في الوقت الذي تحيي فيه دولة
الاحتلال الذكرى السنوية الخمسين لحرب أكتوبر 1973، فلا زالت الاستخلاصات تصدر تباعا حول الإخفاق الذي وقعت فيه، وما أسفرت عنه من دفع ثمن باهظ، ليس فقط الآلاف من القتلى، بل تزعزع الثقة في الدولة، بسبب مجموع الأخطاء التي وقعت فيها.
الجنرال عوزي ديان القائد الأسبق للمنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، ذكر أن
حرب أكتوبر شكلت مفاجأة استراتيجية في الوعي الإسرائيلي، لا سيما أنها كانت على شكل
هجوم مفاجئ منسق على جبهتين: قناة السويس ومرتفعات الجولان.
وأشار إلى أنه "ساد العمى في المفهوم القائل بأن
مصر لن تهاجم إسرائيل، رغم أن كل علامات الاستعداد للحرب تم تفسيرها على أنها تدريبات فقط".
وأضاف في
مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "
عربي21" أنه "اليوم بعد مرور خمسين عامًا على تلك الحرب، ما زلنا نعيش تبعاتها، بدليل أن الحرب ما زالت قائمة، رغم السلام مع مصر والأردن، لكن عدم الاستقرار الإقليمي لا زال قائما".
وأوضح أن "حرب 1973 كانت آخر حرب متعددة الساحات، واليوم يجب على الجيش الاستعداد لاتخاذ القرار في الساحتين الجنوبية والشمالية، ولا ينسى العمق والجبهة الداخلية والعدو في الداخل".
اظهار أخبار متعلقة
ويعتقد الجنرال الإسرائيلي أن الهجمات الحالية في الأراضي الفلسطينية، لا تشكل تهديدا وجوديا بل استراتيجيا، في الوقت الذي يشكل عدم تماسك المجتمع الإسرائيلي نقطة ضعف.
البروفيسور أوري بار يوسف ذكر أن "الازدراء والغطرسة تعتبر أحد أخطر جذور الغفلة التي واكبت تلك الحرب، وشكلت مدخلا لأخطائها الفادحة، بما حملته من غطرسة مهنية وعناد وانغلاق، وشيوع نظرية الفوضى، التي بحثت عن تفسيرات متسلسلة بدأت بأحداث صغيرة، وانتهت بكارثة كبرى".
وأشار في ذلك إلى "المسؤولية التاريخية للضابط برتبة مقدم "يوني باندمان"، الذي أثّر بشكل كبير على مصير دولة الاحتلال، وهو من بين الستة الذين طردتهم لجنة التحقيق "أغرانت"، بسبب دورهم في حالة الغفلة التي عاشها الجيش والدولة بأسرها".
وأضاف في
مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "
عربي21" أن "بندمان ظهرت مسؤوليته عن الإخفاق أكبر من رتبته، فقد بدأ حياته المهنية في الاستخبارات 1954، وقضى معظم سنواته في البحث عن الجيش المصري، وبفضل خبرته الواسعة، اكتسب سمعة باعتباره أكبر خبير في هذا المجال، وبين 1963-1967 شغل منصب رئيس القسم العسكري المسؤول عن الأبحاث حول مصر وشمال أفريقيا، وفي ذروة الأزمة قبيل حرب 67، همس في أذن الجنرال إيلي زعيرا في الاستخبارات العسكرية- أمان، أنه عند بدء الحرب سينهار الجيش المصري، وفعلا هذا ما حصل، مما جعله المرجع المهني الأعلى فيما يتعلق بمصر ونواياها الحربية".
وأوضح أن "بندمان عرف بغطرسته المهنية، وثقته بنفسه التي لا تقبل الشكّ، رغم أن مكانته هذه عادت لأربعة عوامل: خبرته المهنية الاستثنائية؛ عدم وجود مسؤولين كبار من ذوي الخبرة في الشأن المصري، والسلطة الكاملة لرئيس "أمان" على تقييماته؛ وشخصيته الاستبدادية، التي أحبطت أي محاولة لتحدي تصوراته، التي استمرت بالاستهتار بقدرات الجيش المصري، رغم أنه منذ أكتوبر 1972، بدأت الأخبار تتراكم حول نية مصر فتح النار، واستعداداتها لذلك، لكنه استمر بنفيها".
وخلص إلى القول إن "باندمان شكّل تعيينه مقدّرا استخباريا عاملا للدولة في الشأن المصري خطأ فادحا، لأن الغطرسة المهنية والعناد الفكري والانغلاق على أي معلومات تتعارض مع معتقداته اعتبرت الأعداء الحقيقية لضابط مخابرات مثله، ومن سوء حظ الإسرائيليين أنه شغل هذا المنصب عشية الحرب، ودفعت الدولة ثمن ذلك بصورة باهظة".
اظهار أخبار متعلقة
جرت العادة في كل عام يحيي فيه الإسرائيليون الذكرى السنوية لانتكاسة حرب أكتوبر 1973، أن تزداد مخاوفهم من تكرار ذات الهزيمة في حال خاضوا مواجهة عسكرية كبيرة متعددة الجبهات، مما يجعلهم يحذرون دوائر صنع القرار فيها مما يصفونه "الانجراف" للأماكن التي يصعب العودة منها.
ومنذ قرابة خمسة عقود، لم يتبدد ضباب الغفلة التي أصابت الاحتلال، وتسببت في تلك الهزيمة، مع التأكيد على عدم استخلاصها للدروس المستفادة منها، بدليل النتائج غير المرضية للحروب التي خاضها الاحتلال منذ تلك الحرب.