تطور كهذا يضع اليمن والأطراف الداخلية والخارجية المنخرطة في الصراع، أيضاً عند مفترق طرق خطير جداً، فإما أن يذهب الجميع إلى سلام يقر للحوثيين بمكاسبهم مع مكاسب إضافية تخصم بقوة من رصيد الصلاحيات السيادية للشرعية، أو أن تعود الحرب إلى مستواها الشامل لإعادة تحديد القوى التي ستصيغ مستقبل اليمن
لا توجد ضمانات بأن تتحول الزيارات المتبادلة لأغراض إنسانية إلى وفود سياسية، يمكن أن تضفي على الوقائع الحالية المهيمنة على المشهد اليمني طابع الاستمرارية والاستحقاق السياسي الكامل، الذي سيتبرع المجتمع الدولي بترسيمه، إذا لم ينهض اليمنيون..
لماذا لم يباشر الحوثيون فور انتهاء الهدنة، في تنفيذ تهديداتهم الموجهة في المقام الأول لكل من السعودية والإمارات، فلأنهم ببساطة يحتاجون إلى الهدنة أكثر من غيرهم، لذلك اكتفوا بالاشتباك الميداني مع خصومهم المحليين في نحو أربع جبهات
السيناريو المرجح حال انتهت الهدنة ولم يتسن تجديدها، هو عودة الحرب التي سيحاول الحوثيون أن تكون مزدوجة، بمعنى التصعيد العابر للحدود أملاً منهم في دفع التحالف إلى القبول بشروط تجديد الهدنة، والدخول في معركة داخلية مع الشرعية ورجالها..
أسوأ ما أفضت إليه عملية نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي هي أن اليمنيين فقدوا القدرة على تتبع مسار المؤامرة الإقليمية والغربية، إلى الحد الذي يصعب معه اليقين بشأن دوافع دولتي التحالف
لم يعد اليمنيون يهتمون بالهدنة ولا بالجهود الدولية، قدر اهتمامهم بالدفع نحو بناء اصطفاف وطني يتأسس على جهد نضالي سياسي وعسكري مقاوم يواجهون من خلاله هذه المؤامرة المزدوجة، التي تستهدفهم من جانب التحالف ومن يقف وراءه..
السعودية فرضت على الدكتور رشاد العليمي ما فرضته على سلفه من إقامة مفتوحة في الرياض، من أهم أهدافها تحييد دوره الدستوري لحساب قوى الأمر الواقع، وإتاحة الفرصة لأحد نوابه ليمضي في تكريس الانفصال ومأسسته..
يبدو أن السعودية وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية التي تقترب معها إيران من إحراز نصر كبير في ملفها النووي؛ مستعدة لأن تذهب نحو إنتاج تسوية تخصم من المكانة الاستراتيجية للدولة اليمنية لحساب إيران والمنظومة الشيعية..
في الحقيقة لا شيء يثير الدهشة، لأن مجريات الحرب التي أخذت أبعادا إقليمية واضحة، هي التي مايزت إلى حد ما مواقف القيادات الانفصالية ودفعتها للاصطفاف بحسب الأجندات الإقليمية، سواء التي تنتمي إلى الحراك التاريخي أو تلك التي اصطفت مؤخراً ضمن المجلس الانتقالي..
علينا أن نوضح بجلاء أن التحالف الذي يضم السعودية والإمارات، هو الذي يقود عبر ما بات يعرف بـ"الوحدة الخاصة" المعركة العسكرية ضد الدولة اليمنية ومؤسساتها، وجيشها، ويوفر لها العدة والعتاد، ويسخّر لها المليشيات، ويحصن دوره العدائي عبر المجلس الرئاسي..
التحالف وأبو ظبي على وجه التحديد لم يضطر إلى تبرير ما حدث، ولم يقر حتى الآن بأنه حرك طائرات مسيرة هي التي حسمت المعركة لصالح المليشيات المسلحة التي تعمل ضمن مشروع الانفصال الموجه والمدعوم من جانب هذا التحالف
لقد وُضع رجل دولة بحجم الدكتور رشاد العليمي في وضع صعب للغاية، لكن بوسعه أن يدافع ولو عن كرامته الشخصية وتاريخه وسجل خدمته في صفوف الدولة اليمنية، وفي المواقع المتقدمة من هذه الصفوف..
التحالف وعبر الدور النشط للسفير السعودي محمد آل جابر، يركز على تمكين شخصيات تدور في ولائها السياسي مشروعين أساسيين؛ أحدهما المشروع الانفصالي الذي يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، والآخر، يتمثل في محاولة تمكين الورثة السياسيين والعسكريين للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح..
لا غرابة أن تتجه الهدنة إلى إقرار المكاسب السياسية والعسكرية غير المشروعة التي حازها الحوثيون، وأن يتحول توجه كهذا إلى أساس لبناء توافق غير مستبعد لدول الحوض النفطي في الخليج
مثلت القضية اليمنية وعلى وجه الخصوص الهدنة، ذلك الغطاء الذي تدثر به بايدن ليثبت أن زيارته ذات جدوى بالنسبة للسلام في المنطقة، فلطالما تفاخر هذا الرئيس بالهدنة اليمنية التي قال إنها وفرت هدوءا لم ينعم به اليمنيون منذ أكثر من 7 سنوات..
صُممت قرارات مجلس الأمن والموقف الدولي كله بما يتفق مع أهداف الحرب التي كان من بينها تمكين الحوثيين من تحقيق حسم عسكري، غير أن ذلك ربما تعارض جزئياً مع أهداف دولتي التحالف اللتين رسمتا لنفسيهما مساراً مختلفاً قليلاً..