مؤامرة التاريخ تلاحق
الأكراد من مكان إلى آخر.. فهم من القوميات الأساسية المكونة للشرق الإسلامي "
تركيا وإيران والعراق وسوريا"، ولكنهم في مرحلة التقسيم القومي مروا بحالة تمزيق بحسب الجغرافيا التي حددتها الدول القومية ومن ثم الدول الوطنية..
واختلف وضع الأكراد من بلد إلى آخر، فلئن تعايشوا مع إخوانهم العرب في
سوريا دونما تمايز إلى حد كبير، فإنهم تقدموا خطوات في
العراق ليتحصلوا على إقليم خاص يدخل في حكم فيدرالي مع الدولة العراقية، الا أنهم في تركيا وإيران مروا بحالات متقلبة، كان أسوأها التي يمرون بها في تركيا.
صحيح كان للموساد الإسرائيلي دور بارز في تغذية الروح الانفصالية للأكراد، وقد تخصص ضباط أمن صهاينة بتدريب مجموعات مقاتلة كردية في شمال العراق، وكان الضابط الصهيوني ديفيد بن اليعازر الذي أصبح في أواخر وظائفه وزير حرب هو المشرف على المعسكرات الكردية العراقية بالاتفاق مع مصطفى البرزاني..
كان شاه ايران يومها حليفا للبرزاني والكيان الصهيوني فكان الدعم شاملا للحالة الانفصالية في شمال العراق، وتواصلت هذه الحالة الانفصالية إلى أن تبلورت بعد سقوط العراق وحل جيشه..
أما في تركيا، فكانت العلاقات السرية بين قوى عظمى وبين الأكراد تجري للضغط على الحكومة التركية وجرها لاستنزاف داخلي. وشهدت سنوات السبعينيات والثمانينيات تصعيدا عسكريا كرديا ضد الحكومة التركية، التي انخرطت في الحلف الأطلسي، وقامت بقمع واسع للحركة الكردية.
والآن، في ظل هذه الإشارة السريعة للوضع الكردي، يمكن النظر إلى الحالة الكردية السورية التي تجد دعما من الأمريكان وسواهم في تشكيل حالة سياسية فيدرالية شمال سوريا، ويتجدد الخطر بهذا على استقرار الدولة التركية التي لم يكن في حسبانها أن ترتد عليها الأزمة السورية بمثل هذا الحجم.
الأمر الذي جعل من الجبهات المتعددة مساحات من الفوضى التي تعيشها الدولة التركية في مواجهة كيانات سياسية كردية في جوار البلاد، وحيث يتواجد ملايين الأكراد الأتراك الغاضبين والمطالبين بحقوق ترتقي إلى تشكيل حالة فيدرالية، ويجدون في كيان الأكراد العراقي وكيان الأكراد في طور التكوين السوري مشجعا لهم ومنعشا لحلم الدولة الكردية، مقارنة بالدولة التركية والدولة
الإيرانية..
الأكراد يمرون بالامتحان الصعب مرة أخرى.. فهم هدف مباشر لنيران الدولة التركية والإيرانية، ولن يفيدهم مساعدات الأمريكان لهم، لأن الأمريكان يتحركون معهم ليس على مستوى استراتيجي، إنما من أجل تحقيق مصالح معينة، ويستخدمونهم لابتزاز دول الإقليم، وفي لحظة ما سيتقدم الجيش العراقي لإنهاء الانفصال، كما لن تسمح سوريا بالانفصال ولا تركيا ولا إيران.
درس قاس ومتكرر والأكراد المعذبون يعانون الحروب والقتل والتشريد لسبب مزدوج، شقه الأول سياسات انفصالية مدعومة من قبل الاستعماريين، وشقه الآخر سياسات الدول التمييزية تجاه الأكراد، وإبداء روح التوجس منهم، وعدم ادماجهم بالكلية في الدولة ومؤسساتها.
الأكراد مكون أساسي من هذه الأمة، ولقد دافعوا عن مقدساتها وأمجادها، ولكنهم باختيارهم طريق الانفصال يعرضون أبناءهم للقتل، وسلمهم إلى الفناء، واستقرارهم إلى التبعثر.
فرحمة بهم أن يبقوا جزءا في الأمة متداخلا بلا حيف.. تولانا الله برحمته.
(عن صحيفة الشروق الجزائرية)