كتب المعلق في موقع "بلومبيرغ" الإخباري ليونيد بيشردسكين مقالا تحليليا، حول موقف
روسيا من الأزمة الحالية بين
السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، لاتهام الأخيرة بدعم "الإرهاب"، وقال إن روسيا لن تجني الكثير لو حاولت إضعاف هذه الدولة الصغيرة.
ويتناول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، ما تم تداوله بأن قراصنة من روسيا هم المسؤولون عن إختراق وكالة الأنباء الرسمية
القطرية الشهر الماضي، ويقول: "يتهم القراصنة الروس الآن بأنهم من أشعلوا النار الدبلوماسية بين السعودية وقطر، ومع أن الحقائق تظل في الظل، فإنه من الصعب فهم إن كان من مصلحة روسيا إضعاف قطر".
ويشير الموقع إلى أن بيشردسكين كان يعلق على ما ورد في شبكة أنباء "سي أن أن" بأن القراصنة الروس لهم دور في العملية التي تمت فيها نسبة تصريحات مكذوبة على لسان أمير قطر الشيخ
تميم بن حمد آل ثاني، يتحدث فيها عن إيران وحركة حماس وإسرائيل وأمريكا، مستدركا بأنه رغم أن القصة اختفت من وكالة الأنباء القطرية، إلا أنها لا تزال حاضرة في إعلام السعودية والإمارات، الذي تعامل معها على أنها حقيقة.
ويعتقد بيشردسكين أنه "ليس من الصعب اكتشاف الكثير من الثقوب في القصة، فلا يعرف تحديدا الدور الذي أدته هذه القصة في قطع العلاقات الدبلوماسية، فعلى المستوى الرسمي اتهمت السعودية قطر بدعم الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، وأيضا جماعة الإخوان المسلمين، التي لا تعد جماعة إرهابية، كما اتهمت السعودية قطر بدعم الجماعات الممولة من إيران في السعودية والحوثيين في اليمن".
ويلفت الكاتب إلى أن "هذه القضايا، سواء كانت حقيقية أم متخيلة، هي موجودة منذ مدة، ولن تنفجر بسبب خبر مزيف، ففي 29 أيار/ مايو اتهمت صحف سعودية أمير قطر بالنفاق، لكن لتصريحات أخرى حقيقية، في إشارة لمكالمة الأمير مع حسن روحاني بعد انتخابه لولاية ثانية، حيث تحدث فيها عن علاقة قطر مع الجمهورية الإسلامية الطويلة، ودعا لتقويتها أكثر، وأشار تقرير (فايننشال تايمز) إلى أن قرار المقاطعة ناجم عن الفدية الكبيرة التي دفعتها قطر للإفراج عن الرهائن القطريين، الذين احتجزتهم جماعة شيعية موالية لإيران في جنوب العراق".
ويقول بيشردسكين: "حتى لو أدت القصة المزيفة دورا في عزل قطر، فإن السؤال هو لماذا تريد روسيا التأثير على البلد وإضعافه؟ فروسيا مثل السعودية، مهتمة جدا برفع أسعار النفط، ولهذا السبب اتفق البلدان على تخفيض إنتاج النفط، إلا أن أزمة قطر أدت إلى رفع سعره فوق 50 دولارا للبرميل الواحد، وكما بدا واضحا أن إنتاج النفط لن يتأثر، وانخفض مرة أخرى".
ويضيف الكاتب: "روسيا مهتمة، بصفتها دولة مؤثرة في الشرق الأوسط، بدق إسفين بين الولايات المتحدة والدول العربية، ففي السنوات الأخيرة أقام الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين علاقة دافئة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لدرجة قامت فيها مصر بالتصويت لصالح روسيا في مجلس الأمن، ما سمح باستمرار القصف على شرق حلب، وهو قرار ادى إلى توتر في العلاقة مع السعودية".
ويستدرك بيشردسكين بأن "السعوديين وجدوا في بوتين شريكا مستعدا، فلم تساعد روسيا أبدا في منظمة الدول المنتجة والمصدرة للبترول (أوبك) في سوق النفط، لكن روسيا هي جزء من اتفاق غير مسبوق لتخفيض إنتاج النفط، وزار ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان روسيا في 30 أيار/ مايو".
ويجد الكاتب أنه "مع أن قطر كانت لديها علاقة عدوانية مع روسيا؛ بسبب سوريا، وللدعم الذي تقدمه لرئيس النظام السوري بشار الأسد، إلا أن العلاقة الآن دافئة أكثر من وقت مضى؛ لأن البلدين يعدان متنافسين في سوق الغاز".
وينوه بيشردسكين إلى أن "روسيا عانت في العام الماضي من سد العجز في الميزانية، فقدمت لها قطر 2.8 مليار دولار من الصندوق السيادي القطري؛ من أجل شراء حصة 19.5% في الشركة التي تملكها الدولة (روسنفت)، وانضمت قطر لمجموعة من الشركات، مثل (غلينغور)، التي ساهمت بـ300 يورو، وبنك (إنتستا باولا)، الذي قدم قرضا بقيمة 10.2 مليار يورو، وهذا يعني أن قطر حصلت على حصة كبيرة من (روسنفت)، في وقت كان فيه بوتين بحاجة للمال، وللاعتراف بأن نظامه لا يعاني من عزلة دولية".
ويذكر الكاتب أن تقارير نشرت، نفتها "غلينغور" وقطر، تفيد بأن بوتين والأمير وضعا بندا في الصفقة، يسمح لروسيا بإعادة شراء الحصص، كوسيلة لبناء جسور بين البلدين، مشيرا إلى أن الصندوق السيادي القطري يقوم بالتفاوض لشراء حصة في تجارة "شركة الغاز والنفط المستقلة"، بالإضافة إلى أن قطر تبحث عن مشاريع أخرى في روسيا بقيمة 12 مليار دولار، بحسب ما قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في نيسان/ أبريل.
ويفيد بيشردسكين بأن "بوتين، ومنذ تدخله في سوريا، حاول مصادقة كل قوة في المنطقة، وحاولت دولها عمل صداقات معه، رغم قربها من الولايات المتحدة، ولهذا فلو حاول زرع الفتنة بين دول الخليج، فإنه سيكون قد تخلى عن منجزاته التي بناها بصبر خلال السنوات الماضية كلها، وسيتأثر الدور الذي تؤديه روسيا في المنطقة، بصفتها طرفا عسكريا ووسيطا، لو أدى موقفه إلى غضب الأمير".
ويبين الكاتب أن "وزارة الخارجية الروسية عرضت المساعدة منذ بداية الأزمة، واتصل بوتين بالأمير، وعرض عليه الوساطة، على خلاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كتب تغريدات على (تويتر)، يدعم فيها التحرك السعودي ضد قطر، ورفضت القيادة الروسية التدخل، وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف: (إنها مسألة علاقات ثنائية)، وأضاف: (لا نتدخل في هذه القرارات)".
ويرى بيشردسكين أن "لا مصلحة للكرملين بتقويض استقرار قطر، مع أن من مصلحة الولايات المتحدة زرع بذور عدم الثقة بين روسيا وقطر، فالأخيرة حليف مهم للولايات المتحدة، وتستقبل القاعدة العسكرية الأمريكية الأكبر في المنطقة، ودخول الروس إليها لا تحبذه المؤسسة العسكرية والسياسة الخارجية".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "القراصنة الروس يظهرون من داخل هذه المؤسسة، حيث منع الخوف من روسيا أي تقارب بين إدارة ترامب وبوتين، ومن المشكوك فيه أن تنجح مع قطر، فالدولة الخليجية الصغيرة تحاول أن تكون صديقة مع الجميع، العرب وإيران وروسيا والولايات المتحدة، وفي الأزمة الحالية فإنه من الصعب مواصلة هذه السياسة، لكن في ظل وجود رئيس متقلب في البيت الأبيض، فإن الامير ليس مهتما بجعل بوتين عدوا له".