولوجية.
ومع
ذلك، فإن وفقا لمراقبين، مسلسل الإخفاقات الأمنية والاستخبارية في حرب غزة تدعو
لمراجعة النظريات التي تقول إن الجيش الإسرائيلي هو الأقوى في الشرق الأوسط،
يستطيع اغتيال من تريد، ويصل لأي مكان في العالم، وهو متطور جدا ولا يمكن هزيمته؛
لأنها أحاديث عفا عليها الزمن، فلم تصمد أمام المقاومة الفلسطينية التي نجحت
بالصمود أمام الجيش الذي انتصر يوما على كل الجيوش العربيّة، وتفوقت عليه في حرب
العقول، بحسب مراقبين.
لقد
اعترف الإسرائيليون بكثير من خيبة الأمل أن المقاومة انتصرت عليهم في معركة كي
الوعي، ويشعرون بغصة كبيرة من جولة التصعيد الأخيرة في غزة، التي تسببت في شرخ
كبير بين الجمهور والقيادة في تل أبيب، ولا شك أن نقطة الفشل الأهم التي ضربت
العمل العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي في مقتل تجسدت بضعف ومحدودية المعلومات
الاستخباراتية عن القدرات العسكرية لقوى المقاومة، وغياب واضح للمعطيات الخاصة
بالصواريخ وأنواعها وكمياتها ومنصاتها وأماكن إخفائها.
وهكذا
بدا واضحا أنّ الخلافات داخل المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة فيما يتعلّق بالعدوان
على غزّة طفت على السطح، رغم الضربات الشديدة التي تعرّض لها القطاع، عقب مواصلة
المقاومة دك الجنوب الإسرائيليّ بقذائف الهاون، حيث سادت حالة من الإرباك
المستويين الأمنيّ والسياسيّ في تل أبيب، ووضع علامات استفهام كبيرة حول حقيقة
الجهد الأمني والاستخباري الذي سبق الذهاب نحو التصعيد مع غزة!