بات إسدال الستار على وجود
تنظيم الدولة في المدن الكبرى وشيكا بعد أنباء عن دخول حافلات إلى مدينة
الرقة لإجلاء المقاتلين وعائلاتهم، والتصريحات الصادرة من فصائل كردية بحسم وجود التنظيم في الرقة المعقل الأخير له خلال يومين على أبعد تقدير.
معركة السيطرة على الرقة التي بدأت في شهر حزيران/ يونيو الماضي والتي توقعت أفضل التحليلات العسكرية لها أن تدوم أسابيع استمرت أكثر من أربعة أشهر شهدت المدينة خلالها قصفا جويا وأرضيا عنيفا علاوة على حشد كبير من القوات المقاتلة والتي فرضت حصارا خانقا.
وقال الناطق باسم التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة اليوم إن نحو 100 مقاتل من التنظيم استسلموا في الرقة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية وتم إخراجهم من المدينة.
إقرأ أيضا: فصيل كردي: سنعلن السيطرة على الرقة اليوم أو غدا
وتعد خسارة التنظيم للرقة ثاني كبرى الخسائر التي يتعرض لها هذا العام بعد خسارة معقله الأكبر في العراق مدينة الموصل عقب معارك عنيفة استمرت 9 أشهر أتت على المدينة وتسببت بمقتل وإصابة عشرات الآلاف سواء من التنظيم أو المدنيين الخاسر الأكبر في المعارك.
وتثير هذه الخسارة تساؤلات حول فقدان المعقل الأخير وقدرات التنظيم بعد أكثر من عام ونصف من المعارك المستمرة في مدينتين وعدد من الجبهات المتفرقة بالإضافة إلى مرحلة ما بعد الموصل والرقة.
مقاومة شرسة
الخبير العسكري العقيد أحمد الحمادي قال إن تنظيم الدولة قاتل في الرقة بعدد يتراوح ما بين 3 آلاف إلى 3500 مقاتل طيلة الشهور الأربعة الماضي وفي ظل حصار خانق.
وأوضح الحمادي لـ"
عربي21" أن القتال بطريقة حرب العصابات لمدة أربعة أشهر "ليس مسألة بسيطة في العلم العسكري خاصة إذا كان الخصم المقابل يمتلك المدفعية الثقيلة التي دكت المدينة بكل عنف بالإضافة إلى طلعات جوية تزيد عن 100 غارة في اليوم وقصف بالفسفور والنابالم وكافة أنواع الأسلحة".
ولفت إلى أن عناصر التنظيم "قاوموا بشراسة وهذا ما أطال عمر المعركة على الرغم من خروج قيادات كبيرة من الصف الأول قبل الحصار" لكن في المقابل قال: "لو حصلت مفاوضات وتوفر مخرج آمن قبل الحملة لحدث انسحاب دون تدمير المدينة".
وأشار الحمادي إلى أن الضغط الشديد والإنهاك نتيجة الحصار المستمر لمدة 4 شهور كان يكفي لقطع الإمدادات عن عناصر التنظيم وحتى لو لم تقطع بشكل نهائي فالوضع كان منهكا للتنظيم وعند أول فرصة للمفاوضات قرر التنظيم المغادرة كما حصل في الهنيدة والمنصورة من مفاوضات بين "
سوريا الديمقراطية" و"التنظيم".
اقرأ أيضا: بعيدا عن الجبهة.. متطوعون من الرقة يحلمون بإعادة إعمار مدينتهم
وفي مقارنة عسكرية بين الموصل والرقة قال الحمادي إن عديد التنظيم في الموصل كان يقارب 7 آلاف مقاتل وفق بعض التقديرات بينما في الرقة كان العدد يصل إلى قرابة الـ 3 آلاف مقاتل.
وبشأن القوات المهاجمة أضاف: "في الموصل قرابة 100 ألف جندي من البيشمركة والحشد الشعبي والقوات العراقية حاصروا المدينة وهاجموها فضلا عن التحالف القصف المتواصل بينما في الرقة كان يتواجد على الرقة قرابة 15 ألف مقاتل من فصائل سورية وكردية".
وتابع: "صحيح أن المعركة استغرقت عسكريا وقتا أكبر من اللازم لحسمها لكنها أتت على كامل المدينة ونسفت كل الجسور على جانبي النهر ومنعت الناس من الخروج وهناك تكدس في القتلى والمدينة تحولت لركام".
العودة لحرب العصابات
بدوره قال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية إن تنظيم الدولة اتخذ قرارا بإنهاء السيطرة على المدن والعودة لحرب العصابات كما كان يفعل في السابق.
وأوضح أبو هنية لـ"
عربي21" أن صمود التنظيم طيلة الشهور الماضية في الرقة وقبلها في الموصل كان بسبب قراره تحقق استنزاف للخصم وإيقاع خسائر كبيرة خاصة أن أفضل التوقعات كانت تشير لانهياره في الرقة خلال أسابيع.
وأضاف: "لكن الآن بات واضحا العودة للنهج القديم بشن حرب عصابات وهجمات خاطفة وانتحارية في بعض الأحيان كما حدث في ديالى ودير الزور والأنبار مؤخرا".
ولفت إلى أن التنظيم تراجع عن الحرب الكلاسيكية التي خاضها منذ سيطرته على مدن كبرى كالموصل والرقة وهو بانتظار الظروف الظروف المناسبة في الإقليم ليعيد ترتيب صفوفه وينطلق من جديد لكن إلى ذلك الحين سيبقى معتمدا على الهجمات الخاطفة.
إقرأ أيضا: مفاوضات بالرقة.. هل تنتهي بانسحاب تنظيم الدولة لدير الزور؟
وشدد أبو هنية على أن أكثر ما يخدم التنظيم هو الخلافات والتناقضات الدولية وهي ما أفضل ما يدفعه لإعادة ترتيب صفوفه وهيكليته كما حدث بعد خطة الصحوات الأمريكية في العراق ما بين 2006 – 2008.
ويرى أبو هنية أن تنظيم الدولة "شديد البراغماتية ولا يقاتل بهدف الموت ولكن بهدف تحقيق انتصار والوصول إلى الخلافة كما يعتقد" مدللا بما قال إنه "قرار اتخذته اللجنة المفوضة بالتنظيم بالتخلي عن السيطرة على المدن والعودة لحروب العصابات والاستنزاف بانتظار ظرف آخر".
ولفت إلى أن براغماتية التنظيم تمثلت في ما حصل بتلعفر حين تم الاتفاق على ممرات آمنة لخروجه من هناك وبالتزامن مع ذلك كان البغدادي يتحدث برسالة لمقاتليه وأعلنت "غزوة أبو محمد العدناني" وقال: "التنظيم بالفعل سيطر على بعض المناطق كما حصل في القريتين والميادي لكنه انسحب بالمحصلة وبعث برسالة أنه موجود ومستمر بالاستنزاف".