نشرت صحيفة "
الموندو" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن الانقلاب العسكري على الشرعية في مصر، الذي حول البلاد إلى سجن كبير، وجعل السجون الانفرادية مساكن للعديد من المصريين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن النظام المصري ينتهج أحدث الأساليب لتعذيب عشرات الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضين أصحاب الكلمة الحرة، الذين يظلون رهن السجون لسنوات، بين جدران الخلايا القذرة الغارقة في الظلام والمعزولة عن العالم الخارجي. وفي هذا السياق، كشفت منظمة العفو الدولية، في تقرير تقشعر له الأبدان، عن مدى فظاعة القمع المتفشي في أرض الفراعنة.
ونقلت الصحيفة على لسان مديرة الحملات الدولية في شمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، ناجية بونعيم، أن "الظروف داخل
السجون المصرية لطالما كانت سيئة، ولكن القسوة المتعمدة تعكس مدى تجاهل سلطات البلاد لحقوق الإنسان والاستخفاف بها. تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن اللجوء إلى حبس أحد ما في السجن الانفرادي إلا كإجراء تأديبي وحل أخير، وذلك بموجب القانون الدولي".
وبينت الصحيفة أن الأبحاث قد كشفت عن أن نظام عبد الفتاح
السيسي قرر استخدام السجن الانفرادي "كعقوبة إضافية في حق السجناء السياسيين، التي يتم تطبيقها بطريقة قاسية وتعسفية، والتي لا تهدف سوى إلى تجريدهم من إنسانيتهم والقضاء على أملهم في التطلع إلى مستقبل أفضل".
وأشارت الصحيفة إلى أن حالات السجن الانفرادي، التي تم توثيقها، تعكس نمطا يتمثل في احتجاز السجين داخل الزنزانة الانفرادية لأكثر من 22 ساعة في اليوم، حيث يُسمح له بالخروج من الزنزانة لمدة تتراوح بين 30 دقيقة وساعة فقط لممارسة بعض التمارين الرياضية. ويعتبر هذا النمط بمثابة كابوس حقيقي لا نهاية له، حيث يحظر على هؤلاء المساجين التواصل مع السجناء الآخرين، كما يُحرمون بصفة منتظمة من الزيارات العائلية.
وفي هذا الصدد، قالت منار الطنطاوي، زوجة الصحفي هشام جعفر، المسجون منذ أكثر من سنتين: "لم يتمكن زوجي من رؤية أي شيء بسبب الظلام الذي يخيم على الزنزانة. كما كان أيضا يواجه صعوبة في التنفس نظرا لغياب نافذة لتهوية الغرفة. لقد كان يشعر وكأنه دُفن حيا".
وأوردت الصحيفة أنه، بالإضافة إلى الرعب الذي يعيشه هؤلاء المساجين المحاصرون بين جدران الزنزانة، فهم غالبا ما يتعرضون للإذلال والممارسات السيئة، من قبيل الضرب على يد الحراس، والفضلات البشرية التي يلقيها السجانون، ونقص الطعام أو الماء أو النظافة الشخصية".
وقد أكد التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية أن "المعاناة النفسية والبدنية التي يرزح تحت وطأتها السجناء تؤدي إلى إصابتهم بنوبات من الهلع والارتياب، وحساسية مفرطة من المؤثرات الخارجية، بالإضافة إلى مواجهة صعوبات في التركيز والتذكر". وتستند تفاصيل هذا التقرير إلى شهادات عديدة للسجناء الذين تم الإفراج عنهم، إلى جانب تصريحات أقارب من لا يزالون وراء القضبان.
وأبرزت الصحيفة أن منظمة العفو الدولية قد سجلت ما لا يقل عن 36 حالة لسجناء يقبعون في الحبس الانفرادي إلى أجل غير مسمى في حوالي 14 سجنا في سبع مقاطعات في البلاد. ومن بين هؤلاء، ستة أشخاص لا زالوا رهن هذا السجن منذ انقلاب سنة 2013، الذي أحبط حدوث التغيير الديمقراطي في البلاد ونقلَ السلطة إلى وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي.
وأضافت الصحيفة أن السلطات المصرية قد تلقت هذا التقرير قبل نشره، وأوضحت في ردها عليه أن "اللجوء إلى وضع بعض السجناء في زنزانات فردية يتعلق بتصميم العديد من السجون في البلاد ولا علاقة له بمعاقبة السجناء بسبب خلفياتهم السياسية".
وأوردت الصحيفة، وفقا لناجية بونعيم، أن "المسؤولين في السجون المصرية يطبقون عقوبات السجن الانفرادي بطريقة غير مشروعة للقضاء على المعارضة أو محاسبة السجناء على ارتكابهم أي سلوك يعتبرونه غير مقبول، مع العلم أن الكثيرين وقع حبسهم في الزنزانات الفردية استنادا إلى تهم ملفقة وزائفة". كما أنه لطالما تم استخدام هذا الإجراء للانتقام من أولئك الذين يشتكون من سوء المعاملة أو يحاولون الكشف عن ظروف السجن الرهيبة لأقاربهم. ويتم اعتماد السجن الانفرادي كذلك كوسيلة لاستنطاق السجناء.
وأوضحت الصحيفة أن المعاناة النفسية التي يعيشها السجناء على المدى الطويل، ليست سوى دليل قاطع على مدى وحشية الأساليب المعتمدة في العديد من المؤسسات المصرية. ومنذ تولي السيسي رئاسة البلاد، تم الزج بحوالي 60 ألف معارض في السجن، وزادت ممارسة التعذيب تفشيا وارتفع عدد الوفيات في السجون، فضلا عن حالات
الاختفاء القسري. ومنذ كانون الثاني/يناير سنة 2014، حُكم على حوالي 2116 شخصا بالإعدام، وتم تنفيذ 81 حكما.