ببلوغرافيا

خصائص وهوية الزجل الفلسطيني.. أبو سعيد الحطيني ويوسف حسون نموذجا

شعراء فلسطينيون وظفوا الزجل الشعبي والعتابا لترسيخ الهوية في مواجهة الاحتلال.. أبو سعيد الحطيني ويوسف حسون..
شعراء فلسطينيون وظفوا الزجل الشعبي والعتابا لترسيخ الهوية في مواجهة الاحتلال.. أبو سعيد الحطيني ويوسف حسون..
زخرت فلسطين قبل النكبة بالزجل الشعبي والعتابا وسطع نجم العديد من الشعراء، ومن أبرزهم الزجال مصطفى بدوي أبو سعيد الحطيني، أشهر زجال وحداء قبل النكبة وإثر النكبة في مخيم اليرموك، حيث هجر من حطين واستقر في المخيم، وكان كثير التردد على مضافة أبي هوين من قرية الشجرة واشتهر بقوله: "أنا أبو سعيد الحطيني الحدى وأعور من عيني اليميني"، كما أنه سطع نجم الشاعر الشعبي يوسف حسون، فما هي سيرتهما؟

أبوسعيد الحطيني

ارتبط اسم الشاعر الشعبي مصطفى البدوي (أبي سعيد الحطيني ) بقرية حطين قضاء طبريا، حيث ولد وترعرع ثم هجرّ إلى سوريا إثر النكبة الكبرى عام 1948، ليستقر وعائلته وأحفاده في مخيم اليرموك بعد إنشائه في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي؛ وسطع نجم أبو سعيد الحطيني كزجال شعبي ومن أشهر مقولاته "أنا الحطيني أعور بعيني اليميني".


                                           أبو سعيد الحطيني.. شاعر شعبي فلسطيني

اشتهر بكافة القرى والمدن الفلسطينية وبين الزجالين، وقد امتدح الزجال أبو سعود محمد الأسدي الحطيني قائلاً: "إنه من أذكى الشعراء وأجهرهم صوتا، إلا أنه لا يقيم وزناً للذي يبارزه بالشعر ولا يراعي مشاعره". وأثناء حضور الحطيني للمشاركة والمساهمة في قرية عيلبون؛ قام الزجال الفطن من مكانه، منتزعا سماعة مكبر الصوت منشدا "كلــّـــو إســـلام ونــصارى ووين راحوا بني مَعروف أهــلِ الكـَــرَم والأمـــــارَه وْإلهُــم بالتاريخ كـــتاب… ياحلالي يا مالي".

وتتبع قرية حطين قضاء مدينة طبريا شأنها في ذلك شأن قريتي لوبية والشجرة؛ ومن المعروف تاريخياً أنه جرت في القرية معركة ضد الصليبيين عام 1187 ميلادي، وتعتبر من أهم المعارك في التاريخ الإسلامي وانتصر فيها المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي وصولاً إلى تحرير القدس من رجس الصليبيين. وهجرت العصابات الصهيونية أهالي قرية حطين في السابع عشر من تموز 1948 حيث لجأ العديد منهم إلى سوريا ومنهم عائلة أبي سعيد الحطيني؛ ليعلو صوت الشاعر الحطيني مجدداً  سنة 1969 عبر إذاعة صوت فلسطين من القاهرة في أغنية يملؤها الشوق والحنين فقال:

"يا ريح سلملي على أوطاني
عالعين سلم مورد الغزلاني
أمانه بسربك يا حمام الدوحي
خذني معك صوب الحبايب روحي
دموعي العزيزة سايلي عاجروحي
ودموع عيني بللت قمصاني".

ومن تراثه الشعري: "من تل الفرس لادير حنا، تسمع لارزيز الخيل حنا، وحنا ما نبطل قول حنا، تنروي من العدى روس الحاب، كما أنه استشعر قائلاً في نيسان 1951، الحق ابن السيف ما بدها حكي، ومفتاح باب، لمجد دم المعركي، حاربوا أو الزموا حد السكوت، وخبر الأقلام حاجي بربكي، يا ملوك العرب أعداكم صهيون، والأرنبه في عهدكم عادت أسود، من شكاويكم وتحضير الشهود، في نضر كل الأمم صرنا قرود، في عالم الأرواح أغضبنا الجدود، حتى صلاح الدين في قبره بكي الحطيني.

توفي الحطيني وترك إرثاً غنائياً شعبياً زاخراً وعائلة من أبناء وأحفاد رفعوا راية الاستمرار بالمقاومة والكفاح الدؤوب حتى النصر والعودة.

يوسف حسون

ولد الشاعر الشعبي يوسف حسون في قرية شعب قضاء عكا في عام 1928، وكانت لديه موهبة الشعر الشعبي والزجل منذ ريعان شبابه. وتزاجل مع أهم الزجالين في فلسطين، وكان منذ الصغر يواظب على حضور حفلات الأعراس الفلسطينية التي يحضرها كبار الشعراء، وخصوصاً الشاعر أبا سعيد الحطيني، أشعر شعراء الزجل في فلسطين في ذلك الوقت.

وفي أحد أعراس قرية شَعَب عام 1942، وبينما كان الحضور يتجهّزون لسماع الشاعر أبي سعيد الحطيني، صاح الشاعر يوسف حسون من بين الحضور، وكان لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره ببيت عتابا أثار إعجاب الحاضرين. وأعجب به الحطيني، وصار يأخذه معه ليشاركه في الحفلات، ما أعطاه دفعاً معنوياً. وأحسّ يوسف حسون بمكانته بين الشعراء، ما حدا به أن يستعير "قمباز" والده (وهو ثوب يرتديه الرجال في المناسبات). وذلك تلبية لطلب من الشاعر أبي سعيد الحطيني، ليشركه معه في الأعراس، حتى يظهر في سنّ أكبر، نظراً لصغر سنّه في ذلك الوقت. وبعدها، ذاعت شهرته على مستوى فلسطين.


                                         يوسف حسون.. شاعر  شعبي فلسطيني

بعد نكبة 1948 هاجر يوسف حسون إلى لبنان، والتحق بالمعهد العالي للموسيقى. وبعدها أسّس عدداً من جوقات العتابا والزجل، وغنّى إلى جانبه أسعد سعيد وجريس البستاني ورفعت مبارك، وصار صاحب مدرسة في العتابا والميجانا والقصيد، وواحداً من أهم المراجع في الشعر الشعبي وخاصّة العتابا. فكان يزاجل الشعراء اللبنانيين الذين كانت تربطه بهم علاقة قوية، وكان أبرزَ وجوه الشعر الشعبي في العالم العربي، وله العديد من القصائد الشعرية المنتشرة والمعروفة للّبنانيين من شعراء وأدباء وفنانين كما الفلسطينيين.

وغنّى من كلماته العديد من الفنانين مثل نصري شمس الدين وفهد بلان وسميرة توفيق وسمير يزبك وغازي الشرقاوي. وقد غنّت من كلماته الفنانة نجوى كرم، الكثير من أبيات العتابا، وكذلك الفنان محمد إسكندر. وغنى له الفنان جورج وسوف قصيدة "يا جارتي".

وكان الفنان علي حليحل صاحب موهبة أيضاً، وتتلمذ في مدرسة الحسون الشعرية، وعلى يده، وغيره من المطربين اللبنانيين والسوريين. حتى إنَّ بعض الأغاني كانت تنسب لفنانين آخرين، دون ذكر الشاعر يوسف حسون، وهي في الحقيقة من كلماته، وذلك لغياب حقوق الملكية في ذلك الوقت.

كان للشاعر يوسف حسون الدور الكبير في الحفاظ على التراث الفلسطيني، وإعادة الحياة للعادات الفلسطينية في المنابر المختلفة والأعراس والمناسبات التي كانت تقام في الشتات، وخاصة السحجة والدحية واللومة، وغيرها من التراث الفلسطيني الجميل. وما زالت أغانيه، حتى الآن، تُغنَّى في المخيمات الفلسطينية، حتى بعد رحيل الشاعر يوسف حسون، إذْ صار يؤديها ابنه الفنان بهاء الدين حسون.

لم تغب القضية الفلسطينية عن الشاعر، يوسف حسون، حتى رحيله. فقد عمل في إذاعة "صوت فلسطين"، ومن أبرز البرامج التي قدمها "غنّى الحادي" الذي اشتهر بمطلع الأغنية "غنى الحادي وقال بيوت بيوت غناها الحادي، سدّوا الدرب منين أفوت أفوت وأقدر بعنادي، فوق التل وتحت التل وبين الوادي والوادي، مين تسأل عنا بتندل بتلقاني وتلقى ولادي".

وقد زخر تاريخ فلسطين بالعديد من شعراء الشعر الشعبي والزجل قبل وبعد نكبة 1948؛ وكان من أهمهم "أبو سعيد الحطيني" ويمكن أن يعمل له فيلم وثائقي، خاصة أن غالبية أحفاده في دمشق ويعرفون الكثير عن جدهم .

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
التعليقات (0)