"الشكُ في العملِ السياسي هو عينُ اليقين"، يزداد إيماني بهذه القاعدة خاصة في الساحة العربية التي نحن جزء منها، حيث يبني الساسة فكرهم وسلوكهم تجاه الآخر وفق قاعدة "أتغدى بيه قبل ما يتعشى بيا".
ويزداد الشك حين تتكرر ذات التجارب وبذات النتائج، وهنا يفرد المثل الشعبي عضلاته على مائدة الحوار ويبتسم قائلاً: ألم أقل لكم "اللي بجرب المجرب عقله مخرب"؟
منذ بدء جولات المصالحة
الفلسطينية دار الحديث حول عدة ملفات بالتزامن، لكن بقدرة قادر تم اختيار "الانتخابات" لتكون أولى العرائس التي تدخل الصالة باعتبارها المنقذ من الضلال.
لا بأس في ذلك، فالانتخابات من حيث المبدأ منهجٌ سليم وقويم ووسيم، ووسيلة لضخ دماء جديدة في شرايين العمل السياسي وإفساح المجال للمواطن كي يقول رأيه في الفعل والفاعل السياسيين؛ يقول لمن أحسن "تفضل جوا" ولمن أساء "ورجينا عرض كتافك". وهذا يحدث في الدول التي يحكمها القانون وتحترم مواطنيها، ويستطيع أصغر ناخب الإطاحة برأس الرئيس وقصقصة شواربه.
الانتخابات حديث المدينة، وهي الطفل الذي جاء لوالديه على "شوق وعطش"، ونحن حولها بين متشائم ومتفائل ومتشائل، فالزعيم يراها فرصة لتجديد شرعيته وشعبيته بين جميع الملكات، ويسعى لتفصيلها على مقاس "حضرة جنابه"، فإن أعطته ما يريد رضي بها وقّبل يديها وخدّيها، وإن لم تبتسم له صناديق الاقتراع كشّر عن أنيابه وكسّر الصناديق واتهم الشعب بأنه "مراهق ومش عارف مصلحته"، والمعارضة "مش مقصرة وشغالة على قدم وساق".
ونحن باعتبارنا جزءا من العالم العربي فإن الانتخابات غاية يجدد بها الزعيم فرص بقائه؛ مستندا للغلابة والمخدوعين الذين يرفعون أصابع أيديهم العشرة إلى عنان السماء ويصرخون "هشتكتنا وبشتكنا ياريس.. دنتا رئيس والنعمة كويس".
لكن خلال مسيرة التحضير للانتخابات قد يصل إلى قصر الرئيس ما لا يبشره بخير، وهنا يلجأ إما لخلق حدث يمنع إجراء الانتخابات، وإما يستثمر حدثا موجودا لمنعها. وبما أننا نعيش في عصر تولد الأحداث بشكل متسارع، فثمة حوادث قد تلعب دورا كبيرا في إبراز فكرة التأجيل:
1- كورونا: المعروف أن أُولى خطوات القضاء على كورونا هي منع التجمعات، وبما أن الانتخابات قائمة على فكرة التجمعات حيث المهرجانات الخطابية والزيارات الشعبية والرسمية، فإن احتمالية زيادة أعداد المصابين بكورونا واردٌ جداً، وبما أننا حريصون على صحة الشعب "فلنؤجل الانتخابات".
2- تصدعات فتحاوية، فحركة
فتح تعيش حالة مترهلة، وكل يوم نسمع عن انشقاقات وفصل، في ظل وجود حالة قوية جدا من الاتحاد والانضباط داخل الخصم السياسي القوي لفتح، وهو حركة
حماس.
3- عودة قيادات تيار دحلان لغزة، فذلك قد يدفع عباس لابتكار شروط جديدة ويضع حماس في الزاوية: إما أنا وإما دحلان.
4- التذرع بالتهديدات الصهيونية لعدم السماح التام لإجراء الانتخابات وعدم السماح لعباس بإشراك حماس في النظام السياسي الفلسطيني.
فمتى ستُؤجَل وإلى متى؟
أرى أن إعلان تأجيل الانتخابات سيكون في أي يوم بعد الأول من أيار/ مايو (الوقت الحرج) وإلى أمد غير معلوم، وخلال تلك الفترة ستدخل الساحة السياسية في متاهة جديدة، ويكون الزعيم قد استفاد من معرفة أسماء كل قائمة حتى ينظر في أمرهم، ويختلق شروطا جديدة ويضع الأطراف الأُخرى في خانة ضيقة، وليس أمامهم إلا الانسجام مع رؤيته، والا فالعواقب وخيمة.
تلك كانت رؤيتي لواقع فلسفة الانتخابات في بلادنا، ويبقى هذا توقع مبني على تجارب سابقة، ورغم ذلك أتمنى ألا تتأجل، وإن شاء الله تجري في ظل ظروف آمنة وديمقراطية، حتى يشعر المواطن بأن له صوتا وكلمة.