أصبحت
السياسات التي تمس وزارة الخزانة الأمريكية مشحونة بالسياسة، من العقوبات الأمريكية
على روسيا إلى التعريفات الجمركية على الواردات الصينية وانتهاء بأعباء الديون الأميركية
المتضخمة؛ فكل هذا يشكل مخاطر على الأصول الوطنية التي من المفترض أن تحميها الوكالة
بأي ثمن:
الدولار الأمريكي.
ونشر
موقع "
بلومبرغ" تقريرًا، ترجمته "عربي21"، ينقل فيه عن إسوار براساد،
الباحث في جامعة كورنيل وكبير زملاء معهد بروكينجز، قوله: "إن الارتفاع غير المنضبط
في الديون الحكومية، والاختلال الوظيفي في صنع السياسات في واشنطن، واستخدام الدولار
كسلاح من خلال الاستخدام العدواني للعقوبات المالية، كل ذلك ساهم في تصور أن هيمنة
الدولار الأمريكي يجب أن تكون تحت التهديد".
وأوضح
الموقع أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت مكانة الدولار باعتباره العملة المهيمنة
في العالم معرضة لخطر وشيك، ولكن ليس هناك شك في أن موقع أمريكا المتميز في قلب النظام
المالي العالمي يتعرض لتحديات متزايدة من قِبَل الأصدقاء والأعداء على حد سواء. فلم
يُخْفِ المنافسون الإستراتيجيون، مثل الصين وروسيا، رغبتهم في رؤية عملاتهم تحل محل
الدولار في بعض المعاملات الدولية. ويحصل اتجاه التراجع عن الدولرة أيضًا على المساعدة
من عدد قليل من الدول التي تعتبرها واشنطن حليفة والتي تريد الحصول على تأمين ضد احتمال
أن تجد نفسها يوما ما هدفا للعقوبات الأمريكية.
منذ
عام 2001، الذي شهد بداية حقبة توسعت فيها الحكومات الأمريكية بشكل حاد في استخدام
العقوبات
الاقتصادية، انخفضت حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية التي
تحتفظ بها البنوك المركزية من 73 بالمئة إلى 59 بالمئة، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وبدأت دول الخليج في تسوية معاملاتها النفطية باليوان الصيني، ويدرس منتجو السلع الأساسية
الآخرون تحولات مماثلة.
وقال
تيموثي جايتنر، الذي كان وزيرا للخزانة خلال سنوات أوباما، إن "الأمر الذي سيميز
الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل أو نحو ذلك هو مدى مهارة إبحارنا في هذا التغيير
الكبير في القوة النسبية"؛ فلقد غيّر اعتبار الدولار سلاحا النظام العالمي. وأضاف
أن "سلطة وزارة الخزانة تأتي من نوعية الأشخاص، والقرارات التي يتخذونها، وسمعتها
في النزاهة والتصور بأنها تأخذ رؤية طويلة المدى لمصالح الولايات المتحدة، تتجاوز السياسة
قليلا".
أما
مارك سوبيل، وهو موظف متقاعد أمضى 40 عاما في وزارة الخزانة، فهو أكثر تشاؤما. مستشهداً
بالسياسات الشعبوية المتزايدة لكل من الجمهوريين والديمقراطيين وكيف أدت إلى تآكل مكانة
أمريكا كزعيم في القضايا الاقتصادية الدولية، يقول سوبل: "يبدو أن الاحتمالات
مكدسة ضد ممارسة الولايات المتحدة قيادة اقتصادية دولية قوية" على الإطلاق.
ولفت
الموقع إلى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تنطلق بسياسة اقتصادية غير مقيدة بافتراضات
الجيل الماضي. فلعقود من الزمن؛ فضلت الولايات المتحدة أن تكون عملتها قوة عظمى. وقد
سعى وزير الخزانة روبرت روبين، الذي خدم في إدارة كلينتون، إلى تهدئة أسواق العملة،
التي واجهت أكثر من عقد من التقلبات الناجمة عن التدخلات الحكومية، من خلال الإعلان
عن أن الدولار القوي مفيد لأمريكا. وكانت حجته، باختصار، أن الفوائد ــ بما في ذلك
تدفق الاستثمار الأجنبي الذي خفض تكاليف الاقتراض المحلي وتعزيز القوة الشرائية للأسر
والشركات ــ تفوق الضرر الذي لحق بالصادرات، كما بدأ في التراجع عن تدخلات وزارة الخزانة
في أسواق العملات. وعلى مدى العقود اللاحقة، تمسك وزراء الخزانة في كل من الإدارات
الجمهورية والديمقراطية بشعار روبن.
وذكر
الموقع أن الدولار القوي ساعد الاقتصاد الأمريكي على الازدهار في التسعينيات؛ فقد نما
وبلغ المتوسط 3.8 بالمئة من حيث التضخم المعدل في عهد بيل كلينتون، مقارنة بـ 2.8 بالمئة
في عهد سلفيه رونالد ريجان وجورج بوش. لكن الدولار القوي كانت له أيضا آثار جانبية
خبيثة؛ فإلى جانب صعود الصين، ساهم ذلك في تفريغ قطاع التصنيع في الولايات المتحدة.
وشهدت ولايات حزام الصدأ إغلاق المصانع وانهيار مدن الشركات مع انتقال أصحاب العمل
إلى مناطق أقل تكلفة.
وبين
الموقع أن دونالد ترامب استغل الألم الاقتصادي لهذا الجزء المهمل من البلاد، وتحت شعار
"جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، قام بتحويل السياسة الاقتصادية إلى الداخل،
وأطلق العنان لوابل تلو الآخر من الرسوم الجمركية، وأعاد التفاوض على الاتفاقيات التجارية،
وهاجم عبر "تويتر" الشركات الأمريكية التي تحدت دعوته لإعادة الوظائف إلى
الولايات المتحدة.
فجأة
أصبح لدى البلاد رئيس ووزير خزانة، ستيفن منوشين، على استعداد للحديث عن خفض الدولار.
وقد ألح ترامب مرارا وتكرارا على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لخفض أسعار الفائدة
لتحفيز النمو ولكن أيضا لإضعاف العملة الأمريكية. وفي مرحلة ما طرح فكرة تدخل وزارة
الخزانة في أسواق العملات لإجبار قيمتها على الانخفاض.
وأبقى
الرئيس جو بايدن تعريفات ترامب كما هي، في حين استبدل عبارات مثل "أمريكا أولا"
بكلمات مثل "الصداقة" و"اشتر أمريكا". ومع ذلك؛ ظل بايدن بعيدا
عن طريق مجلس الاحتياطي الفيدرالي عندما رفع أسعار الفائدة ما يقرب من اثنتي عشرة مرة
لكبح التضخم، مما ساعد العملة الأمريكية على الارتفاع بنحو 15 بالمئة مقابل العملات
الرئيسية الأخرى خلال رئاسته حتى الآن.
وأكد
الموقع أنه سواء فاز ترامب أو بايدن بولاية ثانية، فإن المجموعة التالية من مسؤولي
وزارة الخزانة الأمريكية سيكونون وكلاء على الدولار في وقت تتزايد فيه الضغوط للابتعاد
عن الدولار من بكين إلى برازيليا؛ حيث يرى براساد أن ترامب "سيعمل على تسريع تآكل
الإطار المؤسسي الذي يدعم ثقة المستثمرين الأجانب في الأسواق المالية الأمريكية والذي
يعزز هيمنة الدولار"، من خلال إعادة عدم الاستقرار في صنع السياسات الاقتصادية،
في حين يدفع "تسليح بايدن المفرط" - أي من خلال العقوبات على روسيا - تدفع
حتى الحلفاء بعيدًا عن الدولار.
ووفق
الموقع فإن نبوءات زوال الدولار قائمة منذ عقود من الزمن. ففي التسعينيات، كان الين
الياباني هو الذي يشكل تهديدًا، ثم جاءت العملة الجديدة، اليورو. وتساءل المستثمرون
والحلفاء عما إذا كان الاعتماد على الدولار يستحق العناء في عام 2008 بعد أن هزت أزمة
الإسكان الأمريكية الصنع الأسواق العالمية، ومرة أخرى عندما بدأ ترامب حربًا تجارية
مع الصين في عام 2018.
وجاءت
إحدى أكثر الأحداث إثارة للصدمة في صيف عام 2019 عندما بدأ الرئيس ترامب آنذاك في الحديث
عن إضعاف الاقتصاد بشكل فعال من خلال الدولار. وللقيام بذلك، كان سيحتاج إلى تعاون
وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي معا لبيع الدولارات في الأسواق المفتوحة. والقول
بأن مثل هذه الخطوة ستكون مدمرة لمكانة أمريكا كقوة عظمى عالمية سيكون أمرا بخسا؛ حيث
يشكل الدولار الأمريكي جانبا من 90 بالمئة من معاملات العملة في مختلف أنحاء العالم،
وثلثا الديون الدولية مقومة بالدولار. وأسواق السلع العالمية، مثل أسواق النفط، يحكمها
الدولار. كل هذا جعل العالم كله مدينا للتقلبات في أسعار العملة وإدارتها.
وظهرت
التساؤلات حول استمرار سيطرة الدولار مرة أخرى في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في
شباط/ فبراير 2022. فكعقاب لها؛ أطلقت جانيت يلين - وزيرة الخزانة الأمريكية - ما اعتبر
"الخيار النووي" من خلال العمل مع نظرائها الأوروبيين لتجميد نحو 640 مليار
دولار من أصول البنك المركزي الروسي في الخارج. وكانت هذه الخطوة بمثابة نقطة تاريخية
في استخدام أمريكا للدولار كسلاح؛ حيث بدأ المسؤولون الحكوميون في جميع أنحاء العالم
بوضع خطط علنية للحد من اعتماد بلادهم على الدولار.
واختتم
الموقع التقرير مؤكدا أن دور الولايات المتحدة والدولار آخذ في التحول، مبينًا أن الإجابة
عن كيفية اجتياز حقبة جديدة من إعادة النظر في الاعتماد على الدولار من قبل الأصدقاء
والأعداء، والوضع المالي للولايات المتحدة الذي يتطلب وضعًا أقوى من أي وقت مضى في
العالم بالنسبة للدولار؛ قد تأتي للتو من وزير الخزانة الأمريكي القادم.