مقابلات

"التوحيد والإصلاح" عن أزمة مدونة الأسرة: ثوابت المجتمع المغربي "خط أحمر"

اللجنة المُكلّفة بمراجعة وإصلاح مدونة الأسرة في المغرب ستنتهي من أعمالها خلال أيام- عربي21
أكدت حركة "التوحيد والإصلاح" المغربية أن "المساس بالمرجعية الإسلامية في نصّ مدونة (قانون) الأسرة هو مساس بأساس من أسس المشروعية في هذا البلد، وهو ما لا نتوقعه أبدا ولا نتصوره؛ رغم الجرأة المتهوّرة التي تظهر أحيانا من بعض الأصوات التي يلعب أصحابها بالنار، ولا يعرفون ربما أن الثوابت الجامعة للمغاربة تظل خطا أحمر لا يمكن تجاوزه".

وقال النائب الأول لرئيس الحركة، رشيد العدّوني: "نحن لا نرفض الاجتهاد، والإسلام هو دين يحث على الاجتهاد والتجديد؛ إذ إن الاجتهاد وسيلة أساسية عمل بها فقهاؤنا لاستنباط الأحكام الشرعية على مرّ العصور، لكن الاجتهاد له أهله وله ضوابطه التي من دونها يصير الأمر إلى فوضى وفتنة، وهذا ما وقع في بعض المراحل التاريخية".

وأضاف العدّوني، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "يجب أن يعلم الجميع أن النظام السياسي والاجتماعي في المغرب قائم على الإسلام، وعلى إمارة المؤمنين، وعلى البيعة الشرعية، ولا يمكن أن نسعى لهدم بعض الثوابت وتجاوز نصوص قطعية في الدلالة والثبوت باسم الاجتهاد، ولا يمكن أن يصير الدين مرتعا لمَن ليس من أهل التّخصّص"، لافتا إلى "رسوخ التدين لدى المغاربة".

ومن المقرر أن تنتهي بعد أيام (نهاية آذار/ مارس الجاري) المهلة التي أعطاها ملك المغرب محمد السادس للجنة خاصة، وذلك بغرض إصلاح مدونة الأسرة، على أن يتم رفع خلاصة ونتائج عمل تلك اللجنة إلى الملك.

وكان ملك المغرب قد دعا، في أيلول/ سبتمبر 2023، رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لإعادة النظر في "قانون الأسرة"، وهو ما أثار جدلا واسعا داخل البلاد فيما يخص العديد من القضايا ذات الصلة مثل حقوق المرأة، وزواج القاصرات، والإرث، وتحقيق المساواة.

وينص قانون الأسرة المغربي، الذي جرى إقراره منذ نحو 19 عاما، على المساواة بين الزوجين، وتحديد سن الزواج لكل من الزوجين بعمر 18 سنة (مع استثناءات يوافق عليها القاضي)، ووضع الأسرة تحت رعاية ومسؤولية الزوجين، ووضع الطلاق تحت مراقبة القضاء.

وفي سياق آخر، شدّد العدّوني على أن "التطبيع مع إسرائيل لا مستقبل له في المغرب"، مطالبا بأن يتم "الإعلان الرسمي عن وضع حد لمختلف الاتفاقيات الموقعة مع الصهاينة، وحل لجنة الصداقة البرلمانية مع الكنيست الصهيوني، لأن هذا لا يليق بالمغرب وبتاريخه وأدواره ومكانته، ولأن الكيان الصهيوني احتلال يُشكّل تهديدا صريحا للأمن القومي".

وفيما يلي نصّ الحوار الخاص مع "عربي21":

كيف تنظر لاستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة؟ وكيف تقيم الموقف العربي والإسلامي من هذا العدوان؟


استمرار العدوان الصهيوني الهمجي على غزة وفلسطين تأكيد للطبيعة الإجرامية للاحتلال، وتأكيد لمشروعية المقاومة الفلسطينية، واستمرار هذا العدوان للشهر السادس سيظل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي الذي عجز عن إيقاف هذه المذبحة رغم ما سبّبت من قتل ودمار وتجويع وحصار واستهداف لمختلف المؤسسات الطبية والدينية والتعليمية ورغم بشاعة المجازر اليومية التي ترتكب في حق شعب فلسطين المحاصر، بل إننا شهدنا من هذا المجتمع الدولي مَن تواطأ وشارك بشكل مباشر في العدوان من خلال توفير السلاح والمال للصهاينة وتوفير الدعم السياسي والعسكري من خلال استعمال حق الفيتو لإيقاف الحرب.

واستمرار هذا العدوان دليل على ازدواجية المعايير الدولية لحقوق الإنسان وكاشف للنفاق الغربي لعدد من الأنظمة الغربية، كما أن استمرار هذا العدوان دليل على الخذلان العربي والإسلامي الذي عجز حتى عن تنفيذ قرارات "قمة الرياض" التي انعقدت في الأسابيع الأولى للعدوان.

لكن ما ينبغي التنويه به أن هذا العدوان بقدر ما كشفه من حجم الوحشية لهذا الكيان المحتل بقدر ما أيقظ ضمائر إنسانية في مختلف ربوع العالم والتي تواصل مسيراتها التضامنية مع فلسطين ومناهضتها للعدوان الصهيوني وللدعم الأمريكي والغربي الذي يحظى به الصهاينة.

ما هي الخطوات التي يجب أن يتخذها العرب والمسلمون للضغط على المجتمع الدولي لوقف العدوان على غزة وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني؟

إذا تحدثنا عن الأنظمة العربية والإسلامية فلا خيار لها إلا الخروج من هذا العار الذي لحق بها، عار الخذلان والذل والهوان، وتصحيح الموقف الرسمي بإلغاء كل اتفاقات التطبيع والتعاون مع الصهاينة والمسارعة إلى الضغط بكل الوسائل التي تمتلكها من أجل وقف العدوان باعتباره الضرورة المستعجلة والملحة، ثم المسارعة إلى إغاثة غزة وفلسطين وإعادة إعمارها، وفتح المجال للشعوب من أجل الانخراط في حملات التضامن مع إخوانهم في فلسطين، ثم ثالثا ملاحقة الكيان الصهيوني أمام الهيئات القضائية الدولية، وهذه المطالب جزء مما تم الاتفاق عليه بين القادة العرب والمسلمين في الرياض.

أما إذا تحدثنا عن الشعوب والقوى الحيّة للأمة فهناك حراك كبير وإن بتفاوت بين مختلف البلدان، لكن هذا لا يكفي مازال الحاجة لفعل تضامني شعبي لوقف العدوان، وفتح المعابر، وإيقاف التطبيع، وبناء الوعي المقاوم تجاه المشروع الصهيوني باعتباره تهديدا خطيرا للأمن القومي للعرب والمسلمين جميعهم وليس الفلسطينيين فقط.

كيف يمكن للمغرب أن يحافظ على دوره كوسيط إقليمي في الصراعات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

المغرب والمغاربة لهم تاريخ مشرف في الدفاع عن فلسطين والقدس منذ عهد يوسف بن تاشفين (ثاني ملوك الدولة المرابطية)، ولهم باب وحارة وأوقاف خاصة بهم في مدينة القدس، والمغرب لديه التزامات شرعية وتاريخية وقانونية تجاه فلسطين.

المغرب، ملكا وشعبا، كان دائما يعتبر قضية فلسطين قضية وطنية، فلذلك نادينا مرارا بأن يكون للمغرب دور فاعل في نصرة الشعب الفلسطيني وإغاثته ودعم مقاومته بكل فصائلها، ووقف العدوان الصهيوني سواء في غزة أو في القدس.

ونحن نقدر الجهود التي تبذل لكن نظن أن ما زال بإمكان بلادنا أن تقدم أكثر، خاصة وأن ملك المغرب هو رئيس لجنة القدس، والمغرب له هذه المكانة المتميزة؛ فجدير ببلادنا أن تكون لها مواقف أقوى مما هو موجود.

ما مستقبل التطبيع في المغرب في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل للشهر السادس على التوالي؟

التطبيع مع إسرائيل لا مستقبل له، ويتعين الإعلان الرسمي عن وضع حد لمختلف الاتفاقيات الموقعة مع الصهاينة وحل لجنة الصداقة البرلمانية مع الكنيست الصهيوني، لأن هذا لا يليق بالمغرب وبتاريخه وأدواره ومكانته، ولأن الكيان الصهيوني احتلال يُشكّل تهديدا صريحا للأمن القومي، ولأن هؤلاء المجرمين مكانهم المحاكمة القضائية على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المُرتكبة في حق إخواننا في فلسطين.

ما أبرز ملامح المخطط الاستراتيجي الجديد لحركة "التوحيد والإصلاح"؟ وما هي محطات التجديد التي أقدمتم عليها إلى الآن؟

المخطط الاستراتيجي الجديد هو وثيقة أُنجزت من طرف الحركة بعدما خضعت لمسار طويل من الاستشارة والدراسة في مختلف هيئات الحركة، وإن كان يصعب اختزاله في سؤال، فيمكن القول إنه إعادة صياغة رؤية الحركة ورسالتها وتوجهاتها ومجالات عملها الاستراتيجي تدور حول ثلاث استحقاقات أو قضايا كبرى: تجديد العرض الدعوي والتربوي والفكري والعلمي للحركة، وتعزيز الحضور في قضايا الهوية والقيم، ثم تعزيز القدرات التنظيمية للحركة.

ما موقفكم من مدونة (قانون) الأسرة المغربية؟ وما هي أهم النقاط المثيرة للجدل في هذه المدونة؟

موقفنا من مدونة الأسرة عبّرنا عنه بمذكرة اقتراحية قدّمناها للهيئة المُكلّفة من طرف أمير المؤمنين، كما قمنا بتقديمها للصحافة والرأي العام، وهي منشورة بموقع الحركة على الإنترنت، وعموما نحن نرى أن مراجعة مدونة الأسرة لا بد وأن تظل مؤطرة بالمرجعية الإسلامية باعتبارها مرجعية للدولة والمجتمع، وأن تُبنى على حماية وحدة الأسرة واستقرارها والحفاظ عليها وفقا لما نص عليه الفصل 32 من دستور المملكة، وأن تسعى لتحقيق مقاصد واضحة أولها تيسير الزواج وبناء أسرة مستقرة، وثانيها تعزيز تماسك الأسرة وتفعيل آليات الصلح والوساطة الأسرة، وثالثها حفظ النسب والمصلحة الفضلى للطفل، ورابعها حفظ نظام الإرث وضمان مصالح الأطراف الضعيفة.

ومن ضمن القضايا التي تطرح زواج مَن هم دون سن الأهلية (18 سنة)؛ فهناك مَن يطالب بمنع هذا الزواج، وهناك مَن يدعو إلى تجريمه وترتيب عقوبات على من أقدم عليه، ونحن وإن كنّا مقتنعين بحاجة الزواج إلى الرشد والنضج لكن الواقع الاجتماعي ببلادنا –خاصة مع معدلات الهدر المدرسي المرتفعة- فإنّنا نرى ضرورة الإبقاء على الاستثناء الوارد في المدوّنة الحالية بتزويج مَن هم دون سن 18 سنة؛ مع اقتراح 15 سنة كحد أدنى؛ مع إلزام قاضي الأسرة الذي يأذن بهذا الزّواج الجمع بين البحث الاجتماعي والخبرة الطبية.

أيضا نجد قضية إلحاق ابن الزنا بنسب والده من الزّنا، نحن نؤكد على أن النسب لحمة شرعية، وأن الابن من علاقة غير شرعية لا بد وأن تتحمل الدولة والمجتمع كفالة حقوقه كسائر الأطفال فهو بريء من جريمة علاقة الزنا، لكن دون إلحاق النسب لما في ذلك من ضرر بمؤسسة الأسرة التي تقوم على علاقة الزواج الشرعي، ويزداد تشبثنا بهذا الموقف في ظل الدعوات لرفع التجريم عن العلاقات غير الشرعية أو الزنا.

أيضا تُطرح قضايا التعصيب في الإرث نحن نؤكد أن منظومة الإرث هي منظومة شرعية لا يمكن المساس فيها لأنها مؤطرة بنصوص قطعية من القرآن والسّنّة، وغيرها من القضايا. مع تأكيدنا أنّ المقاربة القانونية مهمة؛ غير أنها غير كافية؛ وبالتالي فبلادنا بحاجة إضافة لمدونة قانونية في مستوى التطلعات؛ وإلى مقاربة متعددة المداخل ومتكاملة الأهداف لمعالجة الإشكالات التي تعاني منها الأسرة المغربية.

أما القضايا الخلافية فمتعددة، ولا نرى بأسا في الخلاف، فقط نرى أن يتمّ تدبير الاختلاف في إطار الثوابت الجامعة للمغاربة وفي إطار المرجعية الإسلامية التي ولله الحمد توفر حلولا لمختلف الإشكالات، وذلك وفقا لما صرح به الخطاب الملكي وأعاده عدة مرات: "لا يمكن أن أحل حراما أو أحرم حلالا، لاسيما في القضايا التي فيها نصوص قطعية".

هل تمت الاستجابة للتعديلات التي طالبتم بإدخالها في تلك المدونة؟ وماذا لو لم يتم الاستجابة للتعديلات التي طالبتم بها؟

تم الاستماع للحركة -كغيرها من الهيئات والفعاليات- من طرف الهيئة المعنية، وكان اللقاء إيجابيّا، ونحن نقدّر العناية والاهتمام الذي حظينا به من طرف الهيئة، وننتظر خلاصات عملها التي يفترض أن تُرفع لأمير المؤمنين في أجل ستة أشهر من بداية عملها.

هل هناك فروقات بين المدونة وتطبيقها الفعلي في المجتمع المغربي؟

فعلا؛ لقد أبان التطبيق العملي للمدونة طيلة عشرين سنة الماضية عن اختلالات في التطبيق؛ فعلى سبيل المثال المقتضيات التي تنص على تفعيل مجلس العائلة أو عقد جلسات الصلح أثناء دعاوى الطلاق أو التطليق بقيت حبرا على ورق، وذلك راجع بالأساس إلى الظروف التي يشتغل فيها قضاء الأسرة بالمغرب والذي يحتاج إلى تعزيز بالموارد البشرية واللوجيستيكية، وكذا إلى التأهيل، حتى نتمكن من التقليل من الأرقام المتزايدة لحالات الطلاق والتطليق ببلادنا.

كيف تقيم أداء الهيئة المكلفة مراجعة مدونة الأسرة؟ وما توقعاتكم للنتائج التي ستنتهي إليها؟

تقييم أداء الهيئة يحتاج إلى معطيات دقيقة حتى نستطيع بناء حكم موضوعي، ومن جهة ثانية التقييم سيكون بالنظر للمُخرَج التي ستنتجه الهيئة، لكن على العموم نحن ننظر إلى عمل الهيئة بشكل إيجابي انطلاقا من اللقاء الذي جمعنا بهم؛ إذ لمسنا حرصا على الاستماع وعلى الفهم وعن حسن التواصل. أما عن توقعاتنا فنحن لا نتوقع إلا خيرا إن شاء الله تعالى.

وماذا عن رؤيتكم لموقف "المجلس العلمي الأعلى" من إصلاح مدونة الأسرة؟

"المجلس العلمي الأعلى" مؤسسة دستورية لها مكانتها المحترمة والموقرة من طرف المغاربة، يرأسها أمير المؤمنين، وبخصوص موقف المجلس من إصلاح مدونة الأسرة، لا نعلم بصدور أي موقف خاص حول المراجعة، لكن المجلس هو من المكونات الأساسية ضمن الهيئة المُكلّفة بمراجعة المدونة، وبالتالي سيكون مساهما في هذا الورش، ونحن واثقون في قيام العلماء بدورهم كاملا وفقا للمقتضيات الجاري بها العمل.

كيف تردون على الاتهامات التي توجّه للإسلاميين في المغرب على خلفية موقفهم من مدونة الأسرة، حيث يقول البعض إنكم تسعون لتقييد الحريات، وترفضون محاولة تحديث الأنظمة القانونية لمواكبة التغيرات الاجتماعية؟

نحن نرى أنّ تحديث الأنظمة القانونية لا يعني التنكر للثوابت أو الانسلاخ عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، ما نرفضه نحن هو الاعتداء على فطرة الإنسان ونرفض مسخ الإنسان باسم الحداثة، أما الحريات فما المقصود بها؟، إذا كانت الحريات هي إطلاق العنان لممارسة الزنا والرذيلة فنحن نرفض ذلك، وإذا كانت الحريات تعني التطبيع مع الشذوذ الجنسي فنحن نرفضه... بالمقابل نحن ندافع عن المجتمع المغربي المسلم والمستقر والمسؤول، مجتمع منسجم مع الفطرة، مجتمع حرّ لا تقيد حريته إلا المسؤولية، وحينما ندعو إلى مجتمع مستقر ومسؤول فإن ذلك يقوي البلد ويقوي الدولة. أما الاتهامات فتحتاج أن تكون مؤسسة على معطيات وإلا فلا معنى لها.

البعض يقول إن "الاجتهاد في الإسلام هو الذي يعطي الشريعة خصوبتها وثراءها، ويمكّنها من قيادة زمام الحياة".. فلماذا ترفضون اليوم الاجتهاد في الإسلام، كما يرى البعض؟

أبدا، نحن لا نرفض الاجتهاد، والإسلام هو دين يحث على الاجتهاد والتجديد، إذ الاجتهاد وسيلة أساسية عمل بها فقهاؤنا لاستنباط الأحكام الشرعية على مرّ العصور، لكن الاجتهاد له ضوابطه التي من دونها يصير الأمر إلى فوضى وفتنة. وهذا ما وقع في بعض المراحل التاريخية.

والاجتهاد في النص الشرعي له أهله مثلما الاجتهاد في الطب أو الهندسة أو الاقتصاد له أهله، فإذن أولا شرط للاجتهاد هو أن يصدر عن أهله وهم العلماء والفقهاء بمؤسساتهم، وثانيا الاجتهاد له منهجه لا يمكن أن نسعى لهدم بعض الثوابت وتجاوز نصوص قطعية في الدلالة والثبوت باسم الاجتهاد، ولا يمكن أن يصير الدين مرتعا لمَن ليس من أهل التّخصّص.

ما خطورة المساس بالشريعة الإسلامية في نصّ المدونة؟ وهل يمكن أن تندلع احتجاجات واسعة في حال جرى تجاهل خصوصية المجتمع المغربي وتم المساس بالشريعة الإسلامية؟

يجب أن يعلم الجميع أن النظام السياسي والاجتماعي في المغرب قائم على الإسلام، وعلى إمارة المؤمنين، وعلى البيعة الشرعية، ولذلك فالمساس بالمرجعية هو مساس بأساس من أسس المشروعية في هذا البلد، وهو ما لا نتوقعه أبدا ولا نتصوره؛ رغم الجرأة المتهوّرة التي تظهر أحيانا من بعض الأصوات التي يلعب أصحابها بالنار ولا يعرفون ربما أن الثوابت الجامعة للمغاربة تظل خطا أحمر لا يمكن تجاوزه. وخاصة وأن أمير المؤمنين حينما أطلق ورش مراجعة مدونة الأسرة قال "إنني بصفتي أمير المؤمنين لا يمكن أن أحرم ما أحل الله ولا أن أحل من حرم الله".

القوى الإسلامية في المغرب نظمت سابقا مسيرة مليونية ضد خطة إدماج المرأة في التنمية عام 2001، التي انتهت بتحكيم ملكي.. فهل يمكن أن يكون هناك تحكيم ملكي جديد بخصوص إصلاح مدونة الأسرة؟

اليوم الوضع مختلف، نحن أمام تأطير ملكي استباقي لمراجعة مدونة الأسرة؛ وضع إطار عاما لهذه المراجعة وأكدها في الرسالة الملكية لرئيس الحكومة التي حث فيها على أن المراجعة يجب أن تهم الجانب التطبيقي والعملي أما الثوابت والمقتضيات المرجعية لا يمكن أن تطالها المراجعة. لذلك يفترض الالتزام بالتأطير الملكي الاستباقي.

كيف تابعتم "إضراب العدول" غير المسبوق في المغرب الذي استمر لأسابيع؟

الإضراب حق مشروع ومكفول بمقتضى الدستور، ونرى أنه ينبغي الإنصات للسادة العدول والسعي لإيجاد حلول منصفة لهم، هذه الفئة تقوم بأدوار مهمة ونوعية في المجتمع، وبالتالي نرجو ألاّ تطول إضراباتهم لأن ذلك يكون له تأثير سلبي على استقرار المعاملات في المجتمع وقضاء حوائج الناس فيها. ولا نرى حلا إلا بالحوار من طرف وزارة العدل والاستجابة للمطالب المعقولة.

إلى أي مدى ترى أن هناك استهدافا غربيا للأسرة المسلمة؟ وكيف نقي الأسرة المسلمة من التردي الأخلاقي؟

لا يتعلق الأمر بمجرّد استهداف، بل هناك تدافع مستمر على المستوى العالمي، هناك مَن يسعى إلى تفكيك الأسرة وتدميرها وتغيير هويتها بإدماج الشذوذ الجنسي في تعريف الأسرة، مقابل مَن يدافع عن الأسرة ويسعى لضمان استقرارها وتفعيل أدوارها التربوية والاجتماعية، هذا التوجه الأخير فيه تيارات من العالم العربي والإسلامي، وأيضا داخل الغرب هناك صعود لتيارات قوية تدافع عن الأسرة المحافظة وترفض تدمير الأسرة خاصة بعدما عاشت ويلات النموذج العلماني والمادي للأسرة وشيوع ثقافة الإباحية والشذوذ والانحرافات الاجتماعية والأخلاقية في المجتمعات الغربية.

أما الأسرة المسلمة فرغم ما يمكن تسجيله من اختلالات فيمكن القول إنها ما تزال قائمة وفاعلة وواعدة تحتاج إلى دعم بالسياسات العمومية والإصلاحات التشريعية وبالمبادرات المدنية والمجتمعية لمعالجة الاختلالات التي تظهر بفعل الاختراق الثقافي والقيمي القادم من الخارج أو بفعل ضعف الوازع الديني والأخلاقي.

كيف ترى حركة "التوحيد والإصلاح" مستقبل الدين والعلمانية في المغرب وتوازن العلاقة بينهما؟

المغرب، ولله الحمد، بلد مسلم، يجتمع أبناؤه وشعبه وحكامه على قيم الدين الحنيف، الإسلام في هذا البلد عمره 14 قرنا فهو متجذر في تربة المغرب ووجدان شعبه، أما العلمانية فرغم محاولة الاستعمار فرضها في مجتمعاتنا فإنّه فشل، وحاولت تيارات أخرى أن تُبشّر بها ولكن كان مآلها الفشل أيضا، لأن هذه العلمانية ببساطة ولدت ونشأت في تربة أخرى وفي سياق حضاري آخر خاصة في السياق الأوروبي حيث كان تحالف رجال الكنيسة مع الحكام الإقطاعيين وبيع صكوك الغفران؛ فلذلك كان للعلمانية سياق تاريخي وسياسي نشأت فيه ولا يمكن نقل التجربة العلمانية إلى سياق حضاري مخالف. وهذا المعطى أكدته دراسة ألمانية حديثة حول الدين والعلمانية بالمغرب؛ صدرت خلال الأيام الماضية –انضافت لتقارير سابقة- تؤكد رسوخ التدين لدى المغاربة.