في لقاء صحفي مؤخرا أعلن الرئيس
الجزائري عبد المجيد تبون عن عزم
بلاده إيجاد كيان مغاربي مشترك، وكان تبون قد عقد اجتماعا على هامش قمة الغاز في
مطلع الشهر المنصرم ضم الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد
المنفي، تناول هذا الموضوع، غير أن ردود الفعل من الأطراف المعنية لم تظهر على السطح، باستثناء الموقف الموريتاني.
دعوة تبون يلفها غموض، ذلك أن قمة مغاربية من المفترض أن تعقد في
تونس الشهر الجاري، فلماذا كيان مغاربي جديد، والكيان التقليدي ما يزال قائما؟!
وكيف يمكن تمرير هذا الكيان الجديد دون إصدار شهادة وفاة المنظمة القائمة وهي
الاتحاد المغاربي؟!
غير أن عوامل نجاح تأسيس كيان مغاربي جديد قد لا تكون متوفرة، وأمام
الجزائر عقبات كؤود لتمرير خطتها، أهمها قبول الأطراف المغاربية مجتمعة بالفكرة،
وهذا ما لا يمكن التسليم به، والبداية كانت من نواكشوط التي تحفظت على الخطة
الجزائرية.
الوهن والهزال الذي يصيب الاتحاد المغاربي يدفع للتفكير في البحث في
أسباب ضعفه وإخفاقه بل حتى تجاوزه والتفكير في تبني مقاربة مؤسساتية تحقق الأهداف
التي تسعى دول
المغرب العربي لتحقيقها على كافة الصعد السياسية والاقتصادية
والأمنية، غير أن خطة الجزائر لا تأتي في هذا السياق.
ليس من المتوقع أن تشرك الجزائر الرباط في مشاورات أولية لتشكيل كيان
مغاربي مشترك كما أطلق عليه تبون، والأسباب معلومة للجميع، بالمقابل، كيف يمكن أن
تمرر الجزائر مشروعا مغاربيا مشتركا المغرب ليست طرفا فيه، بل من المتوقع أن
تعارضه، ومعلوم الدور الريادي للمغرب في إنشاء وتطوير الاتحاد المغاربي، فمن
العسير إقناع المغرب بأن الخطة الجزائرية تخدم مصالح الأطراف المغاربية وتهدف إلى
تخطي أسباب إخفاق الاتحاد القائم.
عندما سئل تبون في نفس المقابلة الصحفية عن النزاع حول الصحراء
الغربية كرر الموقف التقليدي للجزائر من النزاع، وفي هذا إشارة إلى عدم رغبة
الجزائر في تجاوز أحد أهم أسباب فشل الاتحاد المغاربي، وهو الخلاف بين أكبر قطرين
مغاربيين، ويستنج من هذا أنه ليس في نية الجزائر إيجاد كيان مغاربي متماسك وفعال
بمبادرتها الجديدة.
يمكن القول إن الجزائر تبحث عن منتظم مواز يعزز من الموقف الجزائري من القضايا الإقليمية وغيرها، ويضيف ولو القليل إلى الثقل الجزائري في المنتظم العربي والدولي، ويمكنها من لعب دور أكبر في الأزمتين الليبية والتونسية، وقد تنتهي المبادرة الجزائرية إلى عقد اتفاقية تضم الدول الثلاث تستند على أهداف وأسس ومنطلقات الاتحاد المغاربي ولا توازيه.
ما يذهب إليه التفكير في محاولة فهم دافع الرئيس تبون لإنشاء كيان
مغاربي جديد هو ربما السعي لتمكين الجزائر من لعب دور أكبر في القضيتين الليبية
والتونسية، وإعادة تموضع الجزائر مغاربيا وحتى عربيا وإقليميا من خلال قيادة عدد
من الدول المغاربية، ويبدو أن تبون يرى أن الفرصة سانحة والوقت مناسب لتمرير مثل
هذا المشروع.
ربما لم يكن اختيار الجزائر أن تكون البداية مع تونس وليبيا عفوية،
ذلك أن ظروف البلدين السياسية تجعلهما في موقف ضعف وفي حاجة لدعم الجزائر، فتونس
تمر بوضع سياسي واقتصادي شديد التأزيم، وليبيا تعاني من انقسام سياسي وصراع على
القرار المالي، وكلاهما يحتاج طرفا إقليميا يتمتع نسبيا بالاستقرار وله وزنه
السياسي والاقتصادي في المنطقة.
يفهم من تصريح الرئيس تبون أن حوارا حول مبادرته وقع مع سعيد
والمنفي، وعدم تعليق المذكورين على تصريحات تبون يشي بعدم الرغبة في إحراجه
والاستعداد لمجاراته تقديرا لمكانة الجزائر والتخوف من خسارتها كطرف إقليمي مساند،
لكن لا نستطيع التأكيد أن تونس وطرابلس ستمضيان في مشاركة الجزائر إنشاء كيان
مغاربي مواز.
والخلاصة هي أن الجزائر لا تهدف من دعوتها لتونس وليبيا لتكوين جسم
مغاربي متماسك مبني على أسس قوية تحقق التعاون المشترك، وقد تكون الغاية هي تحقيق
مكاسب فورية عبر تكتيك سريع، وسيكون من العسير على الجزائر إقناع جميع الأطراف
المغاربية بجدوى إنشاء جسم مغاربي جديد دون تجاوز الجسم القائم وهو الاتحاد
المغاربي، ولو أن الجزائر طرحت مبادرة لإعادة تقييم الاتحاد المغاربي وعرضت أفكارا
لتفعيله لكانت مبادرتها أكثر قبولا من الجميع.
عليه يمكن القول إن الجزائر تبحث عن منتظم مواز يعزز من الموقف
الجزائري من القضايا الإقليمية وغيرها، ويضيف ولو القليل إلى الثقل الجزائري في
المنتظم العربي والدولي، ويمكنها من لعب دور أكبر في الأزمتين الليبية والتونسية،
وقد تنتهي المبادرة الجزائرية إلى عقد اتفاقية تضم الدول الثلاث تستند على أهداف
وأسس ومنطلقات الاتحاد المغاربي ولا توازيه.