صحافة دولية

هل خسر "الإخوان" نفوذهم في ظل تغير التحالفات السياسية؟

تأثير جماعة الإخوان المسلمين الذي كان يبلغ 64 بالمئة في سنة 2021 انخفض إلى 49.3 بالمئة عام 2022- جيتي
تأثير جماعة الإخوان المسلمين الذي كان يبلغ 64 بالمئة في سنة 2021 انخفض إلى 49.3 بالمئة عام 2022- جيتي
نشرت صحيفة "موند أفريك" الفرنسية، تقريرا، تحدثت فيه عن تراجع نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي والغرب في ظل تغيّر المواقف والتحالفات السياسية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن جماعة الإخوان المسلمين تخسر في واقع الأمر أرضية في الدول العربية وفي أوروبا ولكن نفوذها في ارتفاع في بقية أفريقيا والأمريكتين وآسيا، وذلك بحسب دراسة بعنوان "مؤشر القوة العالمية للإخوان المسلمين".

لتقييم القوة العالمية لهذه الجماعة، التي أسسها حسن البنا في مصر سنة 1928، فإن هذه الدراسة لا تقوم فقط بتحليل مؤشر القوة السياسية والأمنية لهذه المنظمة وإنما تنظر إلى قوتها الاقتصادية والإعلامية والمجتمعية. ووفقًا لباحثين من مؤسسة "تريندز" للأبحاث والاستشارات في أبوظبي، وجامعة مونتريال، ومنصة "بلورييل" الأكاديمية التي تُعنى بالإسلام، فإن تأثير جماعة الإخوان المسلمين، الذي كان يبلغ 64 بالمئة في سنة 2021، انخفض إلى 49.3 بالمئة في سنة 2022 وإلى 48 بالمئة في سنة 2023.

مصر وتونس، فشل الربيع العربي
ما أسباب فشل الإخوان في مصر وتونس؟ لم تكن الجماعة قادرة أبدا على اقتراح بدائل اقتصادية مقنعة، إذ إنها اعتمدت على الوصفات القديمة التي تتمثل في تجنيد أتباعها بكثافة في الإدارات. والأخطر من ذلك أنه بينما كانت الشعوب تتوقع من المسلمين الأتقياء الذين يصلون إلى السلطة أن يظهروا نزاهتهم، فإنهم اكتشفوا أن القادة كانوا بعيدين كل البعد عن تجاهل الثروات المادية.

وبحسب مؤشر القوة العالمية لجماعة الإخوان المسلمين 2022-2023 الذي تم تقديمه في 15 نيسان/ أبريل في باريس "حدث تراجع، أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، في التأثير الإعلامي والتحريضي للإخوان المسلمين بسبب عدم قدرتهم على العمل بطريقة مهنية، وافتقارهم إلى المصداقية وميلهم الشديد إلى الدعاية".

من الربيع إلى الشتاء العربي
في عمل بعنوان "وضع الإخوان المسلمين في اختبار السلطة: مصر وتونس (2011- 2021)"، ألقت سارة بن نفيسة، وبيير فيرميرين، نظرة على هذا التحول التاريخي، وكلاهما غير "متعاطفين" مع الفِرق التي كانت في السلطة خلال الربيع العربي. 

ومن جهته، أكد بيير فيرميولين، في مقابلة مع صحيفة "لوموند" (21/22-05) أن اختيار صناديق الاقتراع كان خيارا تكتيكيا، مسلطا الضوء على ازدواجية هذا التيار الإسلامي. 

ووفقا له، فإنه "يُظهر خطاب وممارسات السلطة (في عهد الإخوان) أن هدفهم على المدى الطويل لم يتغير. فالأمر يتعلق بإعادة أسلمة المجتمعات التي ليست مسلمة بما فيه الكفاية" لأنها وفقا لهم تقلّد الغرب الذي يقدس الدولة على حساب الله. ولا يمكن لخطاباتهم العامة أن تخفي أفعالهم. 

وتضيف سارة بن نفيسة، شيئا آخر في نفس المقابلة قائلة: "يجب ألا ننسى أن الأب الروحي للجهادية المعاصرة، سيّد قطب، ليس سوى المنظّر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين". وبالتالي، فإن هذا الطريق المختصر محفوف بالمخاطر للغاية عندما نعلم أن الجهادية لن تزدهر إلا بعد نصف قرن في أفغانستان مع حركة طالبان ثم في العراق وسوريا مع تنظيم الدولة.

اظهار أخبار متعلقة


وأشارت الصحيفة إلى أن الباحثين يتجاهلان إلى حد كبير الآثار الإيجابية للربيع العربي حيث حاول جزء على الأقل من الحركة الإسلامية الدمج بين القيم الديمقراطية والقيم القرآنية. وعندما صوتت حركة النهضة، في سنة 2014، على دستور يكفل حرية المعتقد ويرفض أن يصبح الإسلام دين الدولة التونسية، بمجرد بقائه دين الأمة، فإنه تم اتخاذ خطوة كبيرة لا يمكن إلا أن نرجعها إلى سبب بسيط وهو "التراجع التكتيكي" لأصدقاء راشد الغنوشي بعد الانقلاب المصري. 

وخير دليل على ذلك هو أن حزب النهضة، الحركة الإسلامية التونسية، سوف يشارك في حكومة ائتلافية لمدة خمس سنوات أخرى، ليصبح في انتخابات غير مزورة، القوة السياسية الرائدة في تونس.

اختفاء يوسف القرضاوي
هناك سبب آخر لفقدان هذا النفوذ يتمثل في تفتيت هذه الحركة بعد النكسات التي تعرضت لها في مصر وتونس. ومنذ الانقلاب العسكري الذي أتى بالمشير السيسي إلى السلطة، انقسمت جماعة الإخوان المسلمين إلى ثلاث فصائل: واحدة سرية في القاهرة، وفصيل في لندن، وثالث في إسطنبول. 

كما أن أشد المدافعين عنهم، تركيا وقطر، تصالحتا مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، التي تصنف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.

وفي سنة 2022، فقدت جماعة الإخوان المسلمين اثنين من أبرز شخصياتها، الداعية يوسف القرضاوي، الذي قدم برنامج "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة منذ فترة طويلة، وإبراهيم منير، وهو المرشد الأعلى المؤقت في منفاه بلندن.

تجدر الإشارة، إلى أن يوسف القرضاوي هو مصري ولد في 9 أيلول/ سبتمبر 1926. وهو عضو نشط للغاية في جماعة الإخوان المسلمين، وقد كرّس حياته للانتصار السياسي للإسلام. شارك في محاولة قتل عبد الناصر، وقضى أربعة أحكام سجنية. وفي سنة 1960 دافع عن أطروحته حول الزكاة ودورها الأساسي في حل جميع المشاكل الاجتماعية. وبعد تجريده من جنسيته، وجد السعادة في طريقه إلى الدوحة حيث أقام منذ سنة 1970.

"الحلال والحرام"
في سنة 1990 نشر العالم الديني والمؤلف متعدد الإصدارات يوسف القرضاوي كتابا من أكثر الكتب مبيعا وصلت أصداؤه إلى فرنسا بعنوان "الحلال والحرام في الإسلام". 

وبحسب القرضاوي فإنه "يجب على الزوج أن يحاول تصحيح موقف زوجته قدر استطاعته باستخدام الإقناع والتفكير الدقيق. وفي حالة الفشل، يهجرها في الفراش وإذا فشل هذا الأسلوب فيجوز له أن يضربها بيديه ضربا خفيفا، مع الحرص على تجنب الوجه أو الأجزاء الحساسة الأخرى. ولا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام عصا أو أي أداة أخرى يمكن أن تسبب الألم أو الإصابة". 

اظهار أخبار متعلقة


وكان اختفاء هذا الداعية الكاريزمي، الذي رافق الربيع العربي في مصر من قناة الجزيرة القطرية، وفي ليبيا وتونس على وجه الخصوص، بمثابة ضربة قاضية لقضية "الإخوان" كما يطلق عليهم بالعامية.

التوسع في آسيا
من ناحية أخرى، ليس كل شيء سلبيا بالنسبة لجماعة الإخوان. وتشير الدراسة إلى أن "الإخوان المسلمين في آسيا يتمتعون بقوة حقيقية في المجالين الإعلامي والسياسي، وذلك لعدة عوامل أهمها هجرتهم نحو آسيا بعد النكسات التي تعرضت لها منطقة الشرق الأوسط، تمهيدا على الأرجح لعودة قوية عندما يحين الوقت".

وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن متوسط قوة الإخوان المسلمين في آسيا يقدر بحوالي 83.2 بالمئة. وتأتي الأمريكتان في المرتبة الثانية بنسبة 64.1 بالمئة. بينما نجد أفريقيا في المركز الثالث بنسبة 56.8 بالمئة. تليها أوروبا بنسبة 53.5 بالمئة. وأخيرا، في العالم العربي، تصل هذه النسبة إلى 34.7 بالمئة فقط.
التعليقات (0)