صحافة دولية

كاتب إسرائيلي: غزة حطمت أسطورة الجيش "الأخلاقي" الإسرائيلي

ارتكب جيش الاحتلال مئات المجازر في غزة خلال العدوان- وفا
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للمدير التنفيذي لمنظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية، أفنير غفارياهو قال فيه إن "الهجوم المستمر في غزة، والذي يهدف ظاهريا إلى تفكيك الشبكات المسلحة وجعل تكرار هجوم حماس مستحيلا، لا يَعِد بتقديم أي قدر من اليقين للإسرائيليين أو جيرانهم".

وأضاف غفارياهو: "لقد طال أمد الحرب دون أن تلوح له نهاية في الأفق، ويصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الآن على رغبته في الإبقاء على احتلال قطاع غزة إلى أجل غير مسمى".

وقال الكاتب، إن "عدد الضحايا المدنيين الفلسطينيين المذهل، الذي قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إنه تجاوز الـ25 ألف شخص في أواخر شباط/ فبراير، ما دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن – الحليف الوثيق الذي رد على هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر بمنح إسرائيل تفويضا مطلقا للانتقام – إلى الضغط على إسرائيل".

ودعا نتنياهو إلى ممارسة ضبط النفس والتأكد من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تتوافق مع المبادئ الأساسية للحرب العادلة والقانون الدولي.

وتابع: "إسرائيل تدعي أنها تفعل كل ما في وسعها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين في غزة – وأنها تطبق إجراءات استهداف معقدة تهدف إلى ضمان أن تكون أي ضربة عسكرية متناسبة ولا تقتل عددا مفرطا من المدنيين".

وأصر نتنياهو في تشرين الأول/ أكتوبر على أن "الجيش هو الجيش ’الأكثر أخلاقية’ في العالم وعندما سئل نتنياهو عن مسألة مقتل الفلسطينيين، قال إن أي وفاة بين المدنيين هي مأساة، ولا ينبغي أن يكون لدينا أي منها لأننا نبذل كل ما في وسعنا لإبعاد المدنيين عن الأذى، وهذا ما نحاول القيام به: تقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى".

وأردف الكاتب، بأنه "في الحقيقة إسرائيل لا تفعل ذلك، لقد شنت حملة وحشية في غزة، ولم تلتزم إلا بشكل فضفاض بالبروتوكولات التي من المفترض أن تتبعها قواتها المسلحة لتقليل عدد القتلى بين المدنيين، ولكن حتى هذه المبادئ التوجيهية غير كافية: فالتحقيق في الحملات السابقة في غزة يكشف عن عدم كفاية المبادئ التوجيهية الإسرائيلية بشأن الاستهداف، والتي لا تقلل حقا من الخسائر في صفوف المدنيين". 

"وفي الجولة الأخيرة من القتال في غزة، فشلت إسرائيل في اتباع حتى تلك القيود، ما أدى إلى دمار لا يوصف وجعل التوصل إلى حل للصراع أكثر صعوبة"، وفق غفارياهو.

واستدرك، بأنه "في منظمة ’كسر الصمت’ للمحاربين القدامى الإسرائيليين، أمضينا سنوات في دراسة شهادات الجنود من الحملات العسكرية السابقة في غزة، في الأعوام 2008-2009، و2012، و2014، و2021. وفي تلك الحالات، ادعت إسرائيل أنها تبذل قصارى جهدها لتجنب سقوط ضحايا مدنيين". 

واستند هذا الادعاء إلى ثلاثة تأكيدات وفق غفارياهو: "الأول أن إسرائيل تهاجم فقط الأهداف العسكرية المشروعة، وليس الأهداف المدنية، وأن إسرائيل تعمل بمعلومات استخباراتية موثوقة للغاية، تمكنها من تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين، وأن إسرائيل تنفذ هجماتها بدقة، ما يحد من إلحاق الضرر بالمدنيين".

وتابع: "كشفت تحقيقاتنا في الحروب الماضية عن أسباب عديدة للشك في كل من الادعاءات المذكورة أعلاه، فمن ناحية، لا يمكن اعتبار جميع الأهداف التي أطلقتها إسرائيل في الحملات السابقة أهدافا عسكرية مشروعة وعلى الرغم من أن بعضها كان كذلك بالتأكيد - مثل منشآت تخزين الأسلحة، ومقرات حماس، والأنفاق التي يستخدمها نشطاء حماس، ومواقع إطلاق الصواريخ - إلا أن إسرائيل قصفت أيضا فئة من الأهداف أطلقت عليها "منازل المسلحين". 

وأكد، أن "هذه كانت في معظمها منازل وشققا مدنية أصرت إسرائيل على أنها تؤوي أعضاء الفصائل المسلحة، عادة حماس أو الجهاد الإسلامي. وكثيرا ما هدمت إسرائيل مباني بأكملها لمجرد أن المسؤولين الإسرائيليين وضعوا علامة على شقة واحدة داخلها على أنها شقة يستخدمها المسلحون".

وفي وقت مبكر من عملية عام 2014، أشارت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" إلى أن ضرب منازل المسلحين يعد انتهاكا للقانون الإنساني الدولي لأنها منازل مدنية، وليست أهدافا عسكرية. 

وبعد ذلك، أصر متحدث باسم الجيش على أن منازل المسلحين كانت في الواقع مقرا لحماس كما حدث في عام 2021، عندما قصفت القوات الإسرائيلية منازل العديد من أعضاء حماس ودمرت عددا من الأبراج الشاهقة في غزة، لكن الجنود الذين تحدثوا مع منظمة "كسر الصمت" أوضحوا أن هذه كانت في الواقع مساكن عادية، وليست مراكز للعمليات المسلحة، بحسب الكاتب.

وأكد غفارياهو، أن "هذه الأساليب تتفاقم بسبب المعلومات الخاطئة. لقد أثبتت الاستخبارات الإسرائيلية أنها بعيدة عن أن تكون موثوقة بين العمليات الكبرى، يقوم ضباط المخابرات الإسرائيلية بدراسة قطاع غزة وتقييم ما إذا كان من الممكن تحديد موقع معين كهدف للعدو وبمجرد عثورهم على هدف محتمل، يتوصلون إلى تقديرات للأضرار الجانبية بناء على الكثافة السكانية المدنية، والسلاح المحدد الذي سيستخدمه جيش الدفاع الإسرائيلي، ونوع البنية التي يجري استهدافها".

وبين الكاتب، أن "إحدى مشاكل هذه المنهجية هي أن المعلومات الاستخبارية المتاحة للضباط الإسرائيليين غالبا ما تكون محدودة للغاية على سبيل المثال، قد يقرر الجيش الإسرائيلي أن الموقع عبارة عن منشأة لتخزين الذخيرة دون معرفة نوع أو كمية الذخيرة التي يخزنها".

وأوضح أن "الأهمية العسكرية لخمسين قنبلة يدوية، على سبيل المثال، أقل بكثير من أهمية 50 صاروخا يمكن إطلاقها باتجاه المدن الإسرائيلية، وفي ظل هذه المعلومات المحدودة، لا يمكن تحديد الأهمية العسكرية للهدف بشكل كامل، وبالتالي فلا تستطيع إسرائيل إجراء تقييمات موثوقة للتناسب".

"وعلاوة على ذلك، فإنها يمكن أن تصبح المعلومات الاستخبارية قديمة بسرعة، ولا يقوم الضباط الإسرائيليون بتحديث المعلومات بشكل متكرر بما فيه الكفاية، وخلال الصراعات واسعة النطاق، وإلى حد أكبر خلال الحرب الحالية، تحذر إسرائيل مناطق سكنية بأكملها بضرورة الإخلاء، ما يؤدي إلى تغيير جذري في الكثافة السكانية والروتين اليومي في تلك الأحياء وغيرها. وفي هذه الظروف، تصبح التقديرات المسبقة للأضرار الجانبية مشكوكا فيها بشكل خاص ولا يمكن استخدامها لتقييم التناسب"، بحسب غفارياهو.

وفي عام 2019، أدى عدم التأكد من معلومات استخباراتية بشأن هدف ما إلى مقتل تسعة أفراد من عائلة السواركة في دير البلح وسط غزة. 

ويعتقد مسؤولو استخبارات الجيش الإسرائيلي أن المجمع الذي تعيش فيه الأسرة كان مجمعا عسكريا تابعا لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. 

وذكرت صحيفة هآرتس أن "المبنى الذي تعيش فيه العائلة كان مدرجا في قائمة الأهداف المحتملة، لكن مسؤولي الدفاع الإسرائيليين أكدوا لصحيفة هآرتس أنه لم يتم التأكد من المعلومات خلال العام السابق أو قبل الهجوم". 

وأوضح ضابط مخابرات لصحيفة "هآرتس" أنه "في الغالب لا يوجد نشاط استخباراتي كبير يتعامل مع هدف موجود بالفعل، لأنه من الأهم خلق أهداف جديدة". 

وأشار غفارياهو إلى أنه، "من الصعب تحديد العدد الإجمالي للحوادث التي قُتل فيها مدنيون أو أصيبوا بأذى بسبب ممارسة جيش الدفاع الإسرائيلي الاعتماد على معلومات استخباراتية قديمة، ولكن لا شك في أن الضغط الذي يشعر به المسؤولون الآن للموافقة على الهجمات قد أدى إلى حالات كثيرة من النوع الذي أدى إلى مقتل عائلة السواركة".

وتابع: "حتى عندما تكون المعلومات الاستخبارية سليمة، فإن الإجراءات التي تتبعها إسرائيل لتنفيذ الغارات الجوية لا تعطي الأولوية لسلامة المدنيين.ز في الحملات العسكرية السابقة، أدت ضرورة تنفيذ المزيد من الضربات بوتيرة أكبر إلى قيام الجيش الإسرائيلي بمنح الضباط ذوي الرتب الأدنى سلطة الموافقة على الضربات التي قد تؤدي إلى أضرار جانبية كبيرة للمدنيين".

ومن خلال القيام بذلك، فقد "قلل الجيش من أولوياته لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وأصبح تكرار الضربات ممكنا أيضا بفضل نظام الذكاء الاصطناعي الجديد الذي يولد أهدافا محتملة جديدة".

وقال غفارياهو، إن "النظام المصمم لإنتاج الأهداف على نطاق واسع يؤدي حتما إلى تقويض الدقة وزيادة الضرر الذي يلحق بالمدنيين، كما يتضح من أعداد القتلى المذهلة في غزة في الأشهر الأخيرة".

وأردف بأنه "في الحملات السابقة، حاولت إسرائيل الحد من الخسائر في صفوف المدنيين واستخدمت تكتيكا يُعرف باسم الطّرق على السطح، عن طريق إطلاق صاروخ تحذيري تعقبه ضربة إسرائيلية".

ومن المؤكد أن الجيش الإسرائيلي لن يستخدم أسلوب التحذير هذا عندما يكون هناك هدف مقصود في المبنى، بل إنه سيعتبر الوفيات المدنية المتوقعة بمثابة أضرار جانبية مشروعة، بحسب كاتب المقال.

ومضى بالقول: "حتى عندما تستخدم الطرق على الأسطح، فإنها تؤدي في النهاية إلى قتل المدنيين، وفي كثير من الأحيان، لا يملك المسؤولون الإسرائيليون معلومات واضحة عن عدد السكان في مبنى معين، ولا يهتمون دائما بالبحث عنها".

وأوضح أحد الجنود أنه على الرغم من أن إسرائيل تمتلك التكنولوجيا للتحقق من الموقع الدقيق للسكان (من خلال تتبع هواتفهم)، إلا أنها نادرا ما تفعل ذلك لأن مثل هذا الإجراء سيتطلب الكثير من الوقت والموارد وسيؤدي دائما إلى إبطاء وتيرة الغارات الجوية. 

وقال غفارياهو: "في الحرب الحالية، قلصت إسرائيل بشكل كبير من استخدامها لطرق الأسطح، زاعمة أنها مرهقة للغاية بحيث لا يمكنها أن تهتم بمثل هذه التحذيرات".

وأضاف، أن "الحد من استخدام الطرق على الأسطح هو اعتراف من قبل الجيش الإسرائيلي بأنه أقل اهتماما الآن مما كان عليه في الماضي بشأن تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين".

ولفت الكاتب، إلى أنه "في الماضي، لم تفعل إسرائيل ما يكفي للتمييز بين المدنيين والمسلحين في غزة، وفي حرب اليوم، يبدو أن إسرائيل تفعل ما هو أقل من ذلك في الواقع".

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في كانون الأول/ ديسمبر أن إسرائيل وسعت، في الحملة الحالية، تعريفها لـ "الأهداف القيمة" واستعدادها لإيذاء المدنيين. 

ويتسق هذا مع تقرير حديث لشبكة سي إن إن، يفيد بأن إسرائيل أسقطت خلال الشهر الأول من الحرب مئات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل قادرة على قتل أو جرح الأشخاص على بعد أكثر من 1000 قدم من مكان الارتطام، وأن ما يقرب من نصف الذخائر الإسرائيلية أسقطت على غزة هي قنابل "غبية" غير دقيقة. 

وأكد أن الحملة التي تشن بهذه الطريقة تعطي مصداقية للاتهامات بأن إسرائيل مهتمة بالانتقام في غزة بقدر اهتمامها بالسعي لتحقيق أهداف عسكرية.

وأشار إلى أن الأمثلة على القتل غير المبرر للمدنيين في غزة عديدة بالفعل، ومن المؤكد أن المزيد من الأمثلة على الموقف المُتساهل الذي تبنته الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع مقتل الأبرياء سوف تظهر إلى النور بعد الحرب. 

ومن خلال الاستفادة من دعمها السياسي والعسكري لإسرائيل، تستطيع الولايات المتحدة إقناع القوات الإسرائيلية باحترام القانون الدولي في حملاتها وفعل ما في وسعها لتقليل الوفيات بين المدنيين، بحسب غفارياهو.

وأوضح، أنه "لا يوجد حل سريع للأخطاء المذكورة أعلاه، لأنها كلها أعراض لنفس السبب الجذري: إعطاء إسرائيل الأولوية المطلقة لإدارة الصراع وتأجيل أي حل حقيقي، بغض النظر عن عدد المدنيين - الفلسطينيين أو الإسرائيليين الذين يتضررون".


ومن وجهه نظر الكاتب، فإن "هذا الموقف هو الذي أدى إلى الحملات العسكرية المعتادة في غزة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وهذا الموقف هو الذي يسمح للحكومة الإسرائيلية بالمضي قدما في هذه الحرب دون وجود هدف واضح وقابل للتحقيق في الأفق".

وختم بالقول، إن "السبيل الحقيقي الوحيد للمضي قدما يتلخص في الاعتراف بإنسانية الطرف الآخر والسعي إلى إيجاد طريق لكلا الشعبين لا يعتمد فقط على القوة العسكرية"، مبينا "أن الخطوة الأولى الضرورية هي إنهاء هذه الحرب الآن. ويتعين على حماس أن تعيد الرهائن، ويجب تقديم المساعدات الإنسانية لشعب غزة. عندها فقط قد تصبح هذه الكارثة حافزا للتغيير".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع