بلافتات دعائية مضيئة على الجسور والطرق الرئيسية، لجأ سماسرة وأصحاب أراضٍ في
مصر إلى أفكار جديدة للترويج للمقابر.
وتسبب ارتفاع الأسعار في مصر، بعد تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، يوم 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، في حدوث قفزة كبيرة في أسعار
المقابر، حيث تخطت الزيادة نسبة 100%، وفق عاملين في المجال.
وسجل عدد الوفيات في مصر 556.1 ألفا خلال عام 2016، مقابل 573.9 ألفا عام 2015، بانخفاض قدره 3.1%، بحسب إحصائيات حكومية.
تضخم حاد
ويضغط الارتفاع الكبير في أسعار المقابر على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، حيث لا يتمكن الكثيرون من توفير المال اللازم لشراء مدفن ملائم يجمع رفات ذويهم.
وبدأ التضخم في مصر موجة صعود حادة بعد تحرير صرف الجنيه، وخفض دعم الوقود مرتين خلال ثمانية أشهر، والكهرباء مرتين خلال عام، ورفع أسعار مياه الشرب للاستخدام المنزلي، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 14%.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 32.9%، في أيلول/ سبتمبر الماضي، من 33.2% في آب / أغسطس الماضي.
وعلى أساس شهري زادت وتيرة تضخم أسعار المستهلكين لإجمالي مصر بنسبة 1%، مقابل 1.2% في آب / أغسطس الماضي، وفق الجهاز الحكومي.
مدافن بالتقسيط
واحتلت القاهرة المرتبة الأولى بين المحافظات المصرية من حيث حالات الوفيات، بعدد 85.7 ألف حالة، عام 2016، مقابل 89.8 ألف حالة، في 2015، بانخفاض قدره 4.5 %، وفق الإحصاءات الحكومية.
وقال سماسرة عاملون في بناء وبيع المدافن بمحافظة القاهرة إن تداعيات الإصلاحات الاقتصادية التي تطبقها الحكومة، منذ نهاية 2015، لم تقتصر على حياة ومعيشة المواطنين اليومية فحسب، بل طالت الموتى في القبور.
وتوسعت وزارة الإسكان المصرية، خلال الفترة الأخيرة، في طرح أراضي مدافن بنظام حق الانتفاع، للتخلص من هذه الأزمة.
فيما لجأ سماسرة لطرق جديدة لجذب المواطنين إلى شراء مدافن، ينشئها القطاع الخاص دون تراخيص بناء، على رأسها إتاحة نظام التقسيط.
ولم يقتصر تدخل وزارة الإسكان على مدافن المسلمين فقط، بل شملت أيضا تخصيص أراضٍ للمسيحيين، لاستخدامها في الغرض نفسه.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت الوزارة تخصيص 50 فداناً، لاستخدامها كمقابر صدقة لغير القادرين في منطقة المقابر بمدينة القاهرة الجديدة، بناء على طلب البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
تسهيلات حكومية
ووفق محمد حسين، سمسار مدافن، فإن "أسعار المقابر في القاهرة الكبرى ارتفعت، منذ قرار تحرير سعر صرف الجنيه، بنسب تتراوح بين 100% و150%".
حسين اعتبر أن "الأمل الوحيد للخروج من حالة الركود، التي أوجدتها الإصلاحات الاقتصادية، هو تقديم تسهيلات لمحاوله جذب المشترين".
وتنفذ مصر برنامجاً للإصلاح الاقتصادي، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، في سبيل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار.
وتتباين أسعار المدافن من محافظة مصرية إلى أخرى، وتكون مرتفعة أكثر في المدن بعكس القرى، التي لا يجد سكانها صعوبة في توفير قطع أرضية، لاستخدامها في بناء المقابر، بحسب عاملين في المجال.
وارتفع متوسط سعر المقبرة الجاهزة والمرخصة، والبالغة مساحتها 40 مترًا، في مدينة السادس من أكتوبر، إلى أكثر من 145 ألف جنيه تساوي نحو 8238 دولاراً، مقارنة بنحو 75 ألفًا تساوي نحو 4261 دولاراً، قبل تحرير سعر صرف الجنيه.
بينما يبلغ سعر المقبرة، التي تتراوح مساحتها بين 60 و80 متراً، ما بين 195 ألفاً و215 ألف جنيه تعادل 11000 دولار- 12215 دولاراً، حسب درجة تشطيب المقبرة، مقارنة بنحو 95 ألف جنيه تعادل 5397 دولاراً قبل تحرير سعر صرف الجنيه.
التبرع بالجثة
وألقى ارتفاع أسعار المقابر بأعباء إضافية على كاهل المصريين، وخاصة من تأثروا بشدة بسبب قرارات الإصلاح الاقتصادي.
وقال عاطف فتحي (50 عاما): "اضطررت إلى بيع بقرة، واستخدمت جزءاً من ثمنها لسداد مستحقات أفراد أسرتي، لضمان استمرار الدفن في مقابر العائلة الكبيرة".
بدوره، أعرب محمد أحمد (60 عاما)، باحث في العلوم السياسة، عن غضبه من ارتفاع ثمن المقبرة، وعدم قدرته على السداد.
وتابع: "أوصي بالتبرع بجثتي، بعد الوفاة وأداء صلاة الجنازة، لصالح طلاب كلية طب في جامعة القاهرة".
أسعار عشوائية
المهندس داكر عبد الله، عضو الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، قال إن السوق المصري "يعاني من عشوائية في تحديد الأسعار".
وأضاف أن "الأجهزة الرقابية في مصر ليست فعالة بالقدر الكافي، وغير قادرة على ضبط الأسعار في السوق، لاسيما بعد تحرير سعر صرف الجنيه".
وأوضح أن "غياب دور الجهات الرقابية، وعدم توفر بيانات وإحصائيات دقيقة، أوجدا تفاوتاً كبيراً في أسعار المدافن من مكان إلى آخر".
بجوار المشاهير
فيما شدد عبد الله حمدي، سمسار، على أن "المقابر تحولت إلى تجارة، خاصة في المدن الجديدة، بسبب ارتفاع أسعارها وحتميتها للمصريين".
وأردف قائلا للأناضول إن "العديد من أصحاب الأراضي اتجهوا، مؤخرا، إلى الاستثمار في بناء وبيع المقابر، لتحقيقها أرباحاً أعلى بكثير من أي استثمار آخر".
وأوضح أن سعر المقبرة يختلف من منطقة إلى أخرى، وحسب درجة تشطيبها، وقد يصل سعر الواحدة، بين 40 و60 متراً، في بعض المناطق مثل القاهرة الجديدة، إلى 350 ألف جنيه تساوي 19886 دولارا.
وشدد على أن بعض المدافن تصل أسعارها إلى 500 ألف جنيه تساوي 28409 ألف دولار، إذا كانت بجوار مدافن مشاهير من فنانين وإعلاميين.
ولفت حمدي إلى "وجود شركات متخصصة فقط في إنشاء المدافن، دون تدخل أي جهة حكومية في تحديد أسعار البيع".
وقال إن بعض "الحانوتية تحولوا إلى سماسرة للمتاجرة في المدافن، خاصة مع وجود مصريين يعيشون في المقابر".
ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في تقرير عام 2014، فإن نحو 1.5 مليون مصري يعيشون في مقابر بالقاهرة.
أزمة عامة
وقال صابر ياسين (حانوتي) إن "الزيادة في أسعار المدافن لا تقتصر على القطاع الخاص فقط، بل شملت أيضا المدافن التابعة للدولة".
وأضاف ياسين، في حديث للأناضول، أن "ارتفاع أسعار مواد البناء والأرض قفز بأسعار الجبانات (المدافن)".
وأعلنت محافظة القاهرة، قبل أيام، فتح باب الحجز للمواطنين الراغبين في الحصول على مدفن بمساحة 20 مترًا كامل البناء، في جبانة "وادي الراحة"، المزمع إقامتها جنوبي مدينة القاهرة الجديدة، على طريق القطامية العين السخنة.
واشترطت المحافظة أن يكون المتقدم من سكان القاهرة، وألا يكون سبق له الحصول على مدفن من أي جهة، على أن يدفع 50 ألف جنيه تساوي 2800 دولارا، منها 20 ألف جنيه تساوي 1113 دولارا كمقدم حجز.
ويقول عاملون في المجال إن أصحاب النفوس الضعيفة استغلوا الانفلات الأمني، الذي مرت به مصر في أعقاب ثورة 25 كانون الأول / يناير 2011، وبنوا مقابر دون تراخيص، وباعوها بأسعار كبيرة، استغلالاً لحاجة المواطنين للمدافن.