تكثفت الدعوات الدولية
لوقف صادرات
الأسلحة إلى
إسرائيل أو تقييدها بشدة، ردا على حرب إبادتها الجماعية
المستمرة في قطاع
غزة. وقد أسفرت هذه الحرب التي دخلت يومها الـ206 عن سقوط عدد
كبير من الضحايا المدنيين، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 34 ألفا و388 شهيدا و77 ألفا
و437 مصابا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بالتوازي مع ارتفاع عدد الشهداء في
الضفة الغربية الذي وصل إلى 491 منذ بدء الحرب على غزة.
ودفعت خطورة الوضع الإنساني
في غزة، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوة حاسمة. فقبل بضعة
أيام فقط، أصدر المجلس قرارا يدعو لحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. كما حث هذا
القرار، الذي تم تبنيه بأغلبية كبيرة بلغت 28 صوتا مقابل ستة أصوات وامتناع 13 عضوا
عن التصويت، على محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وقد حظيت الدعوة إلى
فرض حظر على الأسلحة بدعم قوي من المجتمع الدولي، كما يتضح من دعم أكثر من 160
منظمة إنسانية وجماعة لحقوق الإنسان. وكانت هذه الكيانات قد أصدرت لأول مرة دعوة
لفرض حظر على الأسلحة في 24 كانون الثاني/ يناير. وقد تم التأكيد بشكل أكبر على
ضرورة اتخاذ مثل هذه التدابير في أعقاب حادث مأساوي أسفرت فيه الغارات الجوية
الإسرائيلية عن مقتل سبعة أعضاء في قافلة مساعدات تابعة للمطبخ المركزي العالمي،
مما يسلط الضوء على حجم التوحش الإسرائيلي في استهداف المدنيين وطواقم الإغاثة
التي من كان من المفروض حمايتها وعدم استهدافها.
العديد من خبراء الأمم المتحدة أوضحوا أنه يجب حظر نقل الأسلحة أو الذخيرة إلى إسرائيل. ويظل هذا الموقف قائما حتى لو لم تكن الدول المصدرة تنوي استخدام الأسلحة في انتهاك للقانون الدولي، أو لم تكن متأكدة من أنها ستستخدم بشكل غير لائق، ما دام هناك خطر واضح وقائم
ومما زاد من هذا الزخم
أن العديد من خبراء الأمم المتحدة أوضحوا أنه يجب حظر نقل الأسلحة أو الذخيرة إلى
إسرائيل. ويظل هذا الموقف قائما حتى لو لم تكن الدول المصدرة تنوي استخدام الأسلحة
في انتهاك للقانون الدولي، أو لم تكن متأكدة من أنها ستستخدم بشكل غير لائق، ما
دام هناك خطر واضح وقائم.
وقد تم تعزيز هذا الرد
الدولي الجماعي بشكل أكبر من خلال الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 26 /كانون
الثاني/ يناير. فقد أعلنت المحكمة أن هناك خطرا معقولا بحدوث إبادة جماعية في غزة،
وسلطت الضوء على التأثير الشديد المستمر على المدنيين. وقد عزز هذا القرار القضائي
ضرورة وأهمية فرض حظر شامل على الأسلحة على إسرائيل، كما يدعو إليه خبراء القانون
الدولي والمدافعون عن حقوق الإنسان. وتعكس هذه الجهود المتضافرة تحولا كبيرا في
الدبلوماسية العالمية، والتزاما قويا بدعم القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان في
مناطق الصراع.
ولإدراكها خطورة
التورط في جرائم
الإبادة الجماعية، استجابت كل من بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا لنداءات
وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. علاوة على ذلك، واجهت كندا وأستراليا، وهما من
موردي الأسلحة الرئيسيين لإسرائيل، ضغوطا شعبية واسعة النطاق وضغوطا قانونية
متزايدة لوقف هذه الصادرات، حيث تشير التقارير الأخيرة إلى تباطؤ وإعادة تقييم
الإمدادات العسكرية من هذه البلدان إلى إسرائيل.
وعلى الرغم من دعوات
المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ودعوات خبراء الأمم المتحدة المحايدين لوقف
تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، كون هذا الفعل هو مشاركة وتواطؤ في إبادة جماعية ضد
شعب كامل، إلا أن هناك من الدول من تصرّ على إمداد إسرائيل بالأسلحة للاستمرار في
جرائمها والاستمرار في حملة ممنهجة لقتل المدنيين في غزة.
فإلى جانب الولايات
المتحدة وفرنسا وبريطانيا، قامت
هولندا باستئناف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، مما
أثار نقاشا معقدا ومثيرا للجدل حول دور الإمدادات العسكرية في تعزيز قدرة إسرائيل
على ممارسة الإرهاب الحكومي المنظم ضد المدنيين في غزة.
تُعرف الحكومة
الهولندية بأنها المورد الوحيد للقطع والمعدات اللازمة لمقاتلات F-35 لأوروبا
وإسرائيل، وأحد مراكز التوريد الثلاثة (التخزين وإعادة التصدير) لقطع الطائرات
المقاتلة في العالم. يقع هذا المركز في قاعدة Woensdrecht الجوية في هولندا. وبحسب الأخبار، أرسلت الحكومة الهولندية مرة
أخرى المعدات وقطع الغيار المتعلقة بمقاتلات F-35 إلى إسرائيل، وبذلك تلعب هولندا دورا محوريا في الجريمة والإبادة
الجماعية للرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين.
ولهذا القرار آثار
عميقة، لا سيما في سياق استمرار إسرائيل في جرائمها. ويقول المنتقدون الهولنديون
وأعضاء منظمات حقوق الإنسان بأن توريد مثل هذه المعدات العسكرية المتقدمة يلعب دورا
مهما في تصعيد العنف، خاصة ضد المدنيين الفلسطينيين. وقد استخدمت إسرائيل مقاتلات F-35، التي تتميز
بقدراتها على التخفي وامتلاكها أنظمة الأسلحة المتقدمة، في ضربات إقليمية عميقة
وخطيرة، بما في ذلك الضربة الجوية ضد السفارة الإيرانية في دمشق.
واشتد الجدل الدائر
حول التورط الهولندي في أعقاب التقارير الإعلامية والخطاب العام الذي سلط الضوء
على تواطؤ هولندا بحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني؛ ليس في غزة وحدها بل في الضفة
الغربية والقدس المحتلة. ووصل هذا الجدل إلى الساحة القضائية، حيث أمرت محكمة الاستئناف
الهولندية في 12 شباط/ فبراير الماضي الحكومة الهولندية بوقف صادرات الأسلحة إلى
إسرائيل، بسبب مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. ومع ذلك، قوبل هذا الحظر بمقاومة
من الحكومة الهولندية، والتي تحدّت قرار المحكمة وعادت إلى تصدير الأسلحة إلى
إسرائيل متحججة بأنّ هناك خطرا من إيران وسوريا واليمن.
على الرغم من أن الدول الكبرى لا تزال تمد إسرائيل بالسلاح وتدعم جريمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن الاحتجاجات العالمية ساهمت بفضح هؤلاء اللاعبين الدوليين وكشفت تواطؤهم في هذه الحرب، مما دفع بعض الدول إلى وقف تصدير الأسلحة أو الحد من تدفقها إلى إسرائيل
وأثارت هذه القضية أيضا
نقاشا أوسع حول التزام هولندا بحقوق الإنسان. وقد أدى موقف الحكومة إلى رد فعل
عنيف كبير داخل الحكومة نفسها، تميز باستقالة اثنين من موظفي وزارة الخارجية
واحتجاجات متعددة ورسائل مفتوحة من موظفي الحكومة يعبرون فيها عن معارضتهم
للمشاركة الهولندية في جرائم ضد الإنسانية. ويعكس هذا الصراع الداخلي الانزعاج
المتزايد بين بعض شرائح السكان الهولنديين والمسؤولين الحكوميين بشأن تورط بلادهم
في تجارة الأسلحة مع إسرائيل.
علاوة على ذلك، امتد الحوار
إلى الساحة السياسية، حيث تجلى الانقسام بين الساسة والأحزاب الهولندية. وبينما
يدعو البعض إلى استمرار الدعم العسكري لإسرائيل كحليف استراتيجي، يعارض آخرون بشدة
أي شكل من أشكال تجارة الأسلحة مع إسرائيل، ويصفونها بأنها دعم لحرب ممنهجة ضد
الفلسطينيين.
ختاما، على الرغم من
أن الدول الكبرى لا تزال تمد إسرائيل بالسلاح وتدعم جريمة الإبادة الجماعية
الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن الاحتجاجات العالمية ساهمت بفضح هؤلاء
اللاعبين الدوليين وكشفت تواطؤهم في هذه الحرب، مما دفع بعض الدول إلى وقف تصدير
الأسلحة أو الحد من تدفقها إلى إسرائيل. وعليه فإن المد الاحتجاجي الذي يجتاح
القارة الأوربية والأمريكية، بالإضافة إلى فضح جرائم إسرائيل والدعوة إلى مقاطعتها،
عليه أيضا أن يركز وبشكل أساسي على فضح الدول التي تقدم السلاح إليها، وأن يمارس
ضغوطا فعالة على السياسيين والأحزاب للتحرك بهذا الاتجاه.