عرضنا في المقالات السابقة تعريفا بالصكوك الإسلامية، وتعريفا بالصكوك
السيادية وقانونها في
مصر، وعرضنا أهم مشكلات مصر الاقتصادية التي تتمثل في تضخم
جامح لا يتوقف ويلتهم دخول عموم المواطن المصري، ويتزايد معدل الفقر والفقر المدقع
للشعب المصري يوميا، مع استمرار وتصاعد الخلل في ميزان المدفوعات والميزان
التجاري، إضافة إلى دين عام يزيد يوما بعد يوم، يتم
تمويله بديون أخرى، ويشعر
النظام المصري بانتصار كبير ساعة أن يدبر أقساط خدمة الدين سنويا، أما عجز
الموازنة العامة للدولة فهو سيل منهمر يجرف في طريقه محاولات علاج يقوم بها نظام
مهترئ لا يهمه سوى البقاء في الحكم وليذهب الوطن للجحيم.
وعند النظر في إمكانية أن تكون
الصكوك السيادية حلا لهذه المشكلات، يحسن مقابلة
ما تحققه الصكوك بأسباب هذه المشكلات ومدى نجاعة الصكوك في إنهاء هذه الأسباب،
وبالتالي علاج المشكلات بما يمنع استمرارها بل وينهي آثارها.
ماذا تستهدف عمليات الصكوك؟
الحصول على التمويل هو الهدف الأساس والوحيد من إصدار الصكوك، وفق القانون
ووفق الأصول العلمية والممارسات الواقعية للصكوك، وهذا يستدعي الإجابة على عدة
تساؤلات لزوم التحقق من كفاءة الصكوك في معالجة مشكلات مصر الاقتصادية.
هل توفير التمويل يمكن أن يقضي على الفساد المالي والإداري البشع والمستمر والمتغول في كل مجالات الدولة وجوانبها، وفي كل مستوياتها الإدارية والتنظيمية؟ أم سيزيد من تغول الفساد
أسئلة خاصة بأسباب المشكلات الاقتصادية، تلزم الإجابة عليها للوصول إلى الإجابة عن السؤال الرئيس عنوان المقال.
هل توفير التمويل يصحح الحالة الكارثية للتعليم في مصر؟ وكم قيمة التمويل
اللازم لحل مشكلة التعليم وتدني مدخلاته وكارثية مخرجاته؟
هل توفير التمويل يمكن أن يقضي على الفساد المالي والإداري البشع والمستمر
والمتغول في كل مجالات الدولة وجوانبها، وفي كل مستوياتها الإدارية والتنظيمية؟ أم
سيزيد من تغول الفساد بتوفير غاياته الأساسية وهي جمع المال؟
هل توفير التمويل سيعدل أوضاع القوى المسيطرة على الاقتصاد المصري بحيث
يعود الجيش لمهامه الأساسية التي أنشئ من أجلها والتي تقوم بها الجيوش في كل الدول
التي تحترم قواعدها ونظمها؟
هل توفير التمويل سيحجم من سيطرة القوة (الجيش) على الاقتصاد سيطرة شبه
كاملة، من غير متخصص وفي غير مجاله ومهامه؟ أم سيكون فرصة لمزيد من التوحش
والسيطرة على الاقتصاد؟
هل توفير التمويل يساهم في القضاء على ضعف التخطيط الاقتصادي ليتناسب مع
الظروف الدولية العامة والظروف الخاصة للدولة؟
هل توفير التمويل يوفر الإرادة السياسية والوطنية لتنفيذ المخطط بدرجة جودة
تتناسب مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
هل توفير التمويل يوفر الإرادة الوطنية للنهوض بالوطن في كل مجالات التنمية؛
واستخدام أنجع الأساليب في النهوض من الكبوة غير المسبوقة التي كان أحد أسبابها
انعدام الإرادة الوطنية للنهوض من الكبوات التي خلقوها؟
هل توفير التمويل يوفر ويحقق الشفافية والمساءلة الحقيقية التي ينتج عنها
تصحيح الانحرافات وردع من تسول له نفسه بالانحراف؟ أم أن توفير التمويل سيوفر مناخ
وأدوات انعدام الشفافية وسيطرة المحسوبية والشللية والعصبية الاجتماعية والمهنية؟
هل توفير التمويل يوفر المناخ الصحي الاجتماعي الذي يسهم ويدعم النمو
الاقتصادي ويشارك في حل المشكلات الاقتصادية؟
هل توفير التمويل يحقق كفاءة الجهاز الإداري وكفاءة المؤسسات القادرة على
التنفيذ والمتابعة على كافة المستويات؟
إذا كانت الإجابة على ما سبق من أسئلة بنعم، فعندنا أسئلة أخرى:
هل مشكلات مصر الاقتصادية بعمقها وتجذرها حلها الأساس هو توفير التمويل؟
كم قيمة التمويل اللازم لسد عجز الموازنة العامة للدولة التي مصدر إيراداتها
الرئيس هو الضرائب؟ وكيف سيتم استخدامه في ذلك؟
كم قيمة التمويل اللازم لوقف التضخم الجامح أو على الأقل لتخفيف آثاره؟
كم قيمة التمويل اللازم لسد احتياجات المواطن من ضروريات المعيشة اليومية؟
وهل سيتم استخدام التمويل في توفير تنمية مستدامة للمواطن ترفع من مستوى معيشته؟
أم سيستخدم التمويل في الدعم المباشر للمواطن؟
كم قيمة التمويل اللازم لتنمية المنتج المصري وتجويده وتحسين سمعته الدولية،
بحيث ينافس المنتجات العالمية ليساهم في ضبط الخلل في ميزان المدفوعات والميزان
التجاري؟
كم قيمة التمويل اللازم لسداد الدين العام المحلي والخارجي؟ وهل سيتم
استخدامه في سداد الأقساط أم منع أسباب الدين أو تخفيف حدة تزايده؟
والإجابات المنطقية على مجموعة الأسئلة الخاصة بأسباب المشكلات الاقتصادية
في مصر تتمثل فيما يلي:
قد يسهم توفير التمويل في توفير مدخلات العملية التعليمية من توفير مبان
تعليمية مناسبة مجهزة بتقنيات حديثة للتعليم، ومن تأهيل الموارد البشرية بدءا من
العاملين الإداريين مرورا بالمعلمين انتهاء بالإدارة العليا، لكن كم قدر هذا
التمويل؟ يحتاج دراسة تفصيلية عن كل مكونات العملية التعليمية واحتياجات كل مكون، لكن
توفير التمويل يظل أحد متطلبات تصحيح الحالة الكارثية للتعليم، التي بإصلاحها يمكن
أن نقطع أشواطا كبيرة في حل مشكلات مصر الاقتصادية على المدى البعيد، وتظل هناك
متطلبات أخرى مهمة وقد تكون أكثر أهمية من توفير التمويل مثل توفر الإرادة
الوطنية.
لا أعتقد أن يسهم توفير التمويل في القضاء على الفساد الإداري والتنظيمي في
مختلف أجهزة الدولة، بل على العكس سيزيد توفير التمويل من نهم العاملين بأجهزة
الدولة بمستوياتها التنظيمية المختلفة بدء من الموظف البسيط في أصغر وحدة إدارية
انتهاء بالمدراء العموم والوزراء.
ولا أعتقد أن توفير التمويل سيدعو الجيش إلى مغادرة العمل في الاقتصاد
الوطني وكف يده عن السيطرة على مقدرات الدولة، بل سيكون دافعا لمزيد من التوحش
والسيطرة بمبرر توفر التمويل وتوفر الأيدي العاملة المجانية (المجندين) لديه،
وبالتالي يستطيع أن ينتج السلع ويقدم الخدمات بتكلفة أقل بكثير مما يستطيع القطاع
الخاص أو حتى القطاع الحكومي تقديمها به.
أما سبب ضعف التخطيط الاقتصادي وتناسبه مع الظروف الدولية والظروف الخاصة
للدولة فليست ناتجة عن عدم توفر التمويل، بل إن القائمين على أمر التخطيط
الاقتصادي في مصر يحصلون على البيضة الذهبية دائما، وبالتالي فتوفير التمويل لن
يحل ضعف التخطيط الاقتصادي.
أما عن توفر الإرادة السياسية والوطنية لمعالجة المشكلات الاقتصادية في مصر
أو أي مشكلات، فلن يزيل هذا السبب توفير التمويل، بل يمكن أن يكون توفر التمويل مع
عدم توفر الإرادة الوطنية مع تفحل الفساد الإداري فرصة لمزيد من بيع الولاءات لدول
أخرى، والمبرر هنا إنقاذ مصر والاقتصاد المصري على خلاف الحقيقة.
يمكن أن يسهم توفير التمويل في تحقيق التأهيل الكافي للجهاز الإداري للدولة ومؤسساتها لتقوم بمهامها في معالجة المشكلات الاقتصادية، ثم الانطلاق لتحقيق التنمية، لكن هل التمويل فقط هو ما يلزم لذلك؟ يعتقد المنصفون بأن متطلبات تحقيق التأهيل أجهزة الدولة كثيرة واحد منها فقط هو التمويل
ولا أعتقد أن توفير التمويل سيمنع أو يحجم انعدام الشفافية أو يحقق الافصاح
والمساءلة، بل على العكس سيكون دافعا لمزيد من الضبابية بغرض الحصول على أكبر
منافع شخصية من التمويل الجديد، سواء من حيث كيفية توفير التمويل أو من حيث الأصول
التي سيتم إصدار التمويل بالصكوك عنها أو المشترين للصكوك خاصة من خارج الدولة.
قد يساهم توفير التمويل في تحسين المناخ الاجتماعي من خلال توفير أدوات
ووسائل تحسين المناخ الاجتماعي من تأهيل داخلي وخارجي وتبادل الخبرات مع المجتمعات
المتقدمة، مما يسهم في دعم سبل التنمية الاقتصادية التي تساعد في معالجة المشكلات
الاقتصادية على المدى الطويل.
يمكن أن يسهم توفير التمويل في تحقيق التأهيل الكافي للجهاز الإداري للدولة
ومؤسساتها لتقوم بمهامها في معالجة المشكلات الاقتصادية، ثم الانطلاق لتحقيق
التنمية، لكن هل التمويل فقط هو ما يلزم لذلك؟ يعتقد المنصفون بأن متطلبات تحقيق
التأهيل أجهزة الدولة كثيرة واحد منها فقط هو التمويل.
وبعد.. فإن دور الصكوك في حل المشكلات الاقتصادية في مصر يمكن أن يكون
حقيقيا في بعض الجوانب مع توفر متطلبات أخرى، وهذا هو موضوع الحلقة الأخيرة في
سلسلة المقالات بهذا العنوان.