مقابلات

حقوقي دولي لـ"عربي21": إسرائيل استخدمت كل الأسلحة الفتاكة في حرب غزة

هيثم أبو سعيد: ما يحصل اليوم في غزة يرقى إلى جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي غير المسبوق- عربي21
قال رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة في جنيف، هيثم أبو سعيد؛ إن الاحتلال الإسرائيلي استعمل جميع أنواع الأسلحة الفتاكة، والمُدمّرة، والمحظورة دوليا، في عدوانه على قطاع غزة، لافتا إلى أنهم يجرون تحقيقات بشأن الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، وسيتم إعلان نتائج تلك التحقيقات خلال المرحلة المقبلة.

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "قيل لنا بأنه قد يكون هناك استعمال لبعض القنابل (التكتيكية النووية) من قِبل إسرائيل، ومعطيات هذا الأمر ستدرسه لجان التحقيق مستقبلا، وسنرى ما إذا كانت هذه القنابل (التكتيكية النووية) قد استعملت فعلا أم لا؛ لأن شكل الدمار الظاهر يشير إلى أن هناك شيئا ما استعمل فوق العادة".


وفنّد أبو سعيد اللغط بشأن ما يُثار حول المدنيين الإسرائيليين، قائلا؛ إنه "يصعب جدا أن نفرّق بين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين؛ لأن ما هو معروف أن معظم مَن يوصفون بالمدنيين الإسرائيليين هم عسكريون في الأصل، وهم على ذمة الاحتياط الإسرائيلي، ولا يوجد فرق لديهم بين النساء والرجال".

ولفت الحقوقي الدولي، إلى أن "ما يحصل اليوم في غزة، يرقى إلى جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي غير المسبوق، ونحن ندين بشدة صمت البعض تجاه تلك الجرائم البشعة".

وفيما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تنظرون لمجمل الوضع الإنساني الحالي في غزة اليوم؟

منذ بداية أحداث غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والوضع يأخذ منحى تدريجيا في العنف من قِبل الطرف الإسرائيلي. إن أنواع الأسلحة الإسرائيلية التي استعملت في تلك الحرب "كارثية جدا"، وهي ضد الإنسانية، ومَن تم استهدافه بشكل مُحدد ومنهجي هم الأطفال؛ فأكثر من 40% من الضحايا في غزة من الأطفال، ونتساءل: ما الفكرة الأساسية من استهداف الأطفال؟ هل لإعطاء انطباع بأن هذا الكيان لا يُسأل عن أي شيء؟ ومن ثم كل شيء مُباح له، أو ما يفعله لا يمكن محاسبته عليه؟ ما حصل في غزة يفوق كل الجرائم الدولية التي مررنا بها، أو التي كتبها ودوّنها التاريخ.

وبعد أن قامت حركة حماس بعملها العسكري وأسرت -بمشاركة مواطنين فلسطينيين- عددا من الإسرائيليين (عسكريين ومدنيين)، يجب أن نشير إلى أن هناك أمرا مهما للغاية لا زال يثير لغطا حتى اليوم، بشأن أن هناك إسرائيليين مدنيين وغير مدنيين، لكن ما هو معروف أن معظم مَن يوصفون بالمدنيين الإسرائيليين هم عسكريون في الأصل، وهم على ذمة الاحتياط الإسرائيلي، ولا يوجد فرق لديهم بين النساء والرجال، ومن ثم يصعب جدا أن نفرّق بين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين.

في المجمل، ما يحصل اليوم في غزة يرقى إلى جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي غير المسبوق، وندين بشدة صمت البعض تجاه تلك الجرائم البشعة.

البيت الأبيض أعلن مؤخرا أن إسرائيل بدأت تطبيق هدنة لأربع ساعات يوميا في شمال غزة.. فكيف ترى هذه الهدنة؟

لهذا السؤال شقان؛ أحدهما عسكري، وآخر إنساني، فما يخص الشق العسكري، لن أتدخل فيه. وفيما يتعلق بالشق الإنساني، فأرى فيه مبالغة كبيرة؛ فمسألة الأربع ساعات تبدو مرتبطة بالشق العسكري، وكأنهم يحاولون كسب بعض الوقت من أجل التقاط الأنفاس.

وهناك مَن يقول بأنهم يحاولون استغلال هذا الأمر من أجل فتح ممرات للفلسطينيين الذين يرغبون في الخروج من شمال غزة باتجاه الجنوب، ومن ثم هذه لا تعد هدنة إنسانية، وإنما تدخل ضمن "التكتيك العسكري"؛ من أجل تحقيق مُخططات التهجير القسري التي يُشاع تمسكهم بها.

وزير الدفاع الإسرائيلي قال؛ إنهم لن يوقفوا القتال حتى يعيدوا الأسرى ويقضوا بالكامل على حركة حماس.. ما تعقيبكم؟

هذه التصريحات فيها بعض السذاجة والاستهتار، وتدل على قلة معرفة بالواقع الفلسطيني؛ لأن الحركات المسلحة في فلسطين يصنفها الشعب ضمن المقاومة، ولا يمكن إزالتها بكبسة زر؛ لأنها من نسيج هذه الشعوب، ومن ثم القضاء على شعب بأكمله أمر شبه مستحيل؛ فإن قرّر الشعب بنفسه إنهاء هذه الحركات فهنا يصبح الأمر مقبولا، ويمكن تنفيذه، وإلا فالأمر مستحيل.

ولو كان الفلسطينيون يريدون إنهاء المقاومة، لكانت القضية الفلسطينية انتهت منذ زمن بعيد؛ نتيجة المغريات التي تقدمت بها بعض الدول العظمى.

وأنصح الوزير في الكيان الإسرائيلي بأن يفصح عن حقيقة المشروع الذي بدأه، وأن يوفر على نفسه عناء الاجتهاد في هذا الأمر.

المدير التنفيذي السابق لهيومان رايتس ووتش، كينيث روث، أشار لوجود صفقة بين مصر وإدارة بايدن من أجل محاولة القضاء على حركة حماس.. فهل ترى أن هناك نوعا من التآمر العربي أو الدولي ضد حركات التحرر الفلسطينية؟

مثل هذه التصريحات سمعناها كثيرا، منها وجود تنسيق كامل بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي حول تنفيذ مشروعات أعدّت منذ فترة لتصفية القضية الفلسطينية؛ فالمسألة ليست وليدة اللحظة، وإنما تأتي ضمن مُخططات قديمة جديدة، ولكن يبدو أن هناك استعجالا لتنفيذ هذه المخططات.

الأمر مرتبط اليوم ببعض القضايا الاقتصادية الدولية، وكلنا يعرف مشروع أنبوب الغاز الذي سيمتد من الهند إلى أوروبا ليمد الاتحاد الأوروبي ودول الغرب بالغاز، ولأن الخط سيمر بغزة، فعلينا أن نصفي هذه المنظمات التي قد تُشكّل عائقا لأي مشروع اقتصادي في المستقبل، الذي قد يضر بالمصالح الدولية، وليس فقط الإسرائيلية، من وجهة نظرهم.

لكوني عربيا: أتمنى ألا يكون هناك تورط للأنظمة العربية؛ لأن قضية فلسطين بالنسبة لكل عربي مؤمن مخلص -سواء كان مسلما أو مسيحيا- هي القضية المركزية لكل العرب المسلمين والمسيحيين؛ فلا تنسى بأن فلسطين معقل كل الأديان السماوية، ومركز انطلاق الديانات لكل العالم، ولم يخرج أي نبي لهذه الديانات السماوية إلا من منطقة الشرق الأوسط، لذا هذه البقعة المقدسة يجب أن تبقى.

وقد يكون هذا اجتهاد سياسي؛ فلا أحد له مصلحة في أن يتآمر على القضية الفلسطينية التي لا يمكن تصفيتها بمجرد تكالب بعض القوى الدولية العسكرية على شعب مؤمن يدافع عن قضيته، ومؤمن بحق وجوده.

وزير التراث بالحكومة الإسرائيلية عميحاي إلياهو، دعا إلى إلقاء قنبلة نووية على غزة، مؤكدا أن قطاع غزة يجب ألا يبقى على وجه الأرض.. كيف استقبلتم تلك التصريحات؟

ما تبين لنا، وبحسب ما شاهدناه من دمار شامل، يشير إلى أن الكيان الإسرائيلي استعمل تقريبا جميع أنواع الأسلحة الفتاكة، والمُدمّرة، والمحظورة دوليا.

وسنرى لاحقا عواقب هذه التصريحات على مستوى المجالس الدولية، التي رفضت رفضا قاطعا هذه المقاربة الدموية التي ذكرها الوزير الإسرائيلي؛ لأنها "تصريحات جهنمية"، وهذا التصريح سيكون مدار تساؤلات متعددة لاحقا في المجالس الدولية، وفي اللجان الدولية المعنية بمتابعة قضايا الانتهاكات، خاصة وأن التصريح موثق، ولم يتم نفيه، والإجراءات التي قيل بأنها ستتخذ بحق هذا الوزير، لم نرَ شيئا منها.

ما نخشاه أن تكون هذه التصريحات التي ذكرها وزير التراث الإسرائيلي حقيقة مبيتة للقوة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وأنها تمرّر هذه الرسالة بغية استعمال هذه القنبلة لاحقا، وقيل لنا بأنه قد يكون هناك استعمال لبعض القنابل النووية "التكتيكية"، ومعطيات هذا الأمر ستدرسه لجان التحقيق مستقبلا، وسنرى ما إذا كانت هذه القنابل "التكتيكية النووية" قد استعملت فعلا أم لا؛ لأن شكل الدمار الظاهر يشير إلى أن هناك شيئا ما استعمل فوق العادة.

قلت؛ إن المجلس الدولي لحقوق الإنسان بدأ إجراء تحقيقات بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة.. فمتى ستنتهي تلك التحقيقات، وإلى ماذا ستنتهي برأيكم؟

نحن في المجلس الدولي لحقوق الإنسان المُعتمد لدى الأمم المتحدة مَن نقوم بهذه التحقيقات، ووصلنا إلى قرب نهايتها تقريبا، وربما يتم إعلان نتائج تلك التحقيقات خلال المرحلة المقبلة، ولكن ستبقى تلك التحقيقات مفتوحة؛ فربما تحدث بعض المستجدات -ونأمل ألا يحدث شيء-؛ لأن المعركة ما زالت قائمة، ونحن نتوقع ارتكاب الكيان الإسرائيلي للمزيد من الانتهاكات البشعة.

ومن ثم، الإجراءات بدأت بالشكل والإطار الإداري، وهناك عدد من النقابيين والقانونيين في العالم العربي والإسلامي تقدّموا بمذكرات من خلالنا، لنضيف هذه المذكرات إلى الشكوى التي أعددناها؛ حتى تأخذ طابعا نقابيا على مستوى المجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي نمثله في الأمم المتحدة، وفي مجلس حقوق الإنسان في جنيف؛ فالطابع النقابي المهني في هذا الشأن سيكون مُحرجا لبعض الدول والحكومات؛ لأن تلك النقابات هي نقابات رسمية في دولها، ومن ثم هذا الأمر يلزم هذه الدول بأن تتقدم بشكوى، وأن تلحق بهذا الركب القانوني الدولي؛ من أجل تحقيق العدالة وإعادة الحق إلى أصحابه.

كيف تفسّر التباطؤ والصمت من قِبل المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية تجاه الكوارث المتواصلة في غزة إلى الآن؟

لا أوافق على هذا التوصيف؛ فليس هناك صمت في الأمم المتحدة، ولكن هناك آلية عمل نعمل من خلالها، وليس كل ما نفعله نخرجه إلى الإعلام؛ فهناك عمل صامت يقوم به المجلس الدولي لحقوق الإنسان، واللجان الدولية المعتمدة في المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والعمل الصامت عادة يكون أكثر فاعلية مما يخرج إلى الإعلام؛ لأن ما يخرج من هذه الموضوعات في الإعلام لا يحقق الكثير مما نبتغيه، لذا العمل الصامت هو الأجدى والأنجح، وهو الذي يوصل إلى النتائج المرجوة.

أما فيما يختص بالمحكمة الجنائية الدولية، فالمدعي العام بالمحكمة السيد «كريم خان» قد زار الحدود الفلسطينية المصرية، واطلع على الوضع، ودوّن ملاحظاته، حتى إذا ما وصلت إليه القضايا يكون لديه فكرة ميدانية شخصية، وتتكون لديه المعطيات من كل الأطراف.

وليس هناك تقاعس في الجنائية الدولية؛ فحتى الآن لم يبدأ عمل المحكمة الجنائية الدولية حتى يتم اتهامها بالتقاعس.

المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للأمم المتحدة يعتمد على آليات داخلية، إذا لم تتوافر هذه الآليات الداخلية لا يمكن له أن يشرع في العمل القانوني والقضائي. ولذا، نطلب من كل الدول المعنية أن تتقدم سواء لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أو إلى الجنائية الدولية بالإطار القانوني؛ فهناك إطار وآلية عمل يجب أن يتم احترامها، وهناك طرق يجب أن نسلكها من أجل تحقيق العدالة الشاملة.

ما مدى سيطرة أو تأثير إسرائيل على المؤسسات الدولية؟

هذا كلام مبالغ فيه؛ فأحيانا نسمع بأن هناك سيطرة إسرائيلية، أو هناك سيطرة أوروبية. هذا غير صحيح، وبحكم عملي في رئاسة بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان المُعتمدة من الأمم المتحدة بصفة خاصة، وبحكم عملي داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أجزم لك بأننا لم نلمس يوما أي ضغط أو أي سيطرة لأي جهة من الجهات؛ لأن مجلس حقوق الإنسان يعمل أولا بالإطار التشريعي، وبالإطار القانوني، ويضم عددا من الدول مختلفة الأفكار والسياسات والمقاربات؛ فلا يمكن أن نجزم بأن هناك سيطرة، ولو كانت هناك سيطرة، ما كانت الدول المعارضة للكيان الإسرائيلي، أو لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية، قد خرجت ببيان كهذا، ولقالت بكل صراحة: لا يمكننا أن نفعل شيئا؛ لأن هناك سيطرة من هذه الجهة أو تلك.

عندما يخرج القرار من مجلس حقوق الإنسان ويكون لصالح فئة، نسمع اتهامات من الفئة الأخرى بأن هناك انحيازا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وقد حدث واتُهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه مُنحاز للولايات المتحدة الأمريكية ولحلفائها، لكن رأيناه بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر في غزة، وكيف كان موقفه صادعا ساطعا ولا لبس فيه.

لا يمكن اتهام الأمين العام بالانحياز لأي دولة، وإن ما صدع به هو محض قوانين إنسانية دولية تجبر كل الدول للانصياع، وتجبرهم على العمل بها، إن لم يكن اليوم فسيكون غدا.