تتناول كثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية
الأحداث التي تشهدها جامعة بوغازيتشي في إسطنبول بعبارات مشابهة، مثل "تظاهر طلاب جامعة بوغازيتشي احتجاجا على تعيين رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان، الأكاديمي المقرب من حزب العدالة والتنمية، رئيسا للجامعة"، و"يطالب طلاب جامعة بوغازيتشي بانتخاب رئيس للجامعة بدلا من التعيين".
السامع لمثل هذه العبارات في تقارير وسائل الإعلام يعتقد أن طلاب الجامعة يرفضون فرض رئيس عليهم، ويطالبون
بحقوقهم الديمقراطية في
مظاهرات سلمية، ويخيل له أن المشهد في جامعة بوغازيتشي كمشاهد الشعوب التي خرجت ضد الدكتاتوريين للمطالبة بالديمقراطية. ولكن هل هو فعلا كذلك؟ دعونا ننظر عن قرب إلى الأحداث ومدى دقة ما ورد في تلك التقارير من مصطلحات وعبارات.
السامع لمثل هذه العبارات في تقارير وسائل الإعلام يعتقد أن طلاب الجامعة يرفضون فرض رئيس عليهم، ويطالبون بحقوقهم الديمقراطية في مظاهرات سلمية، ويخيل له أن المشهد في جامعة بوغازيتشي كمشاهد الشعوب التي خرجت ضد الدكتاتوريين للمطالبة بالديمقراطية
جامعة بوغازيتشي يدرس فيها آلاف الطلاب في كليات ومراحل مختلفة، ولم يشارك في المظاهرات إلا عشرات منهم، كما أن معظم المتظاهرين من طلاب
جامعات أخرى، بل إن بعضهم ليسوا بطلاب. وفي هذه الحالة، هل يصح التعميم ليقال إن "طلاب جامعة بوغازيتشي يحتجون على تعيين رئيس جديد للجامعة"، وكأنهم الأغلبية أو يمثلون جميع الطلاب؟
جامعة بوغازيتشي إحدى الجامعات الحكومية، وتم
تعيين رئيس لها وفقا للقوانين بذات الطريقة التي تم بها تعيين رؤساء للجامعات الأخرى. وقد يرى البعض أن انتخاب رئيس للجامعة، كما يطالب به المحتجون، أفضل وأكثر ديمقراطية، ولكن الأمر ليس كذلك بالضبط، وإن لكل طريقة عيوبها.
تركيا سبق أن جربت انتخاب رؤساء الجامعات، ولا يظن القارئ أن الرؤساء كان يتم انتخابهم من قبل الطلاب، بل كان ينتخبهم كبار أعضاء هيئة التدريس، وحتى الصغار من الأكاديميين لم يكن لهم حق التصويت. وهذا ما حوَّل الجامعات إلى "مزارع الرؤساء" أو "مناطق محررة لبعض الأيديولوجيات"، لأن كافة العاملين في الجامعة يوظفهم رئيس الجامعة، ثم هم ينتخبونه. ومن المؤكد أن هذه الطريقة لا تمت للديمقراطية بصلة.
البروفيسور مليح بولو يحمل كافة المؤهلات لتولي رئاسة الجامعة والقيام بمهامه على أكمل وجه. ويقول المعترضون على تعيينه إنه مقرب من حزب العدالة والتنمية، وتقدم في انتخابات 2015 البرلمانية ليكون أحد مرشحيه، إلا أن حزب العدالة والتنمية لم يرشحه في تلك الانتخابات. ويجيب بولو بأنه لم يكن بعيدا عن الساحة السياسية منذ شبابه، ومارس السياسة في البداية في صفوف حزب الشعب الجمهوري، ثم انتقل إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي. وحتى لو كان إسلاميا منذ شبابه ومارس السياسة في أحزاب مثل حزب الرفاه، فلا يمنع ذلك من توليه لرئاسة الجامعة، علما أن كافة رؤساء الجامعات مقربون إما من هذا الحزب أو من ذاك، وأن الجامعات التركية سبق أن تولى الرئاسة فيها أكاديميون من أعضاء حزب
الشعب الجمهوري، ولم يسمع آنذاك أي اعتراض من الأطراف التي يعترض اليوم على تعيين بولو. وهل يحل تولي رئاسة الجامعة للمقربين من حزب الشعب الجمهوري ويحرم على المقربين من حزب العدالة والتنمية؟
الاحتجاج على تعيين بولو رئيسا لجامعة بوغازيتشي يبدو مجرد ذريعة لتحقيق أهداف أخرى، كما كان الاحتجاج على قطع عدد من أشجار غزي باركي في صيف 2013 ذريعة لإحداث الفوضى وأعمال الشغب
المتابع لأحداث جامعة بوغازيتشي عن كثب يرى بكل وضوح أن الموضوع أبعد من الاحتجاج على تعيين رئيس الجامعة والمطالبة باختياره عن طريق الانتخابات على غرار انتخاب الرؤساء السابقين. وأعلن المحتجون أنهم يطالبون باستقالة بولو أو إقالته، كما يطالبون بإغلاق مجلس التعليم العالي الذي يشرف على الجامعات، بالإضافة إلى إطلاق سراح رؤساء البلديات الذين تم اعتقالهم بتهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني. كما يصفون قوات الأمن التركية بــ"القاتل"، ويطلقون هتافات ترفعها التنظيمات الإرهابية التي تدعو إلى العنف، مثل: "اضرب أنت في الجبال، ولنضرب نحن في المدن"، في إشارة إلى التضامن وتبادل الأدوار مع عناصر التنظيمات الإرهابية التي تقاتل القوات التركية في الجبال والأرياف. بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، ليسيئوا إلى الكعبة المشرفة، ويثبتوا أنهم شرذمة تعادي قيم الشعب التركي المسلم وتحاول الاصطياد في الماء العكر.
الاحتجاج على تعيين بولو رئيسا لجامعة بوغازيتشي يبدو مجرد ذريعة لتحقيق أهداف أخرى، كما كان الاحتجاج على قطع عدد من أشجار غزي باركي في صيف 2013 ذريعة لإحداث الفوضى وأعمال الشغب. وإن كانت إسطنبول تشهد هذه الأيام محاولة لعرض سيناريو مشابه يقوم بأدواره طلاب ينتمون إلى تنظيمات إرهابية ويسارية متطرفة، فإن تركيا لن تسمح بتكرار تلك الأحداث ولن تلدغ من ذات الجحر مرتين.
twitter.com/ismail_yasa