قال رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة "مراسلون
بلا حدود"، جوناثان داغر، إن "منطقة الشرق الأوسط تشهد تراجعا كبيرا
ومخيفا في مجال
الحريات الصحفية، وذلك بناءً على أعداد الصحفيين الذين قُتلوا
لأسباب تتعلق بعملهم، وأعداد الصحفيين المسجونين والمخطوفين".
وشدّد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"،
على ضرورة "ملاحقة المتهمين في جرائم ضد الصحفيين، ومحاكمتهم أمام قضاء
مستقل؛ للحد من ظاهرة الإفلات من العقاب التي تحمي قتلة الصحفيين، سواء كان مرتكب
الجريمة دولا أو أنظمة، أو عسكريين، أو أفرادا، أو منظمات فردية، أو مليشيات؛
فالجميع يجب أن يُقدم للمحاسبة".
ودعا داغر إلى تعزيز الحريات الصحفية
والإعلامية في الشرق الأوسط من خلال "إطلاق سراح جميع الصحفيين المعتقلين
والمخطوفين، ووضع آليات لتأمين استقلالية الإعلام بعيدا عن الضغوطات السياسية
والمصالح المتضاربة".
واستطرد داغر، قائلا: "نحن بحاجة إلى ضوابط
قانونية رصينة لحماية حرية
الصحافة والصحفيين، ولمنع اعتقالهم وتوقيفهم والتضييق
عليهم".
وتابع: "نحن مستمرون في حملاتنا للمطالبة
بحماية الصحفيين، ولإطلاق سراح المعتقلين منهم، ومواجهة أدوات الدعاية الكاذبة
التي يستعملها الطغاة للسيطرة على المعلومات، وقمع المعلومة الحرة. لذا، فنحن
متمسكون بهذه الأهداف خلال السنوات المقبلة".
وإلى نص المقابلة الخاصة مع
"عربي21":
ما تقييمكم لما شهدته حرية الصحافة في منطقة
الشرق الأوسط خلال عام 2022؟
على الصعيد العالمي حقّق عام 2022 أرقاما
قياسية في عدد الصحفيين المعتقلين بالسجون، حيث ارتفع العدد إلى 533 صحفيا على
مستوى العالم، كما أنه سجّل خلال العام مقتل 57 صحفيا على مستوى العالم أيضا.
وإذا تحدثنا عن الشرق الأوسط بالتحديد فقد شهدت
المنطقة تراجعا كبيرا ومخيفا في مجال الحريات الصحفية، وذلك بناءً على أعداد
الصحفيين الذين قُتلوا لأسباب تتعلق بعملهم، وأعداد الصحفيين المسجونين
والمخطوفين.
والأخطر من ذلك أنه لم تتم محاسبة أي من الجهات
المتورطة في مقتل الصحفيين أو خطفهم، بل ويستمر هذا النهج من الإفلات من العقاب
الذي يُطبّع مع الجريمة، ويسهّل تكرارها، وأحيانا من خلال حماية القتلة بالعلن،
والتعتيم على التحقيقات، وتبرير الجريمة.
وإذا تحدثنا بلغة الأرقام فإن عدد الصحفيين
الذي سُجنوا بدول الشرق الأوسط قد زاد كثيرا، وكذلك عدد الصحفيين الذين قُتلوا،
والذين تعرضوا للخطف.
وما هي العوامل التي أدت لهذا التراجع
"المخيف"؟
بالطبع هناك عدة عوامل عالمية وإقليمية ساهمت
في هذا التراجع، على سبيل المثال: الوضع الأمني في سوريا -باعتبارها منطقة نزاع-
والذي تسبب في مقتل ثلاث صحفيين عام 2022، وهذا عن سوريا بشكل كامل من الشمال
للجنوب؛ فليست هناك منطقة آمنة للصحفيين في سوريا.
وفي فلسطين، رأينا مقتل الصحفية شيرين أبو
عاقلة، والصحفية غفران وراسنة، وفي اليمن قُتل ثلاثة صحفيين في صنعاء وعدن
باستهدافات مباشرة كان هدفها تطويع الصحفيين وقمع الحريات العالمية.
أما في إيران فقد استهدفت السلطات الإيرانية
الصحفيين بموجة اعتقالات بعد انطلاق التظاهرات في أعقاب مقتل مهسا أميني في 15
أيلول/ سبتمبر المنصرم، ومنذ ذلك التاريخ تم اعتقال 50 صحفيا، ما زال 27 صحفيا منهم مختفين بالسجون، أما من ظهر منهم فإنه ما زال في انتظار حكم المحكمة، والأحكام مُجحفة
وقد تصل العقوبة إلى عدة سنوات.
ولا بد أن نذكر أن العدد الأكبر من الصحفيين
المسجونين والمعتقلين من النساء الصحفيات.
كيف تواجه "مراسلون بلا حدود"
الانتهاكات التي تتعرض لها في المنطقة؟
نحن نعتمد بشكل كبير على المراسلين الموجودين
بالدول العربية والشرق الأوسط، وهم يعملون بصفة مجهولة، وبحذر كبير، وبخاصة في
المناطق التي يتعرض فيها الصحفيون للضغوطات، ومع الأسف فإن معظم هذه المناطق في الشرق
الأوسط. إذن فالمراسلون يعملون بشكل سري، وبأسلوب يحمي خصوصيتهم؛ وذلك لحمايتهم من
الضغوطات.
والصعوبة الأكبر ليست على المراسلين الذين
يعملون بأمان، ويستطيعون التعاطي مع هذه الأوضاع، وإنما الصعوبة عادة في الحصول
على المعلومات؛ فحينئذ يبدأ التضييق على حريات الصحافة، وتشعر المصادر بالخوف من
الحديث للمراسلين، وحتى بعض الصحفيين يخافون من الحديث إلينا نظرا لما يتعرضون له
من الرقابة والتضييق بشكل كبير.
وبالتالي فإن شبكة المعلومات التي نستند إليها يصعب
الوصول إليها؛ نظرا لصعوبة الحصول على المعلومة بسبب التضييقات والانتهاكات
الجمّة، وبالطبع فالفريق في باريس محمي نوعا ما من تداعيات هذا التضييق.
وبصورة عامة، نحن نعمل على حماية الصحفيين،
ونعمل على وضع خطط ترعى أولوية حماية الصحفيين الذين نعمل معهم، ونساعدهم.
إلى أي مدى ساهمت جائحة كورونا وأزمة الحرب
الروسية الأوكرانية في تردي حرية الصحافة في المنطقة؟
الغزو الروسي لأوكرانيا تسبّب، بلا شك، في
مخاطر كبيرة للصحفيين في أوكرانيا وروسيا، وكانت الحرب الأوكرانية هي أحد أهم
أسباب ارتفاع عدد القتلى في صفوف الصحفيين خلال العام المنصرم، وفي روسيا تعرّض
الكثير من الصحفيين لتضييقات مختلفة جراء تغطية الحرب وتداعياتها وآثارها داخل
روسيا.
كما أن جائحة كورونا تسبّبت في تضييقات مختلفة
على الصحفيين في المنطقة، وقد رأينا اعتقالات لبعض الصحفيين المصريين على خلفية
تغطيتهم لأزمة جائحة كورونا وما خلّفته، وكذلك الحال في الكثير من دول المنطقة،
والإغلاقات التي شهدتها المنطقة ألقت بظلالها السلبية على عمل الكثير من الصحفيين
خاصة الذين لا يحملون البطاقات الصحفية.
برأيكم، كيف يمكن تعزيز الحريات الصحفية
والإعلامية في منطقة الشرق الأوسط؟
أولا من خلال إطلاق سراح جميع الصحفيين
المعتقلين والمسجونين والمخطوفين في الشرق الأوسط، ومع الأسف العدد كبير جدا.
نحن بحاجة لضوابط قانونية رصينة لحماية حرية
الصحافة والصحفيين، ولمنع اعتقالهم وتوقيفهم والتضييق عليهم وتهديدهم.
يجب أيضا ملاحقة المتهمين في جرائم ضد
الصحفيين، ومحاكمتهم أمام قضاء مستقل؛ للحد من ظاهرة الإفلات من العقاب التي تحمي
قتلة الصحفيين، سواء كان مرتكب الجريمة دول أو أنظمة، أو عسكريين، أو أفراد، أو
منظمات فردية، أو ميليشيات؛ فالجميع يجب أن يُقدم للمحاسبة.
يجب أن تُوضع آليات لتأمين استقلالية الإعلام،
وهنا نقصد استقلالية مالية، وسياسية بعيدة عن الضغوطات السياسية، وعن المصالح
المتضاربة.
كذلك يجب تأمين الدعم، ونحن في «مراسلون بلا
حدود» نعمل على كل هذه الأصعدة، وهذه أهدافنا التي نسعى نحوها عام بعد عام.
نحن نعمل من أجل إطلاق سراح الصحفيين من
السجون، ولنا حملات كبرى في هذا الاتجاه، وخاصة بشأن الصحفيين المعتقلين في مصر،
والسعودية، وإيران؛ فتلك أكثر الدول سجنا للصحفيين في الشرق الأوسط.
وكذلك نطالب بمحاسبة قتلة الصحفيين، ومحاربة
ظاهرة الإفلات من العقاب، وعلى سبيل المثال: ضحايا القضايا الكبرى التي هزت العالم
مثل شيرين أبو عاقلة بفلسطين، ومقتل جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية بإسطنبول،
بالإضافة إلى اليمن وسوريا كما ذكرنا قبل.
على صعيد آخر، منظمة "مراسلون بلا
حدود" أحالت مؤخرا ملف الصحفي الجزائري، إحسان القاضي، إلى الأمم المتحدة
بعد حكم بإيداعه الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق.. فهل هناك جديد بخصوص هذا
الملف؟ وما هو المأمول من الأمم المتحدة بخصوص اعتقال "القاضي"؟
إحالة الملف من قِبل «مراسلون بلا حدود» إلى
الأمم المتحدة هدفه محاولة الضغط على صعيد العالمي حتى نستطيع تحرير الصحفي
المعتقل، ونتمن من مسؤول الأمم المتحدة أن يتجاوب بسرعة مع هذا الطلب الذي تم
قبوله على الصعيد الرسمي.
وفي الوقت نفسه نحن ننتظر مسار التحقيق بهذا
الملف، ولا نعرف مواعيد المحاكمة على وجه الدقة، ولكن المحامين لهم الحق في
المطالبة بإطلاق سراح الصحفي ولو بشكل مؤقت.
كيف تنظرون للاتهامات الموجّهة إلى إحسان
القاضي، والمتعلقة بتلقي تمويلات أجنبية وجمع تبرعات بطريقة غير قانونية والمساس
بأمن الدولة؟
التهم الموجّهة ضد إحسان القاضي تدخل في الإطار
العام السائد عادة بالشرق الأوسط، والسلطات الجزائرية بالتحديد تحاول اتهام الصحفي
بتهم خارج سياق عمله الصحفي، والحقيقة أن إحسان القاضي يتلاحق بسبب المقالات،
والمواضيع التي كتب عنها، وينتقد فيها السلطات الجزائرية، ولكن لتبرير احتجازه
توجه له تهم لا علاقة له بها مثل التمويل الخارجي، وتحديدا التمويل من الاتحاد
الأوروبي في عام 2014، وهذا يدل على أن السلطات الجزائرية ليس لديها أسباب جدية
لتوقيفه أو لتبرير احتجازه.
لم لا تتخذ "مراسلون بلا حدود" خطوات
أخرى مماثلة تضامنا مع العديد من الصحفيين المعتقلين في الشرق الأوسط على غرار ما
جرى مع الصحفي إحسان القاضي؟
كل الصحفيين في دول الشرق الأوسط لهم أولوية
عندنا، ونحن نتمسك بالمطالبة بإطلاق سراح جميع الصحفيين المعتقلين، وننشر عنهم
بشكل متواصل، ونناشد السلطات في بلدانهم؛ فنحن نعمل على كل الأصعدة: صعيد الحملات
العالمية، وعلى صعيد العمل الدبلوماسي، وعلى صعيد الدعم المقدم للصحفيين على الأرض
من خلال إجلاء الصحفيين من المناطق المنكوبة، أو مناطق النزاع، أو مناطق الاضطهاد
مثل إيران وأفغانستان، وسوريا، والعراق، وكردستان، وغيرها من المناطق التي تأتينا
منها طلبات لمساعدة الصحفيين، وحملاتنا في مصر، والسعودية، وإيران متواصلة لإطلاق
سراح الصحفيين كما ذكرت آنفا.
وأود أن أنبه أن حديثنا هنا عن الدول الـ 15
التي تقع في نطاق الشرق الأوسط، ولا أتحدث عن دول شمال إفريقيا (ليبيا، والجزائر،
والمغرب، وتونس)، لأن هذه الدول تقع ضمن نطاق عمل مكتب شمال إفريقيا.
كيف تنظرون لمستقبل حرية الصحافة والإعلام في
الشرق الأوسط؟
بالطبع نحن مستمرون في حملاتنا للمطالبة بحماية
الصحفيين، ولإطلاق سراح المعتقلين منهم، ومواجهة "أدوات الدعاية
الكاذبة" التي يستعملها الطغاة للسيطرة على المعلومات، وقمع المعلومة الحرة.
لذا، نحن متمسكون بهذه الأهداف خلال السنوات المقبلة.
أما عن نظرتنا للمستقبل: فكما ذكرت دورنا هو
تقييم الأوضاع، وكما أوضحنا فإن عام 2022 شهد تراجعا كبيرا في حريات الصحافة في
العالم، وسجّلنا عددا غير مسبوق في أعداد الصحفيين المسجونين بالعالم، وكذا عدد
الصحفيين الذين لقوا حتفهم، بعد هدنة شهدناها في السنوات الأخيرة.
ومستمرون في رصد الانتهاكات، ونتمنى أن نرى
أرقاما أفضل، وتحسنا لأوضاع الصحفيين في السنوات المقبلة.