دعا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين، الدكتور علي القره داغي، إلى تأجيل حج النافلة والعمرة المندوبة،
والتبرع بهذه الأموال إلى منكوبي
الزلزال المُدمر الذي ضرب
تركيا وسوريا قبل أيام،
مشيرا إلى أن هذا التصرف له الأولوية في الوقت الراهن، وسيكون ثوابه عظيما، خاصة
أن تكاليف حج التطوع يمكن أن تساهم في إغاثة الكثيرين وإنقاذ أرواحهم.
وقال القره داغي، في حديث خاص مع
"عربي21": "كل مَن ينوي أن يحج أو يعتمر مرة ثانية أو ثالثة، عليه
أن يوجّه هذه الخيرات لهؤلاء المنكوبين".
وأشار الأمين العام لاتحاد
علماء المسلمين، إلى
وجود العديد من الشواهد في التاريخ الإسلامي، على تقديم إغاثة المنكوبين
والمضطرين، على العبادات مثل الحج.
وأعرب القره داعي، عن أمله في أن "توفق فرق الإنقاذ، في انتشال
المزيد من الأحياء من تحت الركام، وأن يتقبل من مات في الشهداء وأن يشفي
الجرحى".
وتابع: "كانت المصيبة مُدمّرة، وفاجعة
مؤلمة لقلوبنا، وقد أبكت عيوننا، وأوجعت قلوبنا، ونفوسنا وأرواحنا، وبحسب علمي
وفهمي وتدبري للقرآن الكريم، أنظر إلى هذا الزلزال بأنه آية من آيات الله، وسُنة من
سننه، وليس عقوبة كما يقول البعض، وإلا لو كان كذلك لما كان مَن يموت في الزلزال بالنصوص
الشرعية شهداء".
وأضاف القره داغي: "هذه الزلازل، كما يقول
العلماء الجيولوجيون، تعود إلى الحركات التي تحدث في الصفائح التكتونية في القشرة
الثانية للأرض، التي تُسمى (القشرة الصخرية)، وتحدث معها انبعاثات وغازات وبراكين
فتظهر هذه في مكان ما، ويقول علماء الجيولوجيا: لو لم يحدث زلزال في مكان لانفجرت
الأرض كلها".
وتابع: "الزلازل قضية علمية بحتة، ولا
يجوز أن نربطها بقضية العقوبات الإلهية فقط إلا في حالة واحدة –وهي الآن غير
ممكنة- حين يأتي نبي ويدعو أمته فترة من الزمن، ثم تتحدى هذه الأمة رب العالمين،
كما حدث مع فرعون، وقوم لوط، وقوم صالح؛ ففي هذه الحالة يكون عقابا من رب
العالمين، أما بقية الزلازل والطواعين، فهي من سنن الله سبحانه".
الاستفادة من الزلازل
ودعا إلى "الاستفادة من الزلازل بأمرين:
الأول هو التوبة إلى الله، ومراجعة النفس، والتيقن بأن الله قادر على كل شيء،
ويمكن أن يُفجّر هذا الزلزال في أي مكان يريد، وعليه نتضرع لله، وهذا هو (فقه
الميزان)، أي إن الجانب العلمي والجانب الديني لا يتعارضان، لكن يجب أن يُفسَر
التفسير الصحيح بحيث يُحقق التوازن".
وزاد: "مع الأسف الشديد، هناك بعض الوعاظ
بدلا من حثّ الناس على الصبر على البلاء، وأن الضحايا في عداد الشهداء، وأن لهم
الأجر، بدؤوا في اللوم، وأن هذا نتيجة العصيان، والطغيان، وهناك بعض الجهلة على
الجانب الآخر الذين قالوا: (أين الله؟)، ورب العالمين موجود، وقدرته موجودة في كل
مكان، لكن لماذا لم يقولوا: أين نظام بشار الأسد الذي منع الخيرات عن أهله؟".
وأكمل: "الجانب الآخر من فوائد الزلازل:
أنه يجب على الأمة (حكاما ومحكومين) أن يدرسوا هذه السُنة؛ فهذه دورة طبيعية،
وعليهم أن يعملوا من خلال المراصد على التنبؤ بهذه الزلازل قبل حدوثها، وبالمناسبة، الله سبحانه وتعالى لا يجعلها بغتة 100%، وإنما جعل لها إشارات، ودلالات، فيجب على
الأمة أن تسعى من خلال كل الوسائل العلمية التي تكشف هذه المسألة".
واستطرد الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين،
قائلا: "حينما وقعت زلزلة في عهد سيدنا عمر قال: لو تكرر لأمرتكم بأن تخرجوا
من هذه الأرض، وهذا يدل على أن الدولة يجب أن تحتاط، وأن تعمل كل ما في وسعها
لتقليل آثار هذه السُنة".
وواصل القره داغي، حديثه بالقول: "يبدو أن
اعتمادنا على أن هذه القضية هي قضية دينية محضة، وليست قضية دينية وعلمية، جعلتنا
نغفل عن هذه الأمور فتصيبنا هذه المصائب دون أن نعدّ لها العدة".
دور العلماء
وأشار إلى أن "واجب علماء الدين في مواجهة
آثار الزلازل يتمثل في ضرورة تبيان الحقائق، ومنها حقيقة هذه الزلازل، وألا يلوموا
الناس، بل يتقربون إليهم، ويمسحون على رؤوسهم، وأن يشاركوا الناس أموالهم،
وجهودهم، وحضورهم الفعلي، ثم بعد ذلك إصدار الفتاوى اللازمة في هذا المجال، كما
فعلنا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين".
وأوضح أن "الاتحاد أصدر عشر فتاوى، منها:
جواز دفع الصدقة والزكاة لهؤلاء الضحايا، ومنها تعجيل الزكاة، ومنها جواز دفع
الزكاة للضحايا حتى ولو كانوا أغنياء؛ لأنهم يدخلون في مصرف (ابن السبيل)، أحد
مصارف الزكاة، ومنها حث الناس، وحث الدول، هذه كلها من واجبات أهل العلم، يقومون
بواجبهم الديني، وواجبهم الاجتماعي، وواجبهم الشرعي".
وتابع: "بمجرد ما وصلنا الخبر، أصدرنا في
الاتحاد على الفور بيانات وفتاوى توجب على المسلمين أن يهبوا نحو إنقاذ الضحايا،
وفتاوى وبيانات بأن إغاثة هؤلاء وإنقاذهم فريضة شرعية على دولنا الإسلامية، وعلى
القادرين على ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (من قتل نفسا بغير نفس أو
فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس
جميعا)".
ولفت القره داغي، إلى أن "الأمين العام
للاتحاد شارك في جمع
التبرعات، واستطاع مع إخوانه في قطر أن يجمعوا أكثر من 168
مليون ريال بفضل الله تعالى، وستكون هناك قوافل إغاثية، وسنشارك بأنفسنا إن شاء
الله في مواساة هؤلاء الضحايا، وقد وصلت بعض الوفود إلى مناطق تركية، وأنا -إن شاء
الله- سأشارك بنفسي في هذه الحملة".
فريضة شرعية
وحول مدى تقييمه لمدى استجابة الدول العربية
والإسلامية لدعوات إغاثة المنكوبين، قال: "الدول العربية والإسلامية ليست
سواء؛ فهناك دول سارعت وبادرت -جزاهم الله خيرا- مثل قطر، والكويت وغيرهما، وهناك
دول ساندت، وهناك دول تقاعست مع الأسف الشديد، وهناك دول اكتفت بمجرد العزاء
والمواساة، وهذا واجب لا يُكتفى به شرعا كما أصدرنا في الفتوى؛ لأن الإغاثة
والإنقاذ فريضة شرعية، ويجب فيها دفع الزكاة، ودفع الصدقات، والخيرات
والأوقاف".
أما رؤيته لموقف الدول الغربية والأمم المتحدة،
فنوّه القره داغي، إلى أن "هناك من الدول مَن ساندت، وهناك مَن الدول توقفت،
وكثير من الناس يعتبون على الأمم المتحدة، ويوجّهون لها لوما شديدا؛ لأنها لم تقم
بواجبها، بل إنها في بعض الأحيان كانت توجه بعض القوافل نحو المناطق التي يسيطر
عليها النظام، ولا توجّه إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهو عمل غير
مقبول أبدا من الأمم المتحدة".
وفجر الاثنين الماضي، ضرب زلزال جنوب تركيا
وشمال
سوريا بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات ومئات
الهزات الارتدادية، مخلّفة خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات في البلدين.
وارتفع عدد قتلى الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا إلى نحو 33 ألف قتيل، وعشرات
آلاف الجرحى.
وأعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية، أن قتلى زلزال تركيا
المدمر ارتفع إلى 29 ألفا و605، وأشارت في بيان إلى إجلاء 147 ألفا و934
شخصًا من مناطق الزلزال إلى ولايات أخرى.
وذكرت أن 2412 هزة ارتدادية وقعت جنوبي تركيا عقب الزلزالين
العنيفين، اللذين كان مركزهما ولاية كهرمان مرعش.
وفي سوريا، أعلن وزير الصحة التابع للنظام، حسن الغباش، أن عدد ضحايا
الزلزال ارتفع إلى 1414 قتيلا، وأكثر من ألفي إصابة.
وكان الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، أعلن
السبت ارتفاع عدد ضحايا الزلزال شمالي غرب سوريا إلى 2167 قتيلا.