نشرت السلطات
التونسية قانون
الموازنة للسنة المالية 2023 في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) بصيغة مرسوم رئاسي، بعد أن كان يُناقش ويُصادق عليه من قبل مجلس النواب خلال جلسة عامة تُعقد في موعد أقصاه تاريخ 10 كانون الأول/ ديسمبر بحسب دستور عام 2014.
ويعوّل قانون الموازنة العامة على القرض الذي تسعى الحكومة التونسية إلى الحصول عليه من قبل
صندوق النقد الدولي، رغم تعثر المفاوضات بسبب برنامج
الإصلاحات الاقتصادية.
وفي وقت سابق، أجّل صندوق النقد اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج القرض التونسي، الذي كان مقررا في 19 كانون الأول/ ديسمبر، بعد إعلان اتفاق بينهما في وقت سابق.
وجاء هذا القرار من أجل منح السلطات التونسية مزيدا من الوقت للانتهاء من إصلاحاتها، حيث تعتزم تونس إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاح مرة أخرى عند استئناف اجتماعات صندوق النقد في كانون الأول/ يناير 2023.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن صندوق النقد الدولي عن توصله لاتفاق مع تونس، سيتم من خلاله منح قرض للبلاد بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات.
اظهار أخبار متعلقة
وقدر قانون الموازنة حجم نفقات الدولة للسنة القادمة بنحو 53.9 مليار دينار (17.25 مليار دولار)، محددا المداخيل المرخص في استخلاصها بنحو 46.4 مليار دينار من بينها 40.5 مليار دينار كمداخيل جبائية.
وتأمل الحكومة أن تحقق تراجعًا في عجز ميزانية الدولة لسنة 2023 إلى 5.5 بالمئة من الناتج المحلي لتنحصر في حدود 8890 مليون دينار (2845,26 مليون دولار) مقابل 7.7 بالمئة في عام 2022.
ويسعى قانون الموازنة الجديد إلى تحقيق تراجع في عجز الميزانية مستندة على ارتفاع منتظر في المداخيل الجبائية وتراجع لنفقات الدعم، وهي جزء من الإصلاحات الاقتصادية التي طالب بها صندوق النقد الدولي.
وتعمل الحكومة التونسية على تعبئة موارد اقتراض بقيمة 24.1 مليار دينار (7.71 مليار دولار) متأتية بنسبة 66.2 بالمئة من الاقتراض الخارجي دون تقديم أي توضيحات عن مصدر هذه القروض خاصة في ظل تأخر نظر صندوق النقد في ملف قرض تونس.
وتطمح الحكومة التونسية لتحقيق نسبة نمو اقتصادي بـ1.8 بالمئة خلال سنة 2023، مستندة على "فرضيات حذرة وواقعية تأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة على المستوى الوطني وارتفاع المخاطر على الصعيد الدولي" على حد قولها.
وتضمن قانون الموازنة لعام 2023 إحداث ضريبة بنسبة 0.5 بالمئة على الثروة العقارية، وإحداث خط تمويل للشركات الأهلية التي أقرها رئيس البلاد قيس سعيد، وإتاحة التمديد الاختياري في سن التقاعد في بعض الحالات، وفرض غرامة مالية بنسبة 20 بالمئة عند الخلاص نقدًا لمبالغ تساوي أو تفوق الخمسة آلاف دينار (1600 دولار).
في المقابل، أقر قانون الموازنة دعم تمويل المشاريع للفئات الضعيفة ومحدودة الدخل، ودعم تمويل المشاريع الصغرى لفائدة حاملي الشهادات العليا، والتشجيع على استعمال السيارات الكهربائية، وإعفاء كلي أو جزئي بعنوان توريد أو اقتناء التجهيزات والمعدات وشاحنة واحدة للتونسيين بالخارج، وإجراءات لدعم تزويد السوق بمادة الحليب من خلال إعادة تسويق مسحوق الحليب المجفف.
واعتبر الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي رضا الشكندالي، أن قانون الموازنة الذي أقرته الحكومة التونسية هو قانون
جباية بامتياز لا يمتلك رؤية اقتصادية وليست له أهداف واضحة.
اظهار أخبار متعلقة
وفي تصريح لـ"عربي21"، توقع الخبير الاقتصادي أن تتراجع نسبة النمو إلى 1.8 بالمئة خلال العام المقبل بعد أن كانت 2.2 بالمئة خلال سنة 2022.
وأضاف: "في مقابل ذلك، تمت زيادة 10 مليارات دينار (3.2 مليار دولار) لموازنة الدولة التي ستصبح حوالي 70 مليار دينار (22.4 مليار دولار) خلال العام المقبل".
وتضمن قانون الموازنة بعض الإصلاحات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها مع خبراء صندوق النقد الدولي بما في ذلك رفع الدعم، حيث تراجعت تكلفة الدعم بـ3.2 مليار دينار (مليار دولار) مع خوصصة بعض المؤسسات العمومية في ظل ارتفاع الموارد غير الجبائية بـ1.5 مليار دينار (0.48 مليار دولار)، بحسب الشكندالي.
من جهة أخرى، شدد الخبير الاقتصادي على أن قانون الموازنة شمل كذلك فرض ضرائب خصوصا على الشركات، مشيرا إلى أن ذلك سيكون له تداعيات على الاستثمار الخاص ما سيؤثر على النمو الاقتصادي.
وتابع: "القطاع الخاص يعاني منذ 2011 بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي مع تواصل السياسة النقدية القائمة على الترفيع في نسبة الفائدة ما أدى إلى تراجع قيمة الدينار التونسي".
اظهار أخبار متعلقة
واعتبر أن "القانون الجديد سيزيد من متاعب القطاع الخاص من خلال الضرائب وزيادة نسبة الأداء على المرابيح بـ4 نقاط كاملة، وإضافة نسبة الأداء على الثروة المقدرة بـ0.5 بالمئة على العقارات".
وأضاف الأستاذ الجامعي في الاقتصاد: "قانون الموازنة الجديد تضمن أيضا زيادة كبيرة على مستوى الأداءات غير المباشرة ما سينعكس مباشرة على الأسعار، ومن يتحمل كل ذلك هو المواطن".
وعن ارتباط قانون الموازنة بموافقة الصندوق النقد الدولي على القرض الذي تحاول تونس الحصول عليه، قال الخبير الاقتصادي إن ذلك سيضع المالية العمومية في موقف محرج مثلما كان الحال في مطلع العام الجاري، ما تسبب في فجوة مالية تُقدر بحوالي 10 مليارات دينار (3.2 مليار دولار).
وأضاف: "في حال استمر هذا الغموض بشأن مصير القرض، فستكون هناك فجوة مالية كبيرة يصعب سدّها، حتى إن وافق صندوق النقد الدولي بعد ذلك على برنامج الإصلاحات".
واستبعد رض الشكندالي أن تنجح السلطات التونسية في تعبئة الموارد المالية المضمنة في قانون الموازنة للعام 2023 التي تحتاج 15 مليار دينار (4.8 مليار دولار)، قائلا: "الحكومة لم تنجح في تعبئة مليما واحدا منذ إعلان الاتفاق مع خبراء النقد الدولي، والحال أن الدول التي تحصل على هذا الاتفاق الأولي، تقنع الدول الصديقة بمساعدتها بمبالغ مالية كبيرة".
وبشأن نسبة النمو المتوقعة، قال الشكندالي إن نسبة 1.8 تُعتبر مخجلة، مستشهدا بتقرير لصندوق النقد الدولي الذي نُشر في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي والذي توقع أن تكون نسبة النمو في تونس خلال 2023، 1.6 بالمئة، وهي الأضعف على مستوى الدول العربية.
وختم بالقول إن "1.8 بالمئة كنسبة نمو مقارنة بالمبلغ الإضافي للموازنة المقدر بـ10 مليارات دينار (3.2 مليار دولار) سيحقق إخفاقا ماليا، وهو من المفارقات العجيبة لقانون الموازنة الجديد".