هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أعده سايمون سبيكمان كوردال أشار فيه إلى أن التونسيين العالقين في الفقر فقدوا الأمل، فمنذ بداية الربيع العربي يشعر الذين يحاولون النجاة من زيادة الأسعار وعدم توفر فرص العمل والوباء أن شيئا لم يتغير.
وعلى مدى عقد يتذكر التونسيون 14 كانون الثاني/يناير، وهو اليوم الذي هرب فيه الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي من البلاد إلى السعودية واعتبرت النخبة السياسية الثورة مكتملة. لكن الرئيس قيس سعيد غير المناسبة إلى 17 كانون الأول/ديسمبر وهو اليوم الذي أشعل فيه بائع الفواكه محمد بوعزيزي النار في نفسه احتجاجا على فساد الدولة والاقتصاد المترنح.
وكان حرق النفس حافزا للثورة التونسية والربيع العربي. ولكن السنوات الـ11 التي تبعت الحادثة كانت بمثابة رحمة ممزوجة لتونس، فالمكاسب كانت مهمة إلا أن ارتفاع أسعار الحياة اليومية وتراجع مستويات المعيشة وما تركه وباء كورونا والخلافات السياسية أدت لحرف المسار الجيد وتركت آثارها الدائمة.
وكان التونسيون يشعرون بالفخر عند الحديث عن بلدهم باعتبار تونس التجربة الوحيدة التي نجحت من بين ثورات الربيع العربي، وكان هذا قبل تدخل سعيد الدرامي في الحياة السياسية في 25 تموز/يوليو، مؤكدا حكم الرجل الواحد، وقد أسكت بشكل فعلي كل هذا الكلام.
وبعد خمسة أشهر من التكهنات وتعيين حكومة رمزية، قدم أخيرا خطته للإصلاح الدستوري، والتزم باستفتاء يعقد في شهر تموز/يوليو المقبل على دستور جديد وقبل أن يتم عقد انتخابات نهاية العام المقبل. وفي الوقت الذي كرس فيه الرئيس كل طاقته للإصلاح السياسي إلا أنه لم يكرس نفس الجهود لتقديم أجوبة للمشاكل المالية التي تنخر في عظام الحياة اليومية وأكثر مما كانت عليه قبل 11 عاما، ففي الحي المهمش الزرهوني والذي تسكنه الطبقة العاملة، يبحث ياسين "29 عاما" في أكوام القمامة عن علب بلاستيكية يستطيع بيعها بالكيس لمحلات التدوير، وهو مشهد عام في المدن التونسية الكبرى.
اقرأ أيضا: عريضة وطنية رافضة لـ"انقلاب سعيد" تسبق مظاهرات الجمعة
وتقدر منظمة أليرت الدولية أن هناك 8 آلاف تونسي يعتمدون في معاشهم اليوم على ذلك. ويقول ياسين إنه يحصل على 2 – 3 دنانير للكيس، أي أقل من دولار، “أبيع كل يوم خمسة أكياس” و”بشكل عادي أربعة أكياس، وأعمل في ذلك منذ مدة وأحيانا في البناء ولكن أكثر الوقت في هذا”. وعندما سئل عما يريد أجاب "وظيفة".
وبدأ تراجع الاقتصاد التونسي قبل فترة من الثورة التي أسهم في تحفيزها، ولكن الساسة وبعد الثورة تجنبوا مواجهة الجذور الرئيسية للأزمة وركزوا بدلا من ذلك على المشاريع السياسية التي يظهر فيها الأشرار والأخيار بوضوح. وهي موجة لا يبدو أنها ستختفي قريبا.
وأضاف الكاتب أن المشاكل عميقة، ففي الوقت الذي دخلت فيه تونس في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي تساءل اتحاد الشغل العام عن قدرة الدولة على دفع فاتورة الرواتب الضخمة. ولم تتغير معدلات البطالة التي كانت واحدة من أسباب الثورة ومصدرا مستمرا للاضطرابات وخاصة في أحياء مثل الزرهوني. ففي عام 2010 كان مستوى البطالة 13 بالمئة وارتفع خلال العامين الماضيين إلى 18 بالمئة. وضرب فيروس كورونا الاقتصاد وقضى على قطاع السياحة مما قاد لموجات من الهجرة السرية.
ويقول أمين غالي، من مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، "الناس متعبون" و"يريدون مدارس أفضل ووسائل نقل أفضل ونظاما صحيا أفضل". وبالنسبة لغالي، فالرئيس جمع سلطات سياسية واسعة ولكن الإصلاح الاقتصادي ظل بعيد المنال. وقال "هو ليس اقتصاديا" و"ليست لديه أفكار ذكية، وكل جهوده مركزة على تغيير النظام السياسي أو الدفع باتجاه حالات الفساد التي يتحدث عنها".
ولا تزال شعبية سعيد عالية في الاستطلاعات غير الموثوقة، وهي رفض لنخبة الأحزاب السياسية وليست تبنيا لأسلوبه في الحكم. لكن الإشارات الأولى عن الصدوع بدأت تظهر. فقد اضطر سعيد أثناء خلاف على مكب نفايات في نفس الأحياء الفقيرة التي دعمها إلى التفاوض على صفقة مع المتظاهرين. ومع اقتراب شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، وهما شهرا الاحتجاجات في تونس، وبدون أي بادرة عن التحسن الاقتصادي، فإن فرص المواجهة مع الرئيس الذي استولى على كل السلطة السياسية باتت كبيرة.
وبالنسبة لياسين في الزرهوني، فكل هذه الاحتجاجات لا تعني شيئا، فقد استمع طوال السنين لوعود الساسة، لكنه لا يزال يجمع العبوات البلاستيكية لكي يعيل عائلة من خمسة أفراد و"لا يهم لو دعم الرئيس أم لا" "فلن يساعد هذا على تغيير وضعه".