هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشفت مصر عن موازنة العام المالي الجديد 2022/ 2023، واصفة إياها بأنها "موازنة استثنائية؛ تضمنت أرقاما غير مسبوقة في تاريخ ميزانيات البلاد السابقة، سواء من حيث حجم الإنفاق أو الإيرادات أو الديون، أو الضرائب التي تشكل غالبية الإيرادات، وسط انتقادات واسعة لسياسة الحكومة الاقتصادية في تنفيذ تلك الميزانية على حساب المواطنين.
واستحوذت الإيرادات الضريبية في مشروع الموازنة العامة الجديدة للحكومة المصرية على نصيب الأسد لتبلغ نحو 77% من إجمالي الإيرادات المتوقعة لعام 2022/2023، في ظل سياسة الدولة في زيادة حصيلة الضرائب خلال العقد الأخير.
وللمرة الأولى سوف تتخطى حصيلة الضرائب حاجز التريليون جنيه في مصر؛ ووفق تقديرات وزارة المالية سوف تقفز بنسبة 18.9% خلال العام المالي الجديد لتبلغ 1.17 تريليون جنيه مقابل 983 مليار جنيه في العام المالي الجاري.
ووفقا لوكالة بلومبيرغ الأمريكية، من المتوقع أن تتخطى الإيرادات الضريبية تريليون جنيه خلال العام المالي المقبل، وذلك بنمو 349% خلال عشرة أعوام، بينما تستهدف وزارة المالية خلال العام المالي الحالي 22/21 نمواً بنسبة 24% في الإيرادات الضريبية، لتبلغ 946 مليار جنيه، وتشكل حصة 73% من إجمالي الإيرادات.
المفارقة أن الحساب الختامي لميزانية الدولة المصرية في عام 2020/2021 بلغ إجمالي الإيرادات المحققة 1.1 تريليون جنيه، أي أن حصيلة الضرائب المتوقعة في الموازنة المقبلة تتخطى إيرادات الدولة مجمعة في العام الماضي فقط، لتصبح الضرائب هي حجر الأساس في الموازنات.
وبلغ حجم المصروفات في مشروع الموازنة الجديد 2.071 تريليون جنيه، وارتفعت الإيرادات إلى 1.518 تريليون جنيه، ووصل حجم العجز الكلي 558.15 مليار جنيه، أي ما يعادل 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي، (الدولار يساوي 18.50 جنيه)
وتستهدف الحكومة المصرية خفض نسبة الدين إلى 84% من الناتج المحلي الإجمالي بدلا من 85%، وتقليص نسبة العجز إلى 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق فائض أولي قدره 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
يأتي تكلفة خدمة الدين على رأس الأرقام المقلقة في مشروع الموازنة، حيث تُقدر بـ 690.1 مليار جنيه، أي ما يعادل 33.3% من إجمالي المصروفات، لتصبح بذلك أكبر بند في المصروفات، أو ما يعادل نصف الإيرادات الكلية، والتي يأتي 77% منها من الضرائب التي تعتزم الحكومة تحصيلها والبالغة 1.2 تريليون جنيه بزيادة نحو 19%.
— شبكة رصد (@RassdNewsN) May 10, 2022
يبقى مشروع الموازنة مرهون بتوفير الاحتياجات التمويلية للعام الجديد، التي ارتفعت بنسبة 30%، والتي تُقدر بنحو 1.52 تريليون جنيه مقارنة بـ 1.06 تريليون جنيه في العام المالي الجاري، بحسب البيان المالي لمشروع موازنة العام 2022/ 2023.
وبخصوص كيفية تدبير هذه التمويلات، أفادت وزارة المالية بأنها ستكون من الحصول على تمويل خارجي بقيمة 146.4 مليار جنيه، وإصدار سندات دولية بقيمة 91.5 مليار جنيه، وإصدار سندات وأذون خزانة محلية بقيمة 1.37 تريليون جنيه.
وتوقع محللون وخبراء اقتصاد تحدثوا إلى "عربي21" أن تتفاقم معاناة المصريين العام المقبل جراء الضغوط الاقتصادية الجديدة الناجمة عن سياسات الحكومة الاقتصادية القائمة على الجباية والاقتراض، وليس الحرب الروسية الأوكرانية كما يزعم النظام.
انتقاد برلماني
هاجم نواب بالبرلمان مشروع الموازنة؛ لاعتماده على الاستدانة، وقال النائب ضياء الدين داوود إن "هناك أزمة طاحنة في البلد، وعلى مجلس النواب أن يتحمل مسؤوليته"، مشيرا إلى أن "عجز الحكومة عن تدبير النقد الأجنبي للخامات الأولية الداخلة في الصناعة سيؤدى لتوقف صناعات عديدة، رغم إيداع قيمة الاعتماد مغطى بـ 120 ٪".
وحذر، في كلمته خلال جلسة إعلان مشروع الموازنة، من أن الفيدرالي الأمريكي سوف يقوم برفع الفائدة 300 نقطة أساس، ما قد يحمل الموازنة الجديدة في مصر عجزا إضافيا قدره 300 مليار جنيه، فما الخطة لمواجهة ذلك؟ ولماذا لا نرى التقشف بعد في تصرفات الحكومة؟
وعلى مدار العقد الماضي تطور الدين العام والدين الخارجي، وتضاعفت الضرائب بشكل متسارع؛ لتلبية التزامات الدولة لسداد فوائد تلك الديون على النحو التالي:
· ارتفع الدين العام حاليا إلى 410 مليارات دولار أو ما يعادل 7.6 تريليون جنيه، مقابل 1.238 تريليون جنيه في 2012.
· قفز الدين الخارجي إلى 145 مليار دولار حاليا أو ما يعادل 2.7 تريليون جنيه، مقابل 34.4 مليار دولار.
· قفزت الضرائب إلى 1.2 تريليون جنيه في مشروع الموازنة الجديد، مقابل 251.1 مليار جنيه فقط في 2012/2013.
· بلغت تكلفة خدمة الديون المتوقعة في مشروع الموازنة 690 مليار جنيه، مقابل 106 مليارات في 2011/ 2012.
حكومة الاقتراض والجباية
حذر الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل الدولي، علاء السيد، من "وقوع الحكومة المصرية في شباك الأرقام على ورق؛ لأنها ببساطة موازنة حكومة الاقتراض إن صح التعبير، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون هذه موازنة دولة تسعى لترسيخ قواعد الاقتصاد الحقيقي، ويمكن إطلاق مسمى حكومة الجباية على الشق الثاني من اسم الموازنة".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "هذه الموازنة خطيرة للغاية، بما تضمنته من أرقام هائلة للاقتراض أو تكلفة خدمة الدين، نحن نتحدث عن تريليون و500 مليار جنيه قروض جديدة للموازنة، و690 مليار جنيه لخدمة الديون، وهذه الأرقام سوف ترهق الحكومات المقبلة مستقبلا، وسوف تطحن المصريين تحت وقع الضرائب غير المسبوقة والبالغة 1.2 تريليون جنيه".
وبِشأن الحلول المطروحة لمعالجة أزمة الموازنة المستعصية في الاقتراض، أجاب: "أرى أنه يجب إزاحة هذه الحكومة المسؤولة عن تردي الوضع الاقتصادي، وزيادة رقعة الفقر، لذا أتوقع أن يزيد عدد الفقراء في ظل سياسة الجباية والاقتراض، وأن تواجه الدولة مشاكل واضطرابات اجتماعية في ظل تجاهل مآلات تلك السياسة، التي سوف تكبل الشعب المصري خلال العقود القليلة المقبلة وزيادة حصته من الديون".
في حسبة مبسطة، يبلغ متوسط نصيب كل مواطن مصري (100 مليون نسمة) من الدين العام البالغ 410 مليار دولار 4100 دولار، أو ما يعادل نحو 76 ألف جنيه، أي أن متوسط نصيب الأسرة البالغ عددها 5 أفراد هو نحو 380 ألف جنيه، أي ما يوازي 20 ألف و500 دولار أمريكي.
ووفق وكالة "رويترز"، فقد توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" العالمية للتصنيف الائتماني، في تقرير لها في نيسان/ أبريل الماضي، أن تتخطى مصر تركيا كأكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، بمبيعات للسندات بقيمة 73 مليار دولار بالعام الجاري.
اقرأ أيضا: التضخم في مصر يرتفع أكثر من المتوقع.. قفز إلى 14.9 بالمئة
موازنة ضرائب لا إنتاج
وفند المستشار السياسي والدولي، حسام الشاذلي بناء موازنة دولة على أكتاف ومعاناة المصريين، وقال: "بات من المهم أن نعي أن المنظومة الاقتصادية المصرية تدار بهدف أوحد ألا وهو الحفاظ على النظام وتوظيف كل أدوات الدولة لتحقيق هذا الهدف، وليس لتحسين مستوى معيشة الموطن، وتحسين أنواع الخدمات المقدمة له".
وأضاف لـ"عربي21" أن "المواطن المصري دائما هو شماعة فشل الحكومات وكبش فداء سياساتها المجحفة والخاطئة"، مشيرا إلى أن "الوقت قد تأخر لكي يبدأ النظام في الاستثمار الصناعي أو في تكوين بنية اقتصادية صحية وأن مصر في طريقها لإفلاس محتوم لن يدخر النظام أي سياسة اقتصادية ملتوية لتأخيره مثل شراء الذهب والقروض بضمان الأصول وبيع المؤسسات المصرية".
وبحسب الشاذلي فإنه "لا سبيل لخروج مصر من كارثتها الاقتصادية الا بحل سياسي شامل يسقط المنظومة الاقتصادية تماما ويفتح الباب لحلول إستثنائية مع الشركاء الإقليمين والدوليين"، لافتا إلى أنه "من المرجح أن يرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي عندما تجتمع لجنة السياسات النقدية لمراجعتها الأسبوع المقبل 200 نقطة أساس".
شبح الإفلاس يلاحق الحكومة والمواطن
من جهته، اعتبر المحلل السياسي والاقتصادي، محمد السيد، أن "الأرقام الضخمة في مشروع الموازنة مصدرها الاقتراض والضرائب وليس الإنتاج، وبالتالي فهي موازنة مقلقة ومفزعة، وتنذر بتداعيات اقتصادية وخيمة على البلاد حكومة وشعبا لا تخرج عن معنى الإفلاس".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" "أن الحكومة الحالية وغيرها من الحكومات السابقة لا تعمل لصالح نهوض البلاد ورفاهية الشعب، وبنود الموازنة أكبر دليل على تجاوزها تلك الخطوط العريضة التي تعمل عليها أي حكومة في العالم، إلى متى ستظل في دائرة الاستدانة والسداد؟".
واستبعد وجود أي حلول راهنة أو عاجلة لعلاج الأخطاء، التي وصفها "بـ الكارثية" في الاقتصاد المصري، إلا "برحيل تلك الحكومة والنظام العسكري الذي يتحكم في مقدرات البلاد، وأثبت فشله عن جدارة في مواكبة أقل دولة في المنطقة، وهذا مفتاح الأزمة الذي لا يرغب النظام في سماعه".
موازنة في خدمة الديون لا الشعب
وكشف الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أن "هناك الكثير من الاعتراضات على مشروع الموازنة العامة الجديد حتى من داخل البرلمان الموالي للنظام، ويأتي على رأس تلك الاعتراضات هو حجم الديون الخارجية والضرائب، خاصة أنها حجم خدمة الدين وأقساطها تتجاوز تجعل إيرادات الدولة في خدمة الديون وفوائدها وليست من أجل رفاهية المواطنين".
ورأى في تصريحات لـ"عربي21" أن "الخيارات أمام الحكومة المصرية لتصويب سياساتها النقدية والاقتصادية تتضاءل بمرور الوقت، وبات يصبح العودة إلى الخلف بحجم الديون أمرا غير مجدي، والتقدم بها إلى الأمام يفاقم من الأزمة، فالحكومة منذ 2016 انتهجت نهجا يعتمد على الاقتراض والأموال الساخنة وللاسف لم تستفد لا من بعيد ولا من قريب من هذه الأموال في مشروعات تدر أموالا لموازنة الدولة".
وأكد ذكرالله أن "الاقتصاد المصري في ورطة حقيقية، كل الأخبار الواردة تؤكد أن الشعب على موعد مع مزيد من الضغوط، وسياسة الحكومة المصرية تتلخص في جملة قصيرة، تقترض للسداد، وهي حيلة التاجر المفلس فكريا، ويبقى السؤال إلى متى تستطيع الحكومة المصرية تدبير مصادر مستمرة للاقتراض لمعالجة أزمة الديون وعجز الموازنة".
وجاء معدل التضخم أعلى من التوقعات في نيسان/ أبريل وقفز إلى نحو 15% وخرجت الأرقام المعلنة أكثر عن مستهدف البنك المركزي المصري، ما يعني زيادة الأسعار بوتيرة أسرع من المتوقع في الوقت الذي تخطط فيه الحكومة لجمع أكبر قد من الضرائب لدعم الموازنة التي تعاني من عجز كلي ويبلغ بند تكلفة الدين بها نحو 33% من حجم المصروفات ليصبح البند الأكبر في الموازنة.