للشعوب حساسيتها الفطرية تجاه كل أصناف الدجل
والمتاجرة بقضاياها المصيرية؛ تتجلى هذه الحساسية في مواقف كثيرة، مثلاً لدينا في
اليمن فكرتان مركزيتان: الجمهورية والوحدة. يدرك القارئ اليمني كيف يحتشد الناس
بشكل عفوي للدفاع عن فكرة الجمهوريةـ وبالمثل يتطابق موقفهم إزاء فكرة
الوحدة، جنوباً
وشمالاً.
لديّ قناعة بأن الشعب اليمني، لو تُرك بشكل حر دون
مؤثرات تدفعه نحو خيارات محددة، سيختار بهدوء كل ما يصب في صالح مصير جمهوري
ديمقراطي متوحد. هذه الخلاصة المبدئية ليس فيها مصادرة لآراء الناس، بل استبطاناً
للحالة العامة للوجدان اليمني. لكن هذا لا يعني بالطبع أن الواقع هو متوحد بشكل
تام، فهناك خلخلة لمواقف الناس؛ لكنها خلخلة قسرية تتبناها قوى ذات أجندات معادية
للمصير اليمني الواحد.
على الرغم من كل الظروف القاسية المحيطة باليمني، وهي
ظروف توفر مناخاً ملائماً لتضليل الناس وتدفعهم نحو خيارات مناقضة لمصالحهم، إلا
أن القطاع الأكبر من اليمنيين ما يزال يحتفظ بمواقفه النزيهة إزاء القضايا
المصيرية، حيث الفئة الواسعة من اليمنيين يعيشون في دائرة الصمت ومنهمكون في
مشاغلهم الخاصة، ولو أتيح لهم قول رأيهم لتفاجأ الجميع بالنسبة الساحقة منهم وبمدى
تمسكهم برأي متزن وموقف داعم للكيان اليمني الوطني ومناهض لكل صوت يرغب بتفكيك
جغرافيا البلد.
على الرغم من كل الظروف القاسية المحيطة باليمني، وهي ظروف توفر مناخاً ملائماً لتضليل الناس وتدفعهم نحو خيارات مناقضة لمصالحهم، إلا أن القطاع الأكبر من اليمنيين ما يزال يحتفظ بمواقفه النزيهة إزاء القضايا المصيرية، حيث الفئة الواسعة من اليمنيين يعيشون في دائرة الصمت ومنهمكون في مشاغلهم الخاصة، ولو أتيح لهم قول رأيهم لتفاجأ الجميع بالنسبة الساحقة منهم وبمدى تمسكهم برأي متزن وموقف داعم للكيان اليمني الوطني
من المعروف أن الشعوب كلما تقدمت بوعيها، تميل لإزالة
الحواجز وتحقيق تقارب أكبر فيما بينها، بما في ذلك الشعوب ذات الهويات المتباينة
وحتى التي تتمتع بكيان سياسي وقانوني مستقل، منها دول الاتحاد الأوروبي، أما حين
يتعلق الأمر بشعب ذي تاريخ ثقافي وسياق حضاري واحد مثل اليمن، فوحدة الشعب ليست
رهينة بالحالة السياسية ولا رغبات هذا الطرف أو ذاك؛ بل تكاد تكون الوحدة هي
الحالة الأساسية بصرف النظر عن الظروف السياسية ومدى قوة السلطة الحاكمة على
الجغرافيا أو تعدد تلك السلطات.
صحيح أن وحدة الشعب اليمني ليست حتمية، لكن
الانفصال
أيضاً ليس واقعاً. ولو قال طرف إن الانفصال حق، فإن من حق أطراف أخرى القول بأن
الوحدة حق. في الواقع إن من ينادي بفصل الجنوب، هو يستخدم نفس المبرر الذي يمكن
لخصومه استخدامه؛ الحق بتقرير المصير، هذا الشعار لا يحوي مبررا حصريا لدعاة الانفصال؛
لكنه يشرعن لتفكك الجنوب نفسه. فالمبرر الذي استخدمه الطرف المؤيد للانفصال هو
مبرر يمكن استخدامه لدعاوى انفصال صغرى داخل الجنوب نفسه، وتلك ورطة ربما لا
تدركها القوى المؤيدة للانفصال في جنوب اليمن، ولو أدركتها فهي لا تعمل بمقتضاها
وبهذا تكون سائرة نحو ورطة لا تفقه نهايتها.
في الواقع، كلما ضاعفت القوى الانفصالية من نشاطاتها
النظرية وعقدها للمؤتمرات وإصدارها للبيانات، فذلك لا يؤكد قدراتهم المحسومة على
فرض الانفصال؛ بل العكس، إنهم يستعيضون عن عجزهم بفرض ما يزعمون أنه حقهم، أي
تقرير مصير الجنوب اليمني، يعوضون عجزهم العملي بتكثيف نشاطاتهم النظرية. لكن هل
ذلك يعني أنهم لا يمثلون خطرا..؟ بالطبع لا.
خطورة ما يقوم به ما يسمى
المجلس الانتقالي الجنوبي،
هو أنهم يوفرون أرضية لأطماع وكلائهم الخارجيين؛ لخلخلة مصير الكيان الوطني الواحد،
إنهم يرتكبون ما يرقى ليكون بمثابة "خيانة وطنية" تحت مبرر استرداد وطن
مزعوم، يخونون الجنوب والشمال والتاريخ والحضارة بكاملها.
خطورة ما يقوم به ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، هو أنهم يوفرون أرضية لأطماع وكلائهم الخارجيين؛ لخلخلة مصير الكيان الوطني الواحد، إنهم يرتكبون ما يرقى ليكون بمثابة "خيانة وطنية" تحت مبرر استرداد وطن مزعوم
نحن أمام مجموعة سياسية/ مليشياوية، لا تكترث لكل
مبادئ الشعوب ولا تتضمن أي إحساس بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية، كتلة انفصالية
تعاني من تبلد في حساسيتها القيمية ولهذا تغامر برفع شعارات كبرى وتواصل بيع
أوهامها للناس.
يعتقد ما يُسمّى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، أن وجود
دولة خارجية داعمة له، يكفي ليثق بدوافعه الصبيانية ويتعامل مع شعارات الانفصال؛
كما لو أنها حقوق ثابتة قابلة للتجسد الواقعي. إنهم يتصرفون بخفة تكشف عدم أهليتهم
لتزعّم أحلام استعادة الدولة، حيث جماعة سياسية تستسهل تفكيك الكيان الوطني، فهي
جماعة عبثية، ولا يمكنها أن تكون قادرة على حماية مستقبل الناس.
"إذ لم تكن الوحدة حالة بديهية فالانفصال ليس أمراً
بدهياً أيضاً"، فإذا ما فتحنا الباب لتفكيك دولة ما فإن أمر التفكيك لن يتوقف
عند مجرد فصل الجنوب، بل سيولد سلسلة من التفكيكات والتفاعلات التشطيرية لن يسلم
منها أحد. إن التسليم بمنطقية الحق في الانفصال هو مجازفة ستجعل أي دولة في العالم
قابلة للتفكك. فهناك مبررات سياسية وثقافية وتاريخية، يمكن حشدها داخل كل دولة ثم
ادعاء الحق في اقتطاع جزء منها ونشوء كيان مستقل.
لا يدرك الانفصاليون أن مبرراتهم لتفكيك البلد ليست
كافية ليغدو لهم الحق بذلك، حتى لو امتلكوا مبررات على درجة عالية من المنطق فهو
منطق مرفوض، ذلك أن فكرة الانفصال من أساسها هي فكرة مضادة لفكرة الدولة، وفكرة
الدولة هي حل لتذويب كل التباينات داخل أي مجتمع. الغاية من فكرة الدولة هي دمج
المجتمع ذي السياق الثقافي والحضاري الواحد وتسوية تناقضاته الداخلية، وبهذا فحل
مشاكل الجنوب والشمال يكون بترسيخ قواعد دولة قوية وليس بشطر الجغرافيا.
ما أردت قوله: إن التبريرات السياسية للقوى الانفصالية،
هي تبريرات لا تملك مشروعية ما تبرر له، إنهم يشتغلون بشكل مضاد، ليس لمنطق الدولة
ومصلحة الشعوب؛ بل ومضاد للسياق الثقافي والحضاري الواحد لليمنيين.
لطالما كان اليمن وعبر كل العصور، وبصرف النظر عن تعدد
السلطات السياسية الحاكمة لجغرافيا البلد، كيانا حضاريا ذا خيط عام واحد، حتى وهو
محكوم من أقطاب متعددة، لكنه على مستوى بنيته الاجتماعية والثقافية كان يمثل فضاء
واحدا. وهذه حجة تاريخية راسخة تقوّض كل مزاعم الانفصال، إذا ما سلمنا لهم جدلا بأن
الانفصال قابل للتحقق لمجرد امتلاك فصيل ما مبررات معينة لدعاويه، فيما الحقيقة أن
فكرة الوحدة والانفصال ليست بتلك الخفة التي يتصورونها.
علينا مقاومة كل النزعات التفكيكية ومن يقف خلفها، فليس لأحد الحق بتزعّم مطالب كهذه وحشد التبريرات لها ثم الادعاء بأن ذلك هو مطلب الشعب. كما عليكم ألا تدَعوا الأصوات المتضخمة والمجاميع الموظفة في غرف إعلامية تضلل حقيقة الموقف العام للجماهير اليمنية، فلو تتبعتم ما تمثله تلك الغرف الإلكترونية ستجدونها تمثل موقف فئة صغيرة من الناس
فاليمن ما يزال كيانا قانونيا واحدا ويملك شخصية دولية
واحدة، وهو برهانٌ ثان على أن قوة الوحدة متجسد في أوراق كثيرة، منها أنه يستند
الآن لأرضية قانونية ثابتة، يصعب زحزحتها وقبل هذا وبعده هناك ملايين من البشر
شمالا وجنوباً، يرون في فكرة الوحدة مكسباً يصعب التخلي عنه بسهولة. وعلى كل من
يلهث لفرض رغباته المشبوهة في تفكيك البلد، أن يرفع وصايته على الناس ويوقف حملاته
الإعلامية، ثم يترك للجماهير حق قول كلمتها في ظروف صحية وليس تحت إدارته غير الموثوقة
ومصادر تمويله المعادية لمصير الناس والرامية للتحكم بهم.
الخلاصة: علينا مقاومة كل النزعات التفكيكية ومن يقف
خلفها، فليس لأحد الحق بتزعّم مطالب كهذه وحشد التبريرات لها ثم الادعاء بأن ذلك
هو مطلب الشعب. كما عليكم ألا تدَعوا الأصوات المتضخمة والمجاميع الموظفة في غرف
إعلامية تضلل حقيقة الموقف العام للجماهير اليمنية، فلو تتبعتم ما تمثله تلك الغرف
الإلكترونية ستجدونها تمثل موقف فئة صغيرة من الناس، فيما غالبية الشعب محتفظة
بمواقفهة وتحتاج أن تتاح لها مساحة محايدة، ولسوف تقلب الطاولة على الجميع. من هنا
يتأكد لنا أن الوحدة محروسة بالشعب، الشعب المنهك والصامت، لكنه أنبل من كل
المتاجرين بقضاياه.