تؤكد التجارب القادمة من بطن التاريخ بأن أفُول نجم كيانات وظهور أخرى سواء من رحمها أو رحم آخر هي مسألة عادية، وتدل على ديناميكية المجتمع الذي يفرض ويحتاج لفكرة أو كيان في زمنٍ ما، فإن حافظ الكيان على عوامل بقائه، بقي، وإلا فموته واندثاره في انتظاره.
وهذا يحدث في دول كثيرة، إلا في عالمنا العربي يصر الحزب الحاكم على تصدر المشهد رغم أن أفعاله المقيتة قد عرته من عوامل الجاذبية ولم يبق لديه من القمح ما يستثير فضول الجماهير، وبرغم بروز كيانات جديدة تحمل رغبة في إحداث تغييرات إيجابية.
وبما أننا جزء من العالم العربي لسنا بمنأى عن هذه الفلسفة المقيتة، فإننا نعاني من أزمة استيعاب لبعضنا البعض رغم الشعارات الرنانة الجميلة عن الشراكة، ويؤكد قولي ما حدث في
حوارات القاهرة التي يُفترض أنها تؤسس لمرحلة جديدة في العمل السياسي قوامها الشراكة والاستيعاب، فإذ بها - وأخشى ذلك - تؤسس لمرحلة جديدة من تعميق الجرح، وإلا، لماذا يصر بعضنا على إقصاء بعضنا الآخر رغم أننا شركاء في الهم والغم والدم، ورغم أن "المُقصي" يدعي ويتغنى بأنه يقود مؤسسة تحمل شعار الممثل الشرعي والوحيد للشعب
الفلسطيني، ورغم أن "المُقصى" يحمل هوية فلسطينية وبندقية وقضى من عمره سنوات في سجون الاحتلال ولم يرتكب جرماً يخالف الشرع والفرع ومقتضيات الوطنية.
في حوار القاهرة المنعقد في ٨ شباط/ فبراير ٢٠٢١، تجتمع
فصائل فلسطينية كخطوة أولى بعد المرسوم الرئاسي الانتخابي نحو
الانتخابات.. أقول فصائل فلسطينية، ولم أقل الفصائل الفلسطينية، لأن هذا الحوار استثنى بعض الفصائل رغم حضورها الجماهيري والميداني ومواقفها المشرفة، وفتح بابه لفصائل من يتأملها بموضوعية يجد أن منها أكل عليها الدهر وشرب (سفن أب)، ولم يبق لها وجود إلا على فيسبوك والواتساب، وتأخذ مصروفها من الزعيم الأب، لكن لأنها تسبح بحمد الزعيم الذي يغدق عليها من عطاياه فقد تم استدعاؤها لضمان أن ترفع إصبع السبابة إلى عنان الاجتماعات؛ موافقة على ما يوافق عليه الزعيم وتعارض ما لا يروق له.
وهنا أسألُ: أيعقل أن يُسمى حواراً وطنياً فلسطينياً شاملاً وهو يُقصي فصائل فلسطينية؟ الإجابة "لا"، لأنه لا يعقل أن ننظرَ للمثلث الناقص ضلعا على أنه كامل الأوصاف، أو أن نعتبر المربع الناقص ضلعا كما المربع الكامل ويقوم مقامه، لأن المنطق الرياضي يقول "NO"، فهذا نوع من الجنون والعبث بالنظريات العلمية، لكن المنطق السياسي القائم على الفكر الفرعوني "لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد "، يقول "YES"، فكل شيء في عالم "البولتيكا" وارد وجائز يا أحلى العجائز.
منهجية الإقصاء بحق فصائل فلسطينية لها حضورها مثل "حركة الأحرار والمجاهدين ولجان المقاومة وحركة المقاومة الشعبية" لا تبشر بخير في ظل الحديث عن انتخابات، وتزيد الشكوك في قلب من يشك، وتزيد من إحباط الشارع الفلسطيني، ولا تجعل للحوار نكهة إيجابية لأنه سيعتبر حوارا وطنياً ناقصاً، فاعتبروا يا أولو الألباب.