قرر ذئب شرس، له أنياب وبراثن، ورتبة مفترس أول، أن يحذو حذو أمريكا، وبقية الدول الديمقراطية، فنصّب نفسه رئيساً في الغابة، وفي أول خطاب رئاسي، حدّث سكان الغابة من حمير وغزلان وأيائل وفيلة.. عن جمال الوطن وحضنه الدافئ، فصفقوا له.
قال: إنه سيجعل الوطن في قلبه وبين عينيه، وسيدافع عنه حتى الموت، ولن يموت إلا على أرض الوطن، ويدفن في ترابه، فازداد التصفيق للرئيس المؤمن، الذي يذكر الموت بشجاعة، ثم هدّد قائلاً: من يقترب من أرض الوطن عشباً، أو زهراً، أو نباتاً، فالويل له؟
وفهمتْ شعوب الغابة أنه يقصد الأعداء.
التفتت
الحيوانات العاشبة إلى بعضها تستنجد الشرح والتفسير. توعّد الرئيس بجملة سمعها في الفضائيات: "اللي يقرب لها أشيلو من وش الأرض"، وفرض قانون الطوارئ والأحكام العرفية، لحماية أعشاب الوطن، ونباتات الوطن، وأشجار الوطن.
وانتشرت الذئاب تقبض على كل حيوان يأكل من عشب الأرض أو نباته، وتزجّ به في السجون، ثم ينتهي به المطاف على مائدة الذئب، الرئيس، وبقية وحوشه الضاريات، ورفع شعار: لا حياة في هذه الغابة إلا لآكلات اللحوم الدهنية.
وسألت الحيوانات العاشبة، ماذا سنأكل إذن؟ العشب في كل مكان، وهذه الخيرات، إذا لم تؤكل، ستجف، وتلتهمها النيران، فالشمس قوية في الصيف، والبرد شديد في الشتاء.فالأولى بالنباتات أن تتحول إلى طعام، فروث، وسماد للأرض، لكن المحللين السياسيين برزوا على الفضائيات، وقالوا: إن الرئيس غايته نبيلة، وهي الحفاظ على جمال الغابة من أجل السياحة، وهي من نعم الله الكبرى، ومن موارد الاقتصاد القومي. أما الطعام، فإنّ الرئيس متعاقد مع شركات أجنبيه لاستيراد المتة والتبن الصناعي الغني بالبروتين، وعالي السعرات الحرارية. وقالوا: إن زهور الوطن الذي مشت على أرضه الأنبياء، ودُفن فيها الصالحون والشهداء، أكرم من أن تتحول إلى روث وسماد.
وهكذا وقفت الحيوانات بالأرتال والصفوف أمام المؤسسات الاستهلاكية، من أجل حزمة تبن، أو علبة متّة، مقابل حلق صوفها أو بيع قرونها، وكانت الأصواف والقرون تصدّر إلى الخارج. بعض الحيوانات اضطر إلى بيع شرفه مع حسومات، من أجل البقاء على قيد الحياة العرفية.
ولأن دوام الحال من المحال، حدث تغيير، والتغيير الوحيد الممكن هو الانقلاب العسكري، كان سببه السخط الشديد على الذئب "الوطني"، وقلّة الكلأ والمراعي، فبرز رئيس الانقلاب الجديد، وكان ضبعاً برتبة فيل مفترس، يسيل اللعاب من أنيابه. خطب في شعوب الغابة، وندّد بالعهد السابق الفاسد، وبشّر الشعب بأن الغابة ستصير جنّة، وأن الحكم فيها سيكون علمانياً، وسيفصل بين الماء واللبن في ضروع الحيوانات اللبونة، وبين النبتة والزهرة في أرض الغابة، وسمح لشعوب الغابة بأكل ما تشاء من الأعشاب، إلا الزهور من أجل السياحة، فهي من موارد الاقتصاد القومي.
فازداد الاعتقال، لأن التحقيقات كانت كلها تنتهي بأنّ الحيوان قد أكل زهوراً بين الأعشاب، وهذا مزج محظور لدين الأعشاب بزهور السياسة، وأكثر ضحايا خلط الورد بالعشب، كانوا من الخشفان وصغار الوعول.
وهكذا عاشت شعوب الغابة في أحلك أيامها، وترحّموا على أيام الذئب الوطني السعيدة. ولأن دوام الحال من المحال، فقد برز كلب وحشي، برتبة ابن حرام أول، وقام بانقلاب، وأطاح بالضبع مع عصبته، وصعد الكلب الوحشي، والذي كان برتبة نابح أول، إلى المنصة، وخطب خطبة العرش، بعد أن وضع عمامة، وأطال اللحية، وقال: وداعاً لدكتاتورية الذئاب والوطنية المزيفة، ووداعاً للعلمانية الضالة، سنبدأ بتطبيق الشريعة؛ فأرض الله سبحانه وتعالى، وجلَّ جلاله، لكل مخلوقاته.
وسمح لرعية الله بأكل ما تشاء من أعشاب، أنعم الله بها على خلقه، بل ومن زهور، بل إنه حضّ على أكل الزهور؛ لأن الزهور تجعل السماد أغنى، واللبن أزكى، (واللحم أطرى)، ورفع شعار: شعب حر وسائح سعيد.
لكن الاعتقال زاد أكثر من عهدي الذئب الوطني والضبع العلماني، فكلما انحنى وعل أو حمار لأكل العشب، انقضّت عليه كلاب وحشية بتهمة الإفطار العلني في شهر ذي القعدة، واقتيدت الحيوانات، بما فيها الخنازير للصلاة! واعتقلت حيوانات كثيرة بسبب عدم التزامها بإطلاق لحيتها، مثل الفيلة والزواحف، وأقيم الحدّ على كل الحيوانات مكشوفة المؤخرة، مثل الماعز بتهمة خدش الحياء، واشتاقت شعوب الغابة إلى العهود السابقة، وارتد كثير من الحيوانات عن دينه، فأقيم على بعضها حكم الرّدة، وتحولتْ إلى طعام شهيّ على مائدة الكلاب الوحشية.
نصف قرن، والعرض مستمر بنجاح متواصل. ثمة تحليلات سياسية تقول: إن إناث قرود الرباح "الفيمنست" تحضر لانقلاب عسكري، ويشاع أنهن سيقتلعن أنياب المفترسين لدى الحدادين، وليس عند أطباء الأسنان. والأنكى أنه بلغ أنه نسي خصي ذكور الحيوانات كلها، وأخرى تقول أن فرمان الإخصاء المحتمل سببه خوف القيادة من القنبلة الديمغرافية، وحرصا على زهور الغابة من حوافر عجول الحيوانات.
الله يستر.