كتب

قراءة في كتاب يؤرخ لعلاقة الإعلام بالقضية الفلسطينية قبل الاحتلال وأثناءه

كتاب يسلط الضوء على الدور الوطني الذي لعبه الإعلام في الدفاع عن فلسطين..
كتاب يسلط الضوء على الدور الوطني الذي لعبه الإعلام في الدفاع عن فلسطين..
صدر عن مركز الأبحاث ـ منظمة التحرير (رام الله، ط1، 2023)، الكتاب الموسوعي "أطلس الصحافة العربية الفلسطينية"، تحرير المؤرخ اليساري الفلسطيني عبد القادر ياسين.

وقد كانت الكاتبة الفلسطينية معالي أحمد عصمت، قد كتبت هنا في "عربي21"، في أيار مايو الماضي تعريفا بالكتاب وأهم محاوره، واليوم يسلط الكاتب والباحث الفلسطيني في الشؤون التاريخية أحمد الدبش الضوء على الدور المحوري الذي لعبه الإعلام في التعريف بفلسطين كبلد وهوية وشعب وقف في وجه كل الغازين والمحتلين.

هدف المُحرر، من وراء كتابه هذا، إلى "الاطلاع على الدور الوطني للصحافة العربية الفلسطينية". (تصدير المُحرر، ص 11) ولتحقيق هذا الهدف، كتب مُحرر الكتاب عبد القادر ياسين خمسة من فصول الكتاب الثلاثة عشر، بينما غطى الفصول الثمانية الباقية: صلاح عبد الرؤوف (مصر)، د. إلهام شمالي (فلسطين ـ غزة)، عادل عشماوي (مصر)، الراحل غسان الشهابي (فلسطين ـ سوريا)، إنشراح عاشور (فلسطين ـ هولندا)، الراحل على الخليلي (فلسطين ـ الضفة الغربية)، محمد كريم (فلسطين ـ سوريا)، منى أسعد (سوريا). 

جاء تقسيم الكتاب في أربعة أبواب (313 صفحة من القطع المتوسط)، أختص أولها بالصحافة العربية الفلسطينية تحت الاحتلال البريطاني (1918 ـ 1948)؛ وضم أربعة فصول، جاء أولها تحت عنوان: "رصد صحافة الحقبة"، عدد المؤرخ اليساري الفلسطيني عبد القادر ياسين، جملة من المحدّدات لظهور الصحافة العربية في فلسطين، منها: المحدد الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي. فكان أول ظهور للصحافة العربية، في فلسطين، بعد دخول الطباعة العربية إلى فلسطين بثلاثين عامًا، "ففي عام 1876، أصدرت السلطات العثمانية صحيفتي (القدس الشريف) و(الغزال)".

واتسمت الصحافة حينذاك بـ"التكلف، في الشكل والإخراج، كما في المحتوى". واتسمت  موضوعات صحف المرحلة الأولى من الحركة الوطنية الفلسطينية (1918- 1929) بأنها "شاملة، ولغتها ــ بوجه عام ــ مهذَّبة، وعباراتها مفهومة، وكلامها ينطق بأدب جمّ، وغيرة وطنية مشكورة". وفتحت هبة البراق، في آب/ أغسطس 1929، صفحة جديدة في تاريخ الصحافة العربية الفلسطينية، التي اعتبرها المُحرر صحف المرحلة الثانية من الحركة الوطنية الفلسطينية، التي أظهرت "نشاطًا سياسيّاً مجدياً، رفد الحركة الوطنية الفلسطينية". فاشتدت الهجمات الصحفية على الاحتلال البريطاني، ما أدى إلى إصدار حكومة الانتداب، عام 1933، "قانون المطبوعات"، "من أجل مضاعفة القيود المضروبة على الصحافة".  أما المرحلة الثالثة فهي صحف أربعينيات القرن العشرين التي وقفت على "قدم المساواة مع الصحافة اللبنانية والسورية، وإن ظلت دون مستوى الصحافة المصرية، فنياً".

وتضمن هذا الفصل جداول بـ" اسم كل صحيفة صدرت حينذاك، وتخصصُّها، واسم صاحب امتيازها، ورئيس تحريرها، وتاريخ صدورها".

في الفصل الثاني "مجلة الاقتصاديات العربية"، استعرض الباحث المصري، صلاح عبد الرؤوف، فكرة مجلة "الاقتصاديات العربية" لمؤسسها فؤاد سابا، وسماتها وتوجهاتها، فعمدت إلى نقل "ما استطاعت من الجديد في علوم الاقتصاد"، و"أولت اهتماماً كبيرًا بفلسطين"، واستنكرت تدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين، و"اعتبرته إحدى النكبات التي مُنيت بها البلاد"، وينتقد عبد الرؤوف الغياب الإيديولوجي للمجلة، وتناقض الآراء على صفحاتها فيما يتعلق بالانتداب البريطاني.

تولت د. إلهام الشمالي، في الفصل الرابع، مهمة رصد "الصحافة الأدبية"، التي صدرت في هذه الحقبة، وهو فصل غني بالمعلومات عن الصحافة الأدبية في فلسطين، حيث "بلغ عدد الصحف الأدبية المتخصصّة في فترة الانتداب نحو 29 مجلة". وتستعرض المؤلفة أهم الصحف الأدبية، وتاريخ صدورها، واسم المؤسس. فقد "تميزت الصحافة الفلسطينية الأدبية، بأن معظم محرريها، وكتَّابها الرئيسيين، كانوا من الأدباء، المتعطشين للأدب".

أما الفصل الرابع "الصحافة والحياة السياسية"، ألقى المؤرخ عبد القادر ياسين  حزمة من الأضواء حول السياق السياسي للصحافة العربية الفلسطينية في هذه الحقبة.

تضمن الباب الثاني "صحافة ما بين النكبة والنكسة"، ثلاثة فصول، وغطى الباب سنوات ما بين النكبة 1948 ونكسة 1967، جاء أولها تحت عنوان: "صحافة قطاع غزة 1948 ـ 1967"، حيث رصد ياسين، الصحف العربية الفلسطينية التي صدرت في قطاع غزة. وقسم هذه الصحف إلى حقبتين، الحقبة الأولى من حكم الإدارة المصرية (1948- 1956)، والحقبة الثانية ما بين سنتيْ (1957 و1967).

وفي الفصل الثاني "الصحافة في الأردن"، عالج عادل عشماوي تطور الصحافة الفلسطينية في الأردن، خلال الفترة بين العاميْن 1948- 1967، وفق مراحل ثلاث: تمتد الأولى منها ما بين نكبة 1948، وحتى توحيد الضفتيْن، الشرقية والغربية لنهر الأردن (آيار / مايو 1950)؛ بينما تمتد المرحلة الثانية إلى التحوُّلات السياسية الدراماتيكية في الأردن (ربيع 1957)؛ ومن هذه التحوُّلات إلى نكسة 1967، حيث المرحلة الثالثة.

وتضمن هذا الفصل جداول بـ" اسم كل صحيفة صدرت حينذاك، وتخصصُّها، واسم صاحب امتيازها، ورئيس تحريرها، وتاريخ صدورها".

في الفصل الثالث "الصحافة والحركة السياسية في فلسطين المحتلة عام 1948، تناول الباحث الراحل غسان الشهابي، الصحافة والحركة السياسية في فلسطين المحتلة عام 1948، ودورها في التصدي للحركة الصهيونية، فبعد احتلال فلسطين 1948، وإنشاء الكيان الصهيوني، "تبلورت التيارات السياسية، وتم إفراز الأطر، والتنظيمات، ونشأت الصحف، التي خاضت معاركها". وتضمن هذا الفصل جدول يوضح أهم الصحف العربية في فلسطين المحتلة ما بين 1948 و1994.

أما الباب الثالث "تحت الاحتلال الإسرائيلي"، تضمن خمسة فصول، رصدت انشراح عاشور، في الفصل الأول تحت عنوان "في الضفة الغربية وقطاع غزة"، حركة الصحافة الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع، بعد حزيران/ يونيو 1967، حسب المراحل الزمنية التالية: الأولى من 1967- 1973؛ والثانية من 1974- 1978؛ والثالثة من 1979- 1987؛ أما المرحلة الأخيرة، فمن 1988- 1991. وركزت الباحثة على توضيح المعالم الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، لكل مرحلة، وتأثيرها على منحنى إصدار الصحف.

وتضمن هذا الفصل جداول بـ" اسم كل صحيفة ، وسنة صدورها، واسم رئيس التحرير، وصفتها ودوريتها".

بينما دون لنا علي الخليلي (رحمة الله) تجربته في العمل الصحفي تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ في الفصل الثاني "شهادة في التجربة الصحفية تحت الاحتلال". واستعرض الباحث النشأة الصعبة للإعلام الفلسطيني في المرحلة المبكرة، هذه النشأة التي "أنتجت، بالضرورة، قدرات مصقولة، ومتدربة على انتاج إعلام مقروء، وجد مجاله الواسع بين المواطنين القراء، ووجد دوره في التثقيف، والتوعية، والتربية، الاجتماعية والإنسانية، رغم كل الضغوط، والصعوبات".

رصد محمد كريّم في الفصل الثالث "صحافة المقاومة في دول اللجوء"، فـ"على الرغم من عدم البيان الصحفي للمقاومة، في دول اللجوء، قبل عالم 1967، فإن هذه الفترة شهدت تشكُل أنوية صحافة المقاومة الفلسطينية في الخارج". فـ"كانت حركة فتح سباقة في إصدار نشرة شبه علنية، أطلقت عليها اسم (فلسطيننا ــ نداء الحياة)، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 1959". و"في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1964، أشرف الأديب الفلسطيني غسان كنفاني على مجلة (فلسطين ــ ملحق المحرر)، استمرت في الصدور، حتى 6/7/1967، معبّرة عن وجهة نظر التنظيم الفلسطيني في حركة القوميين العرب". وبعد هزيمة الخامس من يونيو/ حزيران 1967، صدرت عدة صحف فلسطينية، يمكن التمييز بينها؛ فأولاً، ثمة صحف، والنشرات المركزية في التنظيمات الفلسطينية؛ وثانياً، الصحف، والنشرات غير المركزية؛ وصحف الاتحادات والنقابات المهنية؛ فالصخف المتخصصة؛ وأخيراً، الصحف الخاصة.

أما الفصل الرابع، فكتبه ياسين، عن "المعركة: شهادة على جريدة مقاتلة"، وهي التي صدرت إبان الحصار الإسرائيلي لبيروت (صيف 1982). وتتبع المحرر في الفصل الخامس، أيضاً مجلة "الجنى" الفلسطينية، التي صدرت في بيروت في العام 1994، واتسمت بمذاق صحفي خاص.

بينما تولت الإضاءة الأخيرة المحامية منى أسعد، حول "التشريعات الصحفية في فلسطين"، بداية من التشريعات العثمانية، في حقبة الحكم العثماني، مروراً بالتشريعات الصادرة من الاحتلال البريطاني، حتى سنة 1948، وأسفرت نكبة 1948، عن تقسيم فلسطين، إلى أراضي احتلتها القوات الإسرائيلية، وأخرى حملت اسم "قطاع غزة"، ووقعت تحت حكم الإدارة المصرية، فيما ضمت أراضي فلسطين الشرقية، إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وحملت منذئذٍ، اسم الضفة الغربية، ما أوقع هذه المناطق الثلاث تحت تشريعات متباينة. ونتيجة احتلال القوات الإسرائيلية للضفة والقطاع، إبان حرب 1967، أخضعت هاتان المنطقتان لتشريعات الاحتلال الإسرائيلي الجائرة، فيما ظلت أراضي 1948، تخضع لتشريعات من نمط آخر.

أما الملحق، فقد تمثل في نص "قانون المطبوعات والنشر للسلطة الفلسطينية".

وأخيرًا، لابد أن نسجّل ما ذكره د. عماد الأصفر، في تقديمه للكتاب، "لقد أبدع الأساتذة ـ بارك الله جهدهم ـ في تتبع ورصد وتوثيق وتحليل صحافتنا الصادرة في هذه المراحل، ورغم صعوبة ذلك بسبب غياب أو قلة المصادر وانقطاع الأجيال وغياب التوثيق واستيلاء الاحتلال الإسرائيلي على كثير من المكتبات والأرشيفات، فلقد تمكنوا من الإحاطة بأبرز المحطات وأغلبية الصحف، وأفلحوا في تعريفنا بالصحافيين الأفاضل من جيل المؤسسين، تاركين لنا مرجعاً مهماً يمكننا من مواصلة البحث في ثنايا هذه الصحف لاستجلاء واقع الحياة في تلك الأيام، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً".

*كاتب وباحث فلسطيني
التعليقات (0)

خبر عاجل