هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا للصحافية مايا أبنهيم، تقول فيه إن المفكر والفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي انتقد حركة مناهضة الفاشية، واعتبر أن أساليبها تمثل هدية لليمين المتطرف، ولقمع الدولة الأمريكية.
وقال الأكاديمي المشهور، الذي يعد مؤسس علم اللسانيات الحديث، إن أساليب هذه الحركة أدت إلى العنف بطرق مرفوضة تماما.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن حركة مناهضة الفاشية، التي تختصر بـ "أنتيفا"، هي تحالف فضفاض لمجموعة من الحركات المناهضة لليمين المتطرف، التي تعتمد على فعل الناشطين بدلا من الشرطة أو الدولة، مستدركا بأنه مع أن هذه الحركة تعود جذورها لعشرينيات القرن الماضي عندما نشأت النازية في أوروبا، إلا أنها اكتسبت اهتماما منذ أن اصطدم الناشطون المناهضون للفاشية مع النازيين الجدد وكوكلاكس كلان ومؤيدي اليمين المتطرف خلال تظاهرة للمعتقدين بسيادة البيض في تشارلوتسفيل خلال الصيف.
وتفيد أبنهيم بأن المواجهات بين الفاشيين والمتظاهرين ضدهم وصلت إلى عناوين الصحف، عندما قام شاب عمره 20 عاما، يقول المسؤولون إن لديه تعاطفا نازيا، بدهس عدد من المتظاهرين السلميين ضد الفاشية متسببا بمقتل ناشطة حقوقية.
وتبين الصحيفة أن التركيز على هذه المجموعة زاد في أيلول/ سبتمبر، عندما كشفت مجلة "بولتيكو" عن أن السلطات الفيدرالية حذرت المسؤولين منذ بدايات 2016 بأن "أنتيفا" أصبحت أكثر مواجهة وأكثر خطورة، وصنفت وزارة الأمن القومي أنشطتها رسميا بأنها "عنف إرهابي محلي"، وقام الرئيس دونالد ترامب بعدها بتوبيخ أعضاء "أنتيفا" ووصفهم بأنهم "أشخاص سيئون".
ويلفت التقرير إلى أن تشومسكي، الذي يعد صوتا يساريا بارزا، يعبر الآن عن إحباطه من "أنتيفا"، حيث قال لـ"إندبندنت" إن منع اليمين المتطرف من التعبير عن رأيه يأتي بنتائج سلبية.
ويقول العالم البالغ من العمر 89 عاما: "(أنتيفا) ليست لها بنى تنظيمية، وإنما هي مجموعة من الناس موزعة بين القوى البشعة والمشؤومة التي دخلت الحلبة بحقد، خاصة بعد أن قام ترامب بإزالة غطاء القنينة".
ويضيف تشومسكي: "ترتبط بـ(أنتيفا) الفضفاضة مجموعات هامشية بدأت استخدام القوة بطرق غير مقبولة أبدا، وهذه هدية يرحب بها اليمين المتطرف وقوى الدولة القمعية، التي تقدم بعض التبرير بمقارنة (أنتيفا) بقوى اليمين المتطرف".
وتذكر الكاتبة أن تشومسكي يحتج بأن العنف يمهد الطريق للإجراءات الحكومية الشبيهة ببرنامج "كوينتلبرو"، (وهو برنامج قامت به المخابرات الأمريكية لاختراق التنظيمات المحلية بحجة مكافحة الاستخبارات الأجنبية)، الذي يصفه بأنه "أشد برامح إرهاب الدولة المحلي تطرفا في تاريخ الولايات المتحدة".
وتنوه الصحيفة إلى أن ذلك البرنامج شمل منظمات سياسية، مثل الحركة المناهضة لحرب فيتنام، التي أدى فيها تشومسكي دورا رئيسيا، وكذلك حركة الحقوق المدنية، مشيرة إلى أن تشومسكي يرى أنه يجب أن يسمح لتلك الأنشطة "لليمين المتطرف" بأن تتم، لكن يجب أن تتم مقاومتها بطرق غير عنيفة ومقاومتها بالتعليم.
وبحسب التقرير، فإن تشومسكي يحتج بأنه يجب عدم مقارنة التجلي الحالي لحركة مناهضة الفاشية مع شكلها التاريخي، وحذر من الخلط بين حالة التطرف اليميني في الولايات المتحدة اليوم بصعود الفاشية في أوروبا في بدايات القرن العشرين.
وتشير أبنهيم إلى أن تاريخ حركة مناهضة الفاشية طويل، يعود لعشرينيات القرن الماضي، عندما حاربت القمصان السوداء التابعة لموسيليني ثم القمصان البنية التابعة لهتلر، وفي بريطانيا حاربت القمصان السوداء التي كان يقودها رئيس الاتحاد الفاشي البريطاني في شرق لندن في ثلاثينيات القرن الماضي أوزوولد موزلي.
ويقول تشومسكي للصحيفة إن الفرق كبير، ففي ثلاثينيات القرن الماضي، عندما حكم النازيون ألمانيا، كانت الفاشية قد تأسست لسنوات في أيطاليا، وكانت هناك حركات فاشية قوية في أماكن أخرى، ويضيف: "كان هناك صراع مستميت بين الفاشية والعمال (وطبعا أبعد من ذلك)، وهناك الكثير من التطورات المشؤومة اليوم، لكن لا شيء يشبه ذلك، وبالذات في أمريكا ليس هناك صراع بين الطبقة العاملة واليمين المتطرف".
ويورد التقرير أن الدكتور مارك بري، وهو عالم متخصص بـ"أنتيفا"، يتفق مع تشومسكي، ويقول إنه من المهم التمييز بين الظروف التاريخية، لكنه يقول بأنه يجب معالجة التنامي المزعج لليمين المتطرف في أمريكا بالحدة ذاتها التي حوربت بها الفاشية في بداية القرن العشرين في أوروبا، ويضيف بري: "لا أظن أن الحالتين متشابهتان؛ لأني لا أقارن بشكل عشوائي، وأظن أن من المهم فهم الفروق".
ويضيف بري: "الحجة التي يحتج بها المناهضون للفاشية، التي أتفق معها، هي سواء كانت ذاتها أو مختلفة عنها، فإنه من المهم التنظيم ضد الفاشية واليمين المتطرف حتى لو كانت مجموعات صغيرة؛ خشية أن تكون نواة لحركة أو نظام قاتل .. في نظري هي ليست ذاتها، لكن يجب معاملتها بالجدية ذاتها على أنها نفسها".
وتقول الكاتبة إن بري، الذي يحاضر في جامعة دارتموث في نيو هامبشير، يختلف مع رأي تشومسكي بأن الهامش العنيف لـ"أنتيفا" يعد هدية لليمين المتطرف، ويقول: "لا أجد أي مثال، حيث أدت جهود مناهضي الفاشية إلى تقوية اليمين المتطرف، لكن لدي أمثلة كثيرة عكس ذلك، حيث تسببت جهودهم في إيقاف اليمين المتطرف".
وتلقت الصحيفة إلى أن بري، المتخصص بحقوق الإنسان والإرهاب والتطرف السياسي، يرفض الفكرة بأن "أنتيفا" تفيد الذراع القمعية للدولة، ويقول إن الحكومة لم تحتج إلى "مبرر" لتقوية سلطاتها، ويشير إلى رد فعل الشرطة على مظاهرات فيرغيسون للاحتجاج على قتل الشرطة لمايكل براون، الشاب الأسود البالغ من العمر 18 عاما، الذي لم يكن مسلحا في آب/ أغسطس 2014.
وبحسب التقرير، فإن الشرطة قامت بإحضار سيارات مصفحة إلى المنطقة، وكان رجال الشرطة يلبسون السترات الواقية والخوذ، وكانوا مسلحين بالمسدسات والبنادق والرشاشات والغاز المسيل للدموع.
ويقول بري: "يبدو لي أن القوى القمعية ستكون أكثر قمعية بغض النظر"، وأضاف أن هناك توجها لدى الإعلام لتقسيم المتظاهرين اليسارين إلى ثنائية الجيدين والسيئين، ويركزون اهتمامهم على المجموعات اليسارية المتطرفة.
ويضيف بري أن الإعلام تجذبه صور العنف والأضرار التي تصيب الممتلكات، لذلك لا ينشر الصورة كاملة للمظاهرات، وهذا ما حصل مع "أنتيفا" في الأشهر الأخيرة، حيث تطلق "فوكس نيوز" صفارات الإنذار بخصوص "بلطجية أنتيفا" والمقالات الكثير التي حذرت من أنشطة المجموعة.
وتنقل أبنهيم عن بري، قوله إن الإعلام وكثيرا من الشعب الأمريكي أهملوا نطاق أنشطة "أنتيفا" الواسع، وركزوا على ما شكل مشهدا، الذي لا يمثل سوى إلا أقلية أنشطتهم، مستدركة بأنه يعترف بأن للعنف دورا في الحركة، فيقول: "إنه جزء من مخزون (أنتيفا) أن تواجه هذه المجموعات وفعليا إن احتاج الأمر، وقد أوضحت الأدلة التاريخية ذلك في رأيي".
وتقول الصحيفة إن بري أوضح ان مناهضي الفاشية ينظرون للفاشية على أنها عدو وليست مخالفة في الرأي، وأنه يجب النضال ضدها بدل قبولها لتجلس في أطر ليبرالية، لافتة إلى أن بعض أعضاء الحركة يرون أنه ليس للفاشيين حق في حرية التعبير؛ لأن الفاشية تاريخيا أفقدت نفسها الشرعية في المجال العام، وأظهرت نفسها على أنها حركة عنيفة وترتكب الإبادة.
ويجد التقرير أن تعليقاته تقوم على النظرة بأنه يجب سد الطريق على الفاشية في أسرع وقت ممكن، حيث إن سمح لتلك الحركات أن تنمو فإنها ستشكل خطرا كبيرا على المجتمع.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن "اليمين المتطرف اكتسب اهتماما متزايدا منذ حملة ترامب الرئاسية وفوزه في الانتخابات، وإن كان ترامب يسعى للنأي بنفسه عن اليمين المتطرف المتهم بالعنصرية ومعاداة السامية ومعاداة النساء، إلا أن أعضاء اليمين المتطرف يعدونه قائدهم".