منذ عدة أيام أثيرت مناقشات عديده في عدد من مواقع التواصل والقنوات حول قضية شرعية الحكم في
مصر، وهل انتهت المطالبة بالحكم الشرعي بوفاة الرئيس محمد
مرسي رحمة الله أو ماتت بموت الرئيس، وأن الشرعية عادت للشعب ولم تعد هناك ما تسمى بالشرعية.
وقبل أن نخوض في تحليل ما قيل حول الشرعية وأسبابه حتى نفهمه بشكل صحيح، فإنني أود التوقف أمام مصطلح "الشرعية" وما المقصود بهذا المصطلح.
فمصطلح "الحكم الشرعي" يعني الحكم القانوني، كما أن إضفاء أو إضافه كلمة الشرعي لأي نشاط تعني أنه قانوني، وبالتالي نبتعد عن المعنى الديني للمصطلح، وإن كان يعطي معنى قريبا إذا أخذنا المصطلح بمعناه الديني على أنه المسموح به أو الجائز، وبالتالي يمكن فهمه على أنه القانوني أيضا.
وظهر المصطلح مع بداية فكرة العقد الاجتماعي مع نهاية القرن السابع عشر على يد توماس هوبز وجون لوك، ولكن من أضاف للمفهوم وقسّمه إلى أنواع هو فايبير في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد أخذ عنه البعض بعد أن بدأت الخلافات مع الدكتور مرسي رحمه الله وتحدثوا عن شرعية الصندوق وشرعية الإنجاز وشرعية الشخصية الكاريزمية، وذلك للتقليل من الشرعية الحقيقية وهي القانونية للرئيس المنتخب.
وقد كتبت مقالا من قبل بعنوان "مات الرئيس ولم ولن تموت شرعيته" بعد وفاة الدكتور مرسي رحمه الله، وتناولت به كيف أن الشرعية التي كان يتحدث عنها الرئيس وأن حياته ثمنها؛ ليست شرعيته كرئيس، ولكنها شرعية النظام كله بسلطاته الثلاث القضائية والتنفيذية والتشريعية والذي منح النظام الشرعية أو القانونية هو الشعب الذي خرج في انتخابات حره نزيهه واستفتاء دون تزوير للدستور وباقي مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية.
وأكدت أن الشرعية يمنحها الشعب للنظام الذي ترتضيه الأغلبية وتوافق عليه بمكوناته المختلفة وتعود الشرعية للشعب مرة أخرى حسب النظام القانوني الدستوري الذي هو جزء من نظام الحكم ويحدد الأطر القانونية لمؤسسات الحكم المختلفة، وكيفية تجديدها، مثل حالة غياب الرئيس وعدم تمكنه من أداء مهامه، سواء للوفاة او للمرض وخلافه وبالتالي، لا يستطيع أحد أن يقول إنه يتنازل عن هذه الشرعية لأن لا أحد يملكها. كما أن الشعب نفسه لا يستطيع أن يسحب الشرعية إلا من خلال القواعد القانونية الدستورية الذي وافق عليها لتكون جزءا من نظام الحكم. فما حدث في 30 حزيران/ يونيو وما قيل عن مظاهرات لأكثر من عشرين مليونا طالبوا بعزل الرئيس والنظام الحاكم؛ لا يسقط الشرعية، لأنه تم دون الالتزام بالقواعد والأطر القانونية والدستورية التي اعتمدها الشعب نفسه في تكوين ذلك النظام.
وهنا أذكر بالمؤتمر الصحفي للمتحدثة باسم الخارجية الأمريكية يوم 3 تموز/ يوليو عام 2013، بعد إعلان الانقلاب، وكان هناك حشد من الصحفيين لمعرفة موقف الإدارة الأمريكية تجاه الأحداث التي حدثت في مصر. وتكلمت المتحدثة في الرد على أن النظام في مصر والرئيس مرسي كان منتخبا انتخابا حرا شهد له العالم أجمع، وبمشاركه جماهيرية كبيرة، فأجابت بأن الشعب أيضا خرج يوم 30 حزيران/ يونيو بأكثر من عشرين مليونا طالبوا بالتغيير، وبالتالي فإن ما حدث في 3 تموز/ يوليو وتدخل الجيش كان لرغبة الملايين من الشعب. فتحدث أحد الصحفيين، وكما أذكر كان مراسل صحيفة نيويورك تايمز، وقال لها لو خرج عشرين مليونا أو مئة مليون في مختلف الولايات الأمريكية تطالب بعزل الرئيس أوباما (وقتها)، وهو أيضا كان قد نجح بفارق ليس كبيرا عن منافسه ميت رومني في انتخابات 2012 الأمريكية، فهل سيتدخل الجيش الأمريكي ويعلن الأحكام العرفية ويدير الولايات المتحدة؟ فلم تستطيع المتحدثة الإجابة على السؤال المطروح وأنهت المؤتمر.
وبالرجوع إلى مصادر هذه المناقشات، وجدت أن معظمها تعود إلى ما بثته قناة الجزيرة في أحد برامجها على الجزيرة مباشر، وكانت تستضيف المقاول الفنان المصري الذي ذاع صيته في الفترة الأخيرة، محمد علي، والذي هاجم
السيسي وقصوره والفساد الذي ينخر في المؤسسة العسكرية بأفرادها، وتحدث عن مكالمة هاتفية كانت بينه وبين الأستاذ إبراهيم منير، نائب المرشد لجماعة
الإخوان المسلمين، وسأله بشكل محدد: ماذا يريد الإخوان، فأجاب الأستاذ إبراهيم بأن الإخوان يريدون أن يزول النظام الانقلابي العسكري، وأنهم لن يقبلوه ولو لساعة واحدة، وان تجري انتخابات حرة يتم من خلالها انتخاب رئيس ومجلس تشريعي، وغير ذلك من أركان نظام الحكم. ثم سأله مرة أخرى: هل يريد الإخوان بعد إزالة السيسي أن يحكموا هم؟ فأجابه الأستاذ إبراهيم بأن هذا غير صحيح، وأن من يحكم هو من يختاره الشعب المصري بانتخابات تتم بحرية ونزاهة، بغض النظر عن انتماءاته، إسلامية أو غير إسلامية، كما ذكر محمد علي الذي قال إنه قد سُر كثيرا من هذا التوضيح من الأستاذ إبراهيم لأنه لم يكن يعلم ذلك. وكان يعتقد (كما قال) أن الإخوان يريدون أن يفرضوا حكمهم بعد إزاحة السيسي.
ثم صدر تصريح من المتحدث باسم الإخوان ذكر فيه "أنه باستشهاد الرئيس مرسي رحمه الله تكون الشرعية قد عادت للشعب، هو صاحب الحق الأصيل فيها"، فبدأت الكثير من القنوات، سواء في مصر أو خارجها، وحتى القنوات التي تسمى بالمؤيدة للشرعية، تتناول الموضوع وتروج له على أن الإخوان تنازلوا عن الشرعية وأن الشرعية عادت للشعب، وغير ذلك من أخبار حول الموضوع.
وإذا نظرنا إلى ما قيل في الحديث وما صدر في التصريح، نجد أنه تناول موضوعين؛ الأول أن الإخوان سوف يبذلون كافة الجهود السلمية لإزاحة السيسي والنظام العسكري المنقلب. وهذا وارد وصحيح لأنهم هم القوى السياسية والشعبية الكبرى في مصر. كما أن الإخوان يريدون انتخابات حره نزيهه بعد إزاحة السيسي ويترشح لها من يكون ملائما وينتج عنها اختيار حقيقي للمصريين، وهذا أيضا صحيح ورغبة وأمنية للشعب المصري كله.
أما الجزء الأخر مما أثير وهو ما يدور حول الشرعية والتنازل عنها وغير ذلك، فلا أتصور أنه صحيح وأنه غير موفق لأنه ليس من حق أحد في مصر أن يتنازل عن شرعية نظام الحكم الذي تكون في مصر بعد 25 كانون الثاني/ يناير لأن من يتنازل عن شيء يجب أن يتملكه أولا حتى يكون من حقه منطقيا أن يقول إنه يتنازل عنه. ولكن إذا كان الشيء المتنازل عنهليسل ملكي فمن القانوني وحتى العرفي أنه لا يمكني التنازل عنه.
وأكرر وأقول إن شرعية الرئيس الشهيد محمد مرسي رحمه الله ونظام الحكم الذي كان يمثله لا يملكها الحزب الذي كان ينتمي له الرئيس مرسي، ولا أي حزب آخر ولا الرئيس نفسه عليه رحمة الله، ولا الشعب المصري كله، إلا إذا تم تغيير هذا النظام طبقا للقواعد القانونية التي اعتمدها الشعب في الدستور الشرعي ووقف الساعات أمام أبواب لجان الاستفتاء للتصويت عليه.
وهنا قد يتساءل أحد منا أو يقول قائل: لماذا إذن لم نتعامل بالمثل مع نظام حسني مبارك؟ والرد أن نظام حسني مبارك لم يكن نظاما شرعيا لأنه كان امتدادا لنظام الدبابة العسكري منذ عام 1952. ومن المعروف من نظم الحكم العسكرية بالضرورة أنها ليست شرعية في الأساس، وأن الانتخابات والاستفتاءات التي كانت تحدث كلها مزورة وعلى غير رغبة الجماهير.
وقبل الختام، فإن ما يحدث في مصر في الشهور الثلاث الأخيرة منذ أيلول/ سبتمبر الماضي يذكرنا بما حدث في نهاية 2009، ومع عودة البرادعي إلى مصر وتأسيس ما أطلق عليه بالجمعية الوطنية للتغيير وأهدافها الستة، وكيف أنه سعى لجمع التوقيعات. وكان قد استهدف مليون توقيع حتى يثبت للعالم أن الشعب المصري وراءه، ويحصل على الضوء الأخضر للتغيير. وبالفعل جمع الشعب ما يزيد عن المليون توقيع لوثيقة التغيير الستة، ونعلم جميعا ما تم بعد ذلك، فهل ستتكرر نفس التمثيلية باستخدام اسم جديد هو وثيقة مصر ونرى نفس المشاهد السابقة؟ وهل أضاء الضوء الأخضر للتغيير فعلا؟ أم أنه لم يضئ بعد؟ والتمثيلية المكررة التي نشاهدها هي فقط محاولة ممن ليس لديه الإبداع الكافي لتنفيذ سيناريو جديد لتحقيق الهدف الذي يصبو إليه؛ ليس فقط المصريين بل العرب والمسلمين جميعا.
وختاما، فإن الأمل واليقين في الله ونصره دائما وأبدا، ونحن مطالبون بالعمل والاجتهاد.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل..