نشرت مجلة "
نيويوركر" الأمريكية تقريرا سلطت فيه الضوء على نتائج اجتماع قمة
المناخ "كوب 28" والإنجازات الرئيسية والتحديات المستقبلية.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد ثلاثة عقود من الاتفاق على تجنب الاحتباس الحراري "الخطير"، اعترفت دول العالم اليوم بأنه لا بد من "الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري". وهو ما تم تأكيده في الصفحة الخامسة من الوثيقة النهائية التي انبثقت عن الجولة الأخيرة من مفاوضات قمة المناخ "كوب 28"، التي انتهت للتو في دبي. ويمثّل هذا البيان إما إنجازا حقيقيا من شأنه أن يسمح للعالم بتجنب الكارثة، أو يكشف مدى انحراف الأمور عن المسار الصحيح.
أولا، من المتوقع هذه السنة أن يصل إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة العالمي الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري إلى 36.8 مليار طن متري، مع إضافة الانبعاثات الناجمة عن التغيرات في استخدام الأراضي، ومعظمها متأتية من قطع الغابات، أربعة مليارات طن أخرى.
من ناحية أخرى، يشهد العالم بالفعل ما يصفه العديد من العلماء بتغير المناخ "الخطير"، الذي يشمل موجات الحر الشديدة، والأمطار الغزيرة، والأعاصير متزايدة السرعة، والذوبان المتزايد للجليد في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية.
وفي ظل هذا الوضع، الذي يمكن أن نصفه "بالأليم"، حاول عشرات القادة، بما في ذلك قادة دول الاتحاد الأوروبي، في دبي الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن "التخلص التدريجي" من الوقود الأحفوري. وبالنسبة لممثلي الدول الجزرية الصغيرة، التي يتعرض الكثير منها لخطر الغرق تحت ارتفاع منسوب مياه البحار، تعتبر هذه المسألة وجودية.
لكن وراء الكواليس، كانت العديد من الدول الأخرى - خاصة المملكة العربية السعودية على ما يبدو - تتراجع عن وعودها. (فحوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي للسعودية توفّره مداخيل الوقود الأحفوري). ويوم الإثنين، أصدر رئيس الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، سلطان أحمد الجابر، الذي يصادف أنه رئيس شركة النفط المملوكة للدولة في
الإمارات العربية المتحدة، مشروع قرار حذف صيغة التخلص التدريجي.
اظهار أخبار متعلقة
ذكرت المجلة أن هذا التحرك يعتبر بمثابة استسلام لمصالح الوقود الأحفوري، وكان رد الفعل عنيفا، حيث قال جون سيلك، رئيس وفد جزر مارشال: "لن نذهب بصمت إلى قبورنا المائية". وقال نائب الرئيس السابق، آل جور، في تغريدة على تويتر: "إن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) حاليا على وشك الفشل التام".
بعد يومين ظهر قرار جديد. في هذه النسخة، وبموجب المادة الثانية (أ)، تم حث الدول على اتخاذ خطوات للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، بما في ذلك "الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري في أنظمة
الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة". وعند هذه النقطة، كانت الجلسة قد دخلت بالفعل في الوقت الإضافي، وسرعان ما تم اعتماد المسودة الجديدة، التي أطلق عليها اسم "إجماع الإمارات العربية المتحدة". ووصف الجابر الصفقة بأنها "تاريخية"، مضيفا "لقد حققنا نقلة نوعية".
كتبت فيونا هارفي، من صحيفة "الغارديان" أن "الأمر يتطلب دولة منتجة للنفط لإدخال مثل هذا الالتزام في نتائج مؤتمر المناخ للمرة الأولى، وهو أمر رائع. وحقيقة أن رئيس هذه القمة يكون الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية في الإمارات العربية المتحدة، "أدنوك"، يكاد يكون أمراً يتحدى الاعتقاد". وترى التقييمات الأكثر تفاؤلاً أن الاتفاق سيرسل إشارة قوية إلى السياسيين والمستثمرين والناشطين.
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: "أعتقد أن هذه نقطة تحول عالمية". ولكن كيف يمكن أن تكون هناك حاجة إلى 28 جلسة تفاوض للاتفاق على ما كان واضحًا للجميع؟ ما الذي يعنيه أن التعامل مع تغير المناخ سيتطلب التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري أو التحول عنه؟ هذا هو السؤال الذي يقودنا إلى الاحتمال الثاني، وهو أن "الترحيب بهذه الاتفاقية باعتبارها علامة بارزة هو في الواقع مقياس للإخفاقات السابقة"، وذلك على حد تعبير جيمس دايك، المدير المساعد لمعهد الأنظمة العالمية في جامعة لندن البريطانية.
اظهار أخبار متعلقة
يمثل تجنب الاحتباس الحراري "الخطير" قلب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وهي المعاهدة التي تمت صياغتها في سنة 1992. (أصبحت كل دولة في العالم تقريبا الآن طرفا في الاتفاقية، ومن هنا جاء مؤتمر الأطراف). وفي السنوات التي تلت اعتماد المعاهدة، أطلق العالم كميات من ثاني أكسيد الكربون أكبر مما أطلقه طوال آلاف السنين السابقة من تاريخ البشرية.
حسب المجلة، يعكس هذا السجل الكئيب الإخفاقات والمظالم من مختلف الأنواع، وما يوحدهم هو الرفض ــ من جانب الشمال العالمي إلى حد كبير، ولكن أيضا بشكل متزايد من جانب دول الجنوب ــ لمواجهة مجموعة بسيطة من الحقائق الجيوفيزيائية.
حرق الوقود الأحفوري ينتج حتما ثاني أكسيد الكربون. ويتواجد ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لفترة طويلة ــ قد تصل إلى قرون ــ وكلما زاد تراكمه في الهواء، أصبح الكوكب أكثر دفئا. (والكارثة الإضافية أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تزيد حموضة المحيطات).
أنتجت الرغبة في تجنب مواجهة هذا الواقع المؤسف عددا كبيرا من المخططات للتعامل مع تغير المناخ دون التعامل مع الوقود الأحفوري. لقد تم اقتراح أنه يمكن احتجاز الانبعاثات الصادرة عن محطات الطاقة ومن ثم ضخها تحت الأرض، أو امتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الهواء باستخدام المواد الكيميائية، أو يمكن إزالتها عن طريق زراعة ملايين الأشجار، التي سيتم حرقها بعد ذلك، مما ينتج عنه انبعاثات يمكن محاصرتها، وما إلى ذلك.
أشارت المجلة إلى أن البيان الختامي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ يؤيّد ضمنا هذه المخططات من خلال الإشارة إلى "خفض الانبعاثات"، وهي الكلمة التي يتم استخدامها بشكل أو بآخر أربع مرات.
في نهاية المطاف، فإن ما يهم بطبيعة الحال ليس ما تتفق عليه البلدان على الورق بل ما تفعله بالفعل. وعندما حاول السعوديون عرقلة لغة التخلص التدريجي، كان من الممكن القول إنهم كانوا صادقين ببساطة، فهم لا يعتزمون التوقف عن تصدير أو استخدام الوقود الأحفوري.
اظهار أخبار متعلقة
كانت دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة مخادعة في دبي، فقد ضغطت من أجل التخلص التدريجي، لكنها لم تظهر سوى القليل من الأدلة على التحول عن إنتاج الوقود الأحفوري أو حتى إبطاء إنتاجه. (في السنوات الأخيرة، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط على مستوى العالم، حيث تنتج نحو 20 مليون برميل يوميا، وأيضا أكبر منتج للغاز الطبيعي على مستوى العالم).
من المؤكد أن الجميع يجب أن يأملوا أن تمثل نتائج المفاوضات في دبي، على حد تعبير الجابر، "نقلة نوعية". ولكن بعد 28 مؤتمرا مشتركا، و28 سنة من ارتفاع الانبعاثات، أصبحت الشكوك مبررة بوضوح. وربما بحلول مؤتمر الأطراف في السنة المقبلة، ستزداد أهمية دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيكون الإجماع واضحا. ومن المقرر أن تعقد الجلسة في دولة نفطية أخرى وهي أذربيجان.