نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب والناشط البريطاني جورج مونبيوت، يقول فيه إنه لا يتوقع الكثير من وضع الثقة في السياسيين؛ لأن ذلك في الغالب يؤدي إلى اليأس.
ويستدرك الكاتب بأن "
أونغ سان سو تشي كانت شيئا آخر، حيث كان اسمها يوما ما يلهم بالصبر والتحمل في وجه المعاناة، ويعني الشجاعة والصمود في النضال لأجل الحرية، وكانت ملهمة لنا جميعا".
ويقول مونبيوت في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "أصدقاء لي قضوا حياتهم في حملات لإطلاق سراحها من سنوات الاعتقال، الذي فرضته عليها الديكتاتورية العسكرية في
ميانمار ولإعادة الديمقراطية، واحتفينا عندما حصلت على
جائزة نوبل للسلام عام 1991، وفرحنا عندما أفرج عنها عام 2010، وعندما فازت في انتخابات 2015".
ويضيف الكاتب: "لم ننس أي شيء عن المعاناة التي مرت بها، والعزل والابتعاد عن عائلتها، لكن من الصعب أن نفكر في أي سياسي حديث قام بخيانة هذه المعاني الكبيرة بهذه البشاعة".
ويشير مونبيوت إلى "معاملة أقلية
الروهينغا المسلمين في ميانمار معاملة بغيضة بالمقاييس كلها، حيث وصفتهم الأمم المتحدة بـ(أكثر الأقليات اضطهادا في العالم)، ولم يتغير وضعهم منذ أن تسلمت أونغ سان سو تشي منصبها".
ويذكر الكاتب أن "اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تنص على أن هناك خمسة أفعال يعد القيام بأي منها (بهدف التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو دينية) إبادة جماعية، وقد تم ارتكاب أربعة من هذه الأفعال؛ بهدف تدمير هذه المجموعة، منذ أن أصبحت سو تشي الزعيمة السياسية".
ويقول مونبيوت: "مع إدراكنا للسلطة التي يملكها الجيش، وأن سو تشي لا تملك سلطة فعالة عليهم.. لكن بالإضافة إلى بعض الإجراءات العملية والقانونية التي تستطيع القيام بها مباشرة لمنع هذه الجرائم، فإنها تمتلك قوة كبيرة: هي إمكانية التحدث، ولكن بدلا من استخدام هذه القوة كان ردها عبارة عن مزيج من الصمت، وإنكار الأدلة الموثقة، وإعاقة المساعدات الإنسانية".
ويضيف الكاتب: "أشك في أنها قرأت تقرير حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة الصادر في شباط/ فبراير، حيث كشف عن جرائم رهيبة ضد الروهينغا، ووثق التقرير الاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات، بعضهن مات بسبب الإصابات جراء الاغتصاب، وأظهر التقرير كيف تم ذبح الأطفال والكبار أمام عائلاتهم".
ويلفت مونبيوت إلى أن "التقرير تحدث عن إعدامات دون محاكمة لمعلمين ومسنين وقيادات مجتمع، ووصف كيف قامت طائرات الهيلوكبتر بفتح النار عشوائيا على القرى، وحرق البيوت على أصحابها، وكيف ضرب الجنود امرأة كانت في حالة ولادة، ثم قاموا بالدوس على المولود حتى فقد الحياة".
ويورد الكاتب أن "تقرير الأمم المتحدة تحدث أيضا عن الحرق المتعمد للمحاصيل الزراعية، وحرق القرى لترحيل سكانها من بيوتهم، وعندما يحاول الناس الهرب تفتح عليهم النار في قواربهم".
ويفيد مونبيوت بأن "منظمة العفو الدولية نشرت ملفا مشابها العام الماضي، يحتوي على كم كبير من الأدلة التي تشير إلى أن هذه الأفعال محاولة لمحو هذه المجموعة الإثنية من ميانمار".
وبحسب الكاتب، فإن "حدة الحملة تصاعدت في الأيام الأخيرة، حيث تحدث اللاجئون الذين وصلوا إلى بنغلاديش عن مذابح كثيرة وسوء تغذية، يعاني منها 80 ألف طفل من أطفال الروهينغا، وردا على ذلك لامت سو تشي في مقابلة المتمردين، وقالت إنها تستغرب أن أحدا يريد أن يقاتل الجيش بعد أن فعلت لهم الحكومة الكثير".
ويقول مونبيوت: "صحيح أن الروهينغا لجؤوا للسلاح، وأن المذبحة الأخيرة جاءت بعد أن قتلت منظمة تسمي نفسها جيش تحرير روهينغا آراكان 12 عنصرا في قوات الأمن، لكن رد فعل الجيش كان ضد السكان كلهم، بغض النظر إن كانت لهم علاقة بالمتمردين أم لا، وتم نشر الرعب لدرجة أن 120 ألفا من الروهينغا اضطروا للفرار على مدى الأسبوعين الماضيين".
وينوه الكاتب إلى أن "سو تشي قالت في محاضرة نوبل (عام 2012): (حيث تهمل المعاناة ستكون هناك بذور صراع؛ لأن المعاناة تهين وتنغص وتجلب الغضب)، لكن غضب هؤلا الروهينغا الذين حملوا السلاح اتخذ ذريعة لتسريع برنامج التطهير العرقي القائم".
ويبين مونبيوت أن "سو تشي لم تنكر وقوع تلك الجرائم فقط، بل أنكرت هوية الروهينغا الذين وقع عليهم الظلم، فطلبت من السفير الأمريكي عدم استخدام مصطلح الروهينغا، وهو ما يتماشى مع سياسة الحكومة التي تنكر وجودهم بصفتهم مجموعة إثنية -بالرغم من أنهم عاشوا في ميانمار لقرون- وتصفهم بأنهم متطفلون".
ويشير الكاتب إلى أنه "عندما قدمت إحدى نساء الروهينغا تفاصيل ادعائها بأنها تعرضت لاغتصاب جماعي من جنود ميانمار، وما نتج عن الاغتصاب من إصابات، فإن مكتب سو تشي نشر على صفحته على (فيسبوك) شعارا كتب عليه (اغتصاب مزور)، وقد عرف عن سو تشي إدارتها للتفاصيل فيبدو أنه من غير المحتمل أن يكون وضع الشعار على الصفحة كان دون موافقتها".
ويقول مونبيوت إن "سو تشي لم ترفض وتعرقل المسؤولين الأمميين الذين سعوا للتحقيق في معاملة الروهينغا فقط، بل إن حكومتها منعت منظمات الإغاثة من توزيع الطعام والماء والأدوية، واتهم مكتبها العاملين في الإغاثة بمساعدة (الإرهابيين)، ومنعت محاولات مساعدة أناس يواجهون المجاعة".
ويجد الكاتب أن "ما حماها حتى الآن هم من يقدمون المبررات لها مثل أنها لم ترد تعريض فرصة انتخابها للخطر، أو أنها لا تريد إعطاء فرصة للجيش لإحكام قبضته على السلطة، أو أنها تريد أن تبقي الصين راضية عنها".
ويعلق مونبيوت قائلا: "كلها أعذار غير مقبولة، فعندما كانت تنشط لأجل الديمقراطية قالت سو تشي: (ليست السلطة ذاتها التي تفسد، لكنه الخوف، الخوف من فقدان السلطة هو ما يفسد من يتمتعون بها)، لكنها الآن سواء بدافع العنصرية أو بدافع الخوف تنكر على الآخرين حرية ادعتها لنفسها، ونظامها يستثني بل يسعى لإسكات الناشطين الذين ساندوها للحصول على حقوقها".
ويقول الكاتب: "وجدت نفسي هذا الأسبوع أقوم بالتوقيع على عريضة تدعو لسحب جائزة نوبل من سو تشي، وأعتقد أن على لجنة جوائز نوبل أن تتحمل مسؤولية الجوائز التي توزعها، وأن تسحبها ممن منحت له إن هو خالف المبادئ التي لأجلها منحت له الجائزة، وهناك حالتان مناسبتان لذلك، هما باراك أوباما بسبب برنامج الطائرات دون طيار، الذي تسبب بقتل عدد كبير من المدنيين، وأونغ سان سو تشي".
ويختم مونبيوت مقاله بالقول: "أرجو توقيع العريضة، لماذا؟ لأن هناك وضعا غريبا: فائزة بجائزة نوبل للسلام متواطئة في جرائم ضد الإنسانية".