مر يوم
11/11 عاديا بلا صخب ولا تظاهرات، عكس التوقعات المتفائلة.. وكنت
واحدا ممن أصيبوا بالدهشة والاستغراب، وربما الإحباط، لكنني لم أصب باليأس، ولن
أصاب به؛ فذلك ليس من مقومات شخصيتي. إلا أنني ربما أدركت متأخرا بعض الأخطاء
والثغرات التي ينبغي أن نقف عليها بكثير من الصدق والوضوح، بعيدا عن دفن الرؤوس في
الرمال.
ربما أكون أقرب عاطفيا إلى الدعوات بالخروج والداعين لها من الإعلامي
المحترم
سليم عزوز الذي أقنعني بكثير مما قاله، لكنني سأكون أكثر وضوحا منه وأسمي
الأشياء بمسمياتها..
ما سماه الأخ سليم عزوز "الطليعة الثورية" أسميه "شباب
الإخوان المسلمين".. وعلينا أن نعترف بأن غياب هؤلاء عن مشهد 11/11 كان السبب
الأكثر إقناعا في فشل
الاحتجاجات، وإن تنصل الداعين للاحتجاجات من الإخوان
المسلمين وعدم التنسيق مع قيادات الحركة؛ كان من أكبر أسباب الفشل؛ فثورة بلا القوة
الضاربة للإخوان المسلمين لن تنجح، سواء أكان ذلك تقصيرا من الداعين للاحتجاجات أو
من الإخوان أنفسهم الذين نأوا بأنفسهم مؤخرا عن السياسة، كما جاء على لسان المراقب
العام لجماعة الإخوان المسلمين المرحوم إبراهيم منير، الذي صرح بأن حركة الإخوان
قررت عدم المنافسة على السلطة، وهو ما فُهم منه الابتعاد عن السياسة، ولو مؤقتا.
تنصل الداعين للاحتجاجات من الإخوان المسلمين وعدم التنسيق مع قيادات الحركة؛ كان من أكبر أسباب الفشل؛ فثورة بلا القوة الضاربة للإخوان المسلمين لن تنجح، سواء أكان ذلك تقصيرا من الداعين للاحتجاجات أو من الإخوان أنفسهم الذين نأوا بأنفسهم مؤخرا عن السياسة
كان على المقاومين لحكم السيسي أن يدركوا بأنهم لن ينجحوا في إثارة
الجماهير
المصرية بعيدا عن شباب الإخوان وأنصارهم، مع أن المخلصين لمصر والمحبين
لها مصريين وعربا تمنوا أن تنجح الاحتجاجات بأي شكل من الأشكال، وبأي طريقة كانت،
بالإخوان أو بدونهم، وأنا واحد من هؤلاء، لكن كانت الصدمة كبيرة لأننا لم نر إلا
الفراغ ولا شيء غير الفراغ..!!
لقد قاد شباب الإخوان المسلمين ثورة 25 يناير بجدارة واستحقاق، فأمّنوا
الميادين، وأحبطوا موقعة الجمل، وصدوا هجمات البلطجية، وأقاموا المستشفيات
الميدانية، وزودوا الثوار بالمطعم والمشرب بدون تمييز، وكانوا بشكل تلقائي قادة
الميدان وفي مقدمة الصفوف. وهذا ليس سردا عشوائيا أو انحيازا لحركة الإخوان، بل هي
مشاهداتي الشخصية من قلب الميدان، حيث كنت أقيم في فندق وسط ميدان التحرير، ورأيت
بأم عيني الأحداث تباعا منذ اللحظة الأولى حتى خطاب الرئيس مرسي رحمه الله، حيث
كنت على بعد أمتار قليلة من المنصة حاملا العلم المصري إلى جانب مئات الآلاف من
الحضور، ولم تفتني مراقبة الأجواء العامة لتظاهرة الانقلاب في 30 حزيران/ يونيو
2013 بعيدا عن الميدان، قبل أن أغادر مصر محفوفا بكثير من الألم والقلق.
إن أعداد المنتسبين لحركة الإخوان ومؤيديهم يصعب إحصاؤها، لكنها تعد
بالملايين، ولو شارك شباب الإخوان وبعض مناصريهم في الاحتجاجات لكان الوضع مختلفا،
وتاريخ الإخوان حافل بالتحدي والقدرة على المواجهة في الوقت المناسب، ويميزهم عن
غيرهم أنهم لا ينقرضون، ولا يتناقصون، ولا يتغيرون، ولا يتحولون، بل يعودون كطائر
الفينيق كل مرة يتم فيها إقصاؤهم قسرا عن المشهد السياسي، وهو ما لم يدركه الداعون
للاحتجاجات، وظنوا أن الأمر يمكن له أن يتم بدون تنظيم قوي كتنظيم الإخوان الذي
اعترف العدو قبل الصديق بأنه قوة منظمة لا يستهان بها، ناهيك عن العقيدة الصلبة
التي يصدرون عنها.
ربما يقول قائل بأن القمع الأمني هو السبب في فشل الاحتجاجات، ومع أن في ذلك وجهة نظر، إلا أن القمع الأمني كان متوقعا، بل كان مدركا ولا شك فيه؛ فمتى كان القمع الأمني ودودا ولطيفا؟ ومتى كان يرمي الورود للمتظاهرين الذين تلقوا الرصاص بصدورهم في 25 كانون الثاني/ يناير 2011؟
ربما لو تمت دعوة شباب الإخوان مباشرة للمشاركة وتم التواصل مسبقا مع بعض
قياداتهم لكانت النتائج مختلفة عما كانت عليه. لكنني أتصور في الوقت نفسه أن إحجام
الإخوان عن المشاركة كان بسبب إدراكهم بأن الوقت الحالي غير مناسب وأن الاحتجاجات
قد تفشل. ومعروف عن الإخوان أنهم لا يغامرون بسهولة، وأنهم لا ينقادون بالعاطفة،
بل بناء على دراسة عميقة للواقع، وهم غير مستعدين حاليا لإضافة آلاف جديدة للآلاف
من معتقليهم في السجون المصرية في ظروف غير آدمية.
ربما يقول قائل بأن القمع الأمني هو السبب في فشل الاحتجاجات، ومع أن في
ذلك وجهة نظر، إلا أن القمع الأمني كان متوقعا، بل كان مدركا ولا شك فيه؛ فمتى كان
القمع الأمني ودودا ولطيفا؟ ومتى كان يرمي الورود للمتظاهرين الذين تلقوا الرصاص
بصدورهم في 25 كانون الثاني/ يناير 2011؟ هذا بالإضافة إلى أن الاحتجاجات في جزء
كبير من أهدافها كانت ضد القمع الأمني، والثائر المعبأ ضد الظلم، لا يخشى القمع
الأمني، ولا يقلقه تعرضه للموت أو الاعتقال..
صحيح أن
قمع الجهات الأمنية في الزمن السيساوي أكثر إجراما وشراسة، إلا
أنها لن تستطيع مواجهة موجات الثورة، لو كان ثمة قيادة جماهيرية وإن لم تكن بادية
للعيان، فالقيادة روح تسري في أوصال الثائرين جراء وجود قوة حقيقية تتحرك بينهم وتواجه
القمع في الصفوف الأولى، وتدفعهم لمواصلة المسير، وليس بالضرورة أن تكون ظاهرة
ومحددة في شخص أو أشخاص معينين، بقدر ما تكون كتلة بشرية محفزة على العناد والتحدي،
تتبلور تلقائيا من خلال التوجيهات الديناميكة والحراك الميداني المحسوب.
لكن الدعوات التي أطلقها محمد علي وتبعه في ذلك كل من عبد الله الشريف
ومعتز مطر -بدرجة أقل- وفكرة انقلاب الجيش على السيسي التي تم ترويجها، ثم تعدد
الآراء وكثرة الفتاوى الثورية من عدد من صانعي المحتوى، ثم كشف الجهات الأمنية عن
مخططاتها بزرع مخبرين باللباس المدني بين المحتجين، وكثرة الكمائن التي تم تركيزها
في مفاصل المدن الرئيسية، كل ذلك أسهم في فشل الخروج؛ وقد كان الحريصون على المشاركة
ينتظر كل منهم الآخر ليلتحق به، بعد أن يرى ما سيحدث قبل أن ينضم إلى الركب..
صحيح أن قمع الجهات الأمنية في الزمن السيساوي أكثر إجراما وشراسة، إلا أنها لن تستطيع مواجهة موجات الثورة، لو كان ثمة قيادة جماهيرية وإن لم تكن بادية للعيان، فالقيادة روح تسري في أوصال الثائرين جراء وجود قوة حقيقية تتحرك بينهم وتواجه القمع في الصفوف الأولى، وتدفعهم لمواصلة المسير
لقد خلت الشوارع حتى من المارة، وكأن البلد واقع تحت منع التجوال.. وقد
رأينا ذلك من خلال المشاهد التي بثتها الفضائيات المصرية، فقد خرج إعلام أحمد موسى
وجوقة النابحين ليتحدثوا عن خلو الشارع من المحتجين، ناهيك عن المارة العاديين،
وفي ذلك أكبر إدانة للقمع البوليسي، وأكبر دليل على الإجرام الذي تمارسه الدولة؛
فقد لعب الإعلام دورا معاديا لوزارة الداخلية وأجهزة المخابرات ونظام الحكم بعامة
حين أظهر الشوارع فارغة من البشر، بما يؤشر على شراسة القمع وفجاجة المشهد، من حيث
اعتقد هؤلاء أن هذا المشهد لصالحهم..
ولم يكن التعامل مع الوفود الأجنبية في مؤتمر المناخ حضاريا، بل كان أمنيا
بامتياز، وفوضويا بامتياز، وغبيا بامتياز، وبعد أن يعود المشاركون في المؤتمر إلى
بلادهم سترون ثورة إعلامية غير مسبوقة تهاجم الأمن المصري والإدارة المصرية وإدارة
المطارات والفنادق.. ستسمعون العجب العجاب؛ بما سيثير إعلام السيسي ويقيم الدنيا
صراخا وشتما ولا يقعدها..
لم يكن التعامل مع الوفود الأجنبية في مؤتمر المناخ حضاريا، بل كان أمنيا بامتياز، وفوضويا بامتياز، وغبيا بامتياز، وبعد أن يعود المشاركون في المؤتمر إلى بلادهم سترون ثورة إعلامية غير مسبوقة تهاجم الأمن المصري والإدارة المصرية وإدارة المطارات والفنادق.. ستسمعون العجب العجاب
وعلى صلة بالاحتجاجات التي لم تنجح، نظم المشاركون في مؤتمر المناخ أمس
الاثنين تظاهرة حاشدة تطالب بالإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، وجاءت تحت عنوان "لم
نهزم بعد"، وهو عنوان معبر وذو صلة بالاحتجاجات التي فشلت، وكان على رأس
التظاهرة سناء سيف شقيقة
علاء عبد الفتاح. وتعد هذه التظاهرة نقطة انطلاق كبرى لها
ما بعدها؛ لأنها فتحت أعين العالم على أعداد المعتقلين والإهانات التي يتعرض لها
السياسيون والمثقفون وذووهم والتعنت في إطلاق سراحهم، لا سيما أن علاء عبد الفتاح
الذي يحمل الجنسية البريطانية والذي تدخل للإفراج عنه رؤساء ثلاث دول على الأقل،
لم يحظ بالإفراج، أو السماح بزيارته حتى من قبل محاميه؛ فكيف بالآخرين؟!!
ويكفي مصر السيسي فضيحة قيام لجنة خاصة من الأمم
المتحدة بفتح تحقيق عن تجسس الأجهزة الأمنية المصرية على هواتف المشاركين وسوء
سلوك ضباط الشرطة المصرية في أثناء القمة، إضافة إلى
شكوى الحاضرين في الجناح
الألماني من تصويرهم أثناء المؤتمر الذي أقامته سناء عبد الفتاح ومراقبة هواتفهم..
لقد كان المؤتمر مدججا بالرقابة الأمنية الفجة والمباشرة والمكشوفة..!!
لقد جاء الوقت الذي تحاسَب فيه الأجهزة الأمنية ومَن وراءها على إجرامها وعلى احتقار إنسانية الإنسان، واسترخاص دمه وكرامته،
فالمصريون لا يستحقون كل هذا الظلم والقمع الذي طال الجميع، وأهان الرجال والنساء
والأطفال الذين قُتلوا بدم بارد في سيناء على يد ضباط الجيش بطريقة وحشية..