ليست هزّة واحدة بل عدّة هزّات أرضيّة بلغ أقواها حوالي 7.8 درجة على مقياس ريختر ضربت مدينة كهرمان مرعش جنوب
تركيا الأسبوع المنصرم، تبعتها هزّة أخرى بقوّة 7.5 درجة وما يزيد على الـ1600 هزّة ارتدادية أصابت جنوب تركيا وشمال سوريا.
وبحسب التصريحات الرسمية، يُعدّ هذا
الزلزال المُدمّر الأكبر على الإطلاق
منذ حوالي مئة عام. لقد دمّر الزلزال عند وقوعه على الفور حوالي نصف المدينة
بالكامل، وتضرّرت بشكل كبير العديد من المدن الأخرى في 10 ولايات مختلفة. كما طالت آثار الزلزال الشمال السوري المنكوب.
وبحسب الأرقام الرسمية، فقد خلّف الزلزال حتى لحظة كتابة المقال ما
يزيد على الـ22 ألف شهيد، منهم ما يزيد على الـ3 آلاف في شمال سوريا، كما وصل عدد الجرحى إلى حوالي 80 ألفا حتى الآن. وطالت آثار الزلزال السلبية أكثر من 13 مليون إنسان
بحسب التصريحات الرسمية. وبخلاف التكلفة البشرية المرتفعة التي خلّفها الزلزال
المدمّر، تأثرت البنية التحتيّة في المناطق المُصابة بشدّة، إذ دمّر الزلزال أكثر
من 6 آلاف مبنى، وتعرّضت العديد من الطرق السريعة التي تربط بين الولايات المنكوبة
للتصدع، مما عطّل أو أخّر استخدامها للوصول إلى أو الخروج من المناطق المنكوبة.
كما تعرّضت العديد من المطارات الموجودة في المنطقة إلى أضرار بالغة،
وأخرج الزلزال 4 منها من الخدمة بعد أنّ تشقّقت مدرجات هبوط الطائرات. وقد
عقّد سوء الأحوال الجوّية، وانقطاع الكهرباء، وزيادة الضغط على وسائل الاتصال،
وانقطاع النفط والغاز عن بعض المناطق من عمليات الإغاثة والمساعدة التي يشارك فيها
الآن أكثر من 141 ألف فرد من داخل تركيا وحوالي 6 آلاف من خارجها.
بحسب الأرقام الرسمية، فقد خلّف الزلزال حتى لحظة كتابة المقال ما يزيد عن 22 ألف شهيد، منهم ما يزيد عن 3 آلاف في شمال سوريا، كما وصل عدد الجرحى إلى حوالي 80 ألف حتى الآن. وطالت آثار الزلزال السلبية أكثر من 13 مليون إنسان بحسب التصريحات الرسمية.
وللتعامل بشكل أسرع مع تبعات الزلزال، فقد مرّر البرلمان التركي قانون
الطوارئ في الولايات المنكوبة، وتمّ إيواء 130 ألف مواطن حتى الآن ممن شرّدهم
الزلزال، ونُقل أكثر من 81 ألف من السكان إلى ولايات أخرى، كما تمّ نقل الجرحى
والمصابين إلى مستشفيات في مدن أخرى من بينها العاصمة أنقرة. وأعطت الحكومة
التعليمات لقطاع الطيران بنقل المدنيين من المناطق المنكوبة إلى الولايات التركّية
الأخرى مجاناً، وأشار المسؤولون إلى تحويل الفنادق والمدارس وغيرها من المنشآت إلى
مراكز إقامة لمن شرّدهم الزلزال. كما تمّ إعطاء الأوامر لـ26 سفينة و156 طائرة
ومروحية عاملة في قيادة القوات الجوية والبرية والبحرية بالانتشار في المنطقة
المنكوب.
تعطي هذه الأرقام فكرة بسيطة عن هول الفاجعة والآثار الناجمة عنها،
كما أنها تدلّل على حجم الاستنفار الجاري في أجهزة الدولة وإمكاناتها. ومن المتوقع أن
تترك هذه الفاجعة انعكاسات كبيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضاً،
على الأقل على المدى القصير والمتوسط. وبناءً على التقييمات المتفائلة، فقد تستغرق أعمال إزالة الركام والبدء بأعمال البناء السريع قرابة العام الواحد على الأقل.
المشكلة في هذا التقييم هو أنّ الانتخابات القادمة لا يمكنها
الانتظار إلى أن تتحسّن الأوضاع. الشهر الماضي، طالب الرئيس التركي بتقديم موعد
الانتخابات من 18 يونيو/ حزيران إلى 14 مايو/ أيار. هذا يعني أنّه لم يعد هناك
الكثير من الوقت للعمل على جبهة الاقتصاد التي يُعتقد أنّها ستلعب دوراً رئيسياً
في تحديد هوية الفائز في الانتخابات المقبلة، كما أنّ حزب العدالة والتنمية ورئيسه
أردوغان استنفدوا معظم الخيارات ولعبوا الأوراق التي بحوزتهم استعداداً للاستحقاق
الانتخابي القادم.
الأكيد أنّ الفاجعة الحالية ستُعقّد من الحسابات المتعلقة بالانتخابات المقبلة بشكل أكبر مما كانت عليه، لكن إدّعاء البعض أنّ من لم يستطيعوا حتى الآن أن يُجمِعوا على ترشيح مرشّح واحد باسمهم ليخوض الانتخابات المقبلة بإمكانهم التعامل مع فاجعة بهذا الحجم بشكل أفضل وأكثر كفاءة هو إدّعاء مثير للإهتمام، ولا أعتقد أنّه من الممكن أخذه على محمل الجد، بانتظار الانتخابات المقبلة وما يمكن أن تكشف عنه.
عندما كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي في طريقه للتعافي في تركيا
بداية العام 2020، حلّت جائحة كوفيد-19 التي أصابت العالم بشلل لحوالي العامين، ولا
يزال الكثير من بلدان العالم يعاني من تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية حتى هذه
اللحظة. الجائحة خلقت تحدّياً كبيراً للحكومة التركية، وبالرغم من المصاعب الجمّة
التي طرأت، فقد تجاوزتها بأقل الخسائر الممكنة.
وبعد الخروج من دوّامة الجائحة، ارتفعت أسعار الطاقة بشكل كبير، وقد
وضع ذلك ضغطاً متزايدا على الاقتصاد التركي. وفي الوقت الذي كانت تشير فيه بعض
التقارير إلى أنّ الاقتصاد في طريقه للانتعاش بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها
الحكومة على صعيد الإنفاق وجذب الاستثمار وتحقيق الاستقرار النسبي في العملة،
وتخفيض التضخم، وقع الزلزال الحالي وذلك قبيل ما يقارب الثلاثة أشهر من الانتخابات.
وتعد المناطق المتضررة من الزلازل من المناطق المهمة في الزراعة
والصناعة والتصدير وتساهم بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أو حوالي 76
مليار دولار. وعلى الصعيد القطاعي، سيتحمّل
قطاعا السياحة والطيران الكثير من التكاليف، وستتأثر قطاعات التأمين والخدمات
والزراعة والصناعة والتصدير والاستثمار بشكل سلبي جدا. وأمام هذا الوضع، ستضطر
الحكومة إلى زيادة الإنفاق العام وغير المتوقع بشكل كبير جداً، ما سيشكل ضغطا
كبيراً على الليرة التركية وعلى الحساب الجاري وعلى الموازنة العامة.
بعض المتربّصين لم ينتظروا انتهاء الفاجعة حتى يخوضوا معركتهم السياسية
فسارعوا إلى استغلال مفاعيل الزلزال الكارثية لتسييس الموضوع وتحويله إلى مادة
للانتخابات المقبلة وتأليب الناس في وقت يُفترض أن تسمو فيه روح الوحدة والتضامن
للتغلّب على مفاعيل الفاجعة. وبالرغم من
أنّ رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان كان قد قال إنّ هناك بعض التقصير بالتأكيد
وأنّه لا يمكن أن يكون هناك استعداد 100% في مثل هذه الكوارث، إلا أنّه أوضح أنّه
لا يستطيع أن يهضم الحملات السلبية التي يتم شنّها الآن من أجل مصالح سياسية.
الأكيد أنّ الفاجعة الحالية ستُعقّد من الحسابات المتعلقة
بالانتخابات المقبلة بشكل أكبر مما كانت عليه، لكن ادّعاء البعض أنّ من لم
يستطيعوا حتى الآن أن يُجمِعوا على ترشيح مرشّح واحد باسمهم ليخوض الانتخابات
المقبلة بإمكانهم التعامل مع فاجعة بهذا الحجم بشكل أفضل وأكثر كفاءة هو ادّعاء
مثير للاهتمام، ولا أعتقد أنّه من الممكن أخذه على محمل الجد، بانتظار الانتخابات
المقبلة وما يمكن أن تكشف عنه.