"الاختلاف في
الرأي لا يفسد للود قضية" و "أصابع ايدينا مش زي بعضها" هذه هي
الأمثلة الشعبية التي يتداولها
المصريين عندما تختلف آرائهم، وبعدها يفضّلون غلق
النقاش بابتسامة رقيقة تصدر من الطرفين.
هذه كانت سمة معظم المصريين إلى وقت ليس بالبعيد، إذن ماذا حدث للشعب المصري؟ وكيف بدون أن نشعر تلاشت من بيننا ثقافة احترام كل وجهة نظر ورأي مخالف لآرائنا وأفكارنا وسماعه ومناقشته في أجواء يسود فيها الاحترام والهدوء وسعة الصدر!
كيف بدون أن نشعر أصبح خلافنا لايفسد للود قضية وحسب، ولكنه يفسد المودة والرحمة والسكينة ويتسبب في الشتائم والسباب والعراك.
حالة من الانقسام الحاد والاستقطاب المرضي، أصبحت السمة السائدة بين المصريين على المستوى الشعبي والأهلي، في القرى والمدن، بين أفراد الأسرة والأصدقاء والمعارف، الجميع أصبح يمارس نوعا من الرذيلة
الحوارية، ولا يمارسون الحوار بمفهومه ومضمونه الذي طالما تمنيناه كثيرا، وبفضل إعلام الفتنة والنخب منزوعة الضمير ساد المجتمع مناخ من الخصومة والعداء والكراهية الممسوسة شرقا وغربا.
فعندما تطرح قضية معينة على ساحة النقاش، لكل منا وجهة نظر أو رأي أو انطباع عن ذلك الموضوع المطروح، أو تلك الحالة أو المسألة التي تناقش، ولما كانت الظروف التي يعيشها البشر وبيئاتهم ومستوى وعيهم وثقافتهم وتجاربهم المختلفة في الحياه، بالإضافة إلى اختلافهم في العمر والخبرة في الحياة واختلاف الأمزجة والنفسيات، كان من الطبيعي تبعا لتلك الاختلافات، أن يكون لكل منا وجهة نظر ورأي خاص، قد يتفق مع الآخرين أو قد يختلف معهم، بغض النظر عن صحة هذا الرأي أو عدم صحته.
لذلك فإن وجود أكثر من وجهة نظر ورأي حول الموضوع الواحد لا يمكن تفسيره على أنه حالة سلبية، بل على العكس فهي حالة إيجابية مفيدة ولابد منها، وهي من السنن التي أرادها الله في كونه لخير البشرية لا لشقائها، قال تعالي: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، فأعقل الناس من جمع إلى عقله عقول الناس فيستفيد من تلك الارآء والنقاشات التي تدعم رأيه وتنصره وتكون دافعا له للاعتداد برأيه وعدم الحياد عنه، أو قد تكون متضاربة ومختلفة مع رأيه ومخالفة لوجهة نظره، وفي هذه الحالة يستفيد أيضا من تلك الآراء في تصحيح بعض آرآئه وأفكاره الخاطئة إذا كانت آراء الآخرين وأفكارهم أشمل وأعمق وأدق من آرائه ووجهات نظره، وذلك بعد إقناعه واعتقاده شخصيا بها.
كل هذا يجب أن يحدث في جو يسوده أدب الحوار وأدب الاختلاف، كالاستماع والإصغاء أولا للأكبر سنا، أو الأكثر خبرة وعلما، إلى غير ذلك من الاعتبارات تدبت وتوتضعا في هذا الأمر.
فالالتزام بهذه الأسس والقواعد كفيلة لارتقاء الفرد في حواراته مع الآخرين، وكفيلة بتغيير نظرته لنفسه ونظرة مجتمعه له، وليكن قدوتنا في ذلك رسولنا الأعظم الذي خاطبه ربه قائلا: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وكيف استطاع بحلمه وعلمه وسمو أخلاقه أن ينتصر في حواراته مع المشركين ويقنعهم برسالته السمحاء، وذلك عن طريق الحوار العقلاني السليم كما علمه ربه "وجادلهم بالتي هي أحسن" فكانت نتيجة ذلك الحوار الذي استمر لسنوات عديدة إشراق نور الإسلام على الأمة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فهو أمي ولكن بفضل أخلاقه علم جميع المتعلمين، وأرسي سفينة رسالته إلى شاطئ يسوده السماحة في التعامل وتقبل الرأي والرأي الآخر.