وقعت مدينة ود مدني، المعروفة بولاية الجزيرة، في يد قوات الدعم السريع بعد
أيام من القتال، وسط إشارات استفهام كبرى حول كيفية وقوعها في ليلة وضحاها.
وتعد المدينة ثاني مدن السودان مساحة بعد الخرطوم، وتشتهر بأنها
عاصمة زراعية مهمة جدا، وتضم أكبر مشروع زراعي بالري الانسيابي في العالم، بحسب ما
قاله الكاتب الصحفي السوداني والمحلل السياسي الدكتور ياسر محجوب لـ "عربي21".
وانتقل إليها جزء كبير من النشاط التجاري والاقتصادي بعد
اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/ نيسان الماضي، فيما
تبعد 186 كيلو مترا عن الخرطوم جنوبا.
اظهار أخبار متعلقة
ووصلت الحرب إليها السبت الماضي، حيث قامت قوات
الدعم السريع، التي تتهم بارتكاب جرائم حرب، بمهاجمة المدينة في محاولة للسيطرة
عليها.
وتمكنت تلك القوات من السيطرة على المدينة، ونشرت مقاطع
فيديو لتجول عناصرها داخل المدينة، ونشرت عبر حسابها على "إكس": "قوات
الدعم السريع تحرر اللواء الأول مشاة مدني ورئاسة الاحتياطي المركزي، وتسيطر على
مدخل كوبري (جسر) حنتوب من الشرق".
"خلل لا خيانة"
وكان يتواجد في ود مدني، الفرقة الأولى مشاة في الجيش السوداني، التي كانت بقيادة
اللواء أحمد الطيب، إلا أنه بعد يومين من المعارك، انسحبت الفرقة على حين غرة، وسط
تفاجؤ الأهالي.
عقب ذلك، أكد الجيش السوداني انسحاب قوات رئاسة الفرقة
الأولى من مدينة مدني، مشيرة إلى أنه "يجري التحقيق في الأسباب والملابسات
التي أدت لانسحاب القوات من مواقعها شأن بقية المناطق العسكرية، وسيتم رفع نتائج
التحقيق فور الانتهاء منها لجهات الاختصاص، ومن ثم نشر الحقائق للرأي العام".
الانسحاب خلق جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي،
حيث تساءل المغردون عن السبب وراء الانسحاب دون أدنى مقاومة، وما طبيعة الانسحاب؟
ويتبين من بيان الجيش السوداني أن الانسحاب لم يكن بأمر
منهم، وهو ما يرجح أن القرار جاء من قبل اللواء قائد الفرقة.
هذا الترجيح، فتح باب الاتهام للواء أحمد الطيب، وقالوا بأنه
ارتكب "خيانة عظمى" مع ضباطه بترك مدينة مدني بيد الدعم السريع، مطالبين
بمحاكمته علنا، لمعرفة الأسباب الحقيقية خاصة لعدم استهدافهم لقوات الدعم السريع
بواسطة الطائرات الجوية.
من جانبه، يرى الدكتور ياسر محجوب، أن تصريحات القيادة
العامة للجيش السوداني تنفي وجود أي خيانة. واستدرك أن "قائد فرقة الجيش في مدني استبدل به قائد آخر، ما يشير إلى وجود خطأ ما أو تقصير"، حسب قوله.
وأضاف لـ"عربي21": "الحرب كر وفر، لذا لا يمكن نسب أي إخفاق إلى كونه خيانة ما، والحقيقة تنشد الدعاية المضادة من قبل المليشيا لتسويق ذلك تثبيطا للروح المعنوية لمقاتلي الجيش وللمواطنين على حد السواء".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى أن الخلل يكمن في إعلام الجيش السوداني الذي "لم يرتق حتى الآن لمستوى الأخطار الأمنية التي تواجهها البلاد"، وفقا لرأيه.
كما انتشر مقطع صوتي للفريق أول ياسر العطا، يعلق فيه على ما حصل في مدني، قائلا: "الجيش لن يخون ولن يبيع، ومعركة مدني ليست آخر المطاف، والحرب سينتصر فيها الجيش عاجلا غير آجل".
"إخلائها بعد بعد نهبها"
واستبعد المحلل السياسي السوداني، أن يكون لدى الدعم السريع منهج حرب احترافي يعتمد عليه في قتاله، مبينا أنه يركز على "الغنائم"، عن طريق سرقة وسلب اموال المواطنين.
وذكر محجوب أن تلك القوات "استطاعت إحداث اختراق في الروح المعنوية للجيش والمواطنين، باعتبار أن الدعم الشعبي للجيش يعتبر أهم مصادر تفوق الجيش عليها"، كما قال.
ولفت إلى أن قوات الدعم السريع التي يصفها محجوب بـ "المليشيا"، سوف "تخلي بعد نهبها، وهو ما يجري اليوم".
وتابع: "ستكتفي بإرسال رسالة بأنها قادرة على التخريب واحراج الجيش، وربما تعتقد أن ذلك يقوي موقفها في أي تفاوض يتم لاحقا".
اظهار أخبار متعلقة
اظهار أخبار متعلقة
وكانت لجان المقاومة في مدينة "ود مدني" عاصمة ولاية الجزيرة
بالسودان، قد اتهمت قوات الدعم السريع بشن حملات نهب وسلب واسعة عقب سيطرتها على
المدينة بعد اشتباكات ضارية مع الجيش السوداني.
وأظهرت مقاطع مصورة عناصر من الدعم السريع خلال قيامهم بعمليات نهب في المدينة التي شهدت موجة نزوح كبيرة مع احتدام الاشتباكات، كما وثقت مشاهد أخرى لحظات إضرام النار في أحد المصارف.
كما وثقت مقاطع مصورة استيلاء عناصر من "الدعم السريع" على أمول البنك المركزي في "ود مدني".
اظهار أخبار متعلقة
ومع انتشار هاشتاغ #أنقذوا_السودان، كتب المعلق الجزائري حفيظ دراجي، منشورا مؤثرا عبر "إكس" عن تفاقم الأوضاع في السودان، قال فيه: “اللهم نستودعك أهلنا في السودان، الذين يعيشون منذ أشهر أجواء حرب مفروضة عليهم من طرف مليشيات قوات الدعم السريع المدعومة بالسلاح والمال من أنظمة عربية عينها على ذهب السودان و خيراته”.
وأردف: "الدعم السريع" تستبيح دماء السودانيين وتنهب البيوت والممتلكات، وتمارس إبادة جماعية وتصفية عرقية لأهلنا، ما أدى الى تهجير 6 ملايين سوداني من مدينة الخرطوم، وتوقف 19 مليون طفل عن التعليم في السودان الذي صارت فيه الحياة لا تطاق، بسبب انعدام المياه، وانقطاع الكهرباء أمام أنظار جامعة عربية لا ترى ولا تسمع ولا تتحرك لإنقاذ شعب عظيم يتألم بعيدا عن عدسات الكاميرات وشهادات ناس يخافون على أرواحهم إذا نشروا معاناتهم في حساباتهم.
ويخوض الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح
البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة
حميدتي، حربا متواصلة منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي، ما تسبب بمقتل أكثر من 12 ألف شخص وما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ، وفقا لأرقام الأمم المتحدة.