هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الكاتب عز الدين فشير في مقال
نشرته صحيفة "واشنطن بوست" إن أمريكا ترامب التي عاش فيها كانت تشبه مصر
التي تركها عام 2016.
وأشار في بداية مقال إلى نكتة الرجل
الذي كان يعيش مع تسعة أولاد وزوجته وأمه في غرفة واحدة. فنصحه رجل أن يقتني بقرة ولما
ضاق البيت نصحه بإخراج البقرة، فكان جواب الرجل أنه ممتن للحياة بدون البقرة،
و"هذا ما وصلنا إليه بعد أربعة أعوام من رئاسة ترامب".
وقال: "وصلت إلى الولايات المتحدة خريف
2016، في ذلك الوقت كان النظام العسكري في مصر قد دمر كل الطاقة الإيجابية التي
خلقتها انتفاضة التحرير. ولم تكن قسوة القمع التي مارسها النظام من قتل المئات
وسجن عشرات الآلاف بل من نظريات المؤامرة التي غمر بها الساحة العامة والأخبار
المفبركة والشك واليأس والكراهية التي خلقت حالة من الهستيريا الجماعية".
وفي الوقت الذي تم فيه تشويه كل شخص فقد أصبح النظام مصدر كل الحقائق. وفي هذا الجو المسموم لم يعد هناك منطق للكتابة أو
الحديث بشكل علني.
وقال إن مشاعره تجاه الولايات المتحدة
كانت دائما مختلطة، خاصة أن لديه تحفظات بشأن سياستها الخارجية. وهو يعرف
كدبلوماسي سابق الموقف الإمبريالي الأمريكي. فطريقها في الشرق الأوسط كان ملطخا
بالدماء.
اقرأ أيضا: هنأ بايدن بالفوز.. جورج بوش: من حق ترامب طلب إعادة الفرز
وتابع: "كليبرالي فقد كنت واعيا
بعلل الولايات المتحدة كما لخصتها كتب مثل: المحبوب، وعناقيد الغضب، والرعوي الأمريكي
و جيم كرو الجديد".
وعيوب الديمقراطية الأمريكية معروفة من
ناحية الزواج ما بين المال والسياسة، والعنصرية المنظمة، والنخبوية واللامساواة
والأثر المدمر لنظامها الاقتصادي على البيئة العالمية. وكل هذا لا يمنع من مشاركته
في مزاعم المثال الأمريكي- الحرية والمساواة والعدالة، بحسب تعبيره.
وما يجعل الولايات المتحدة استثنائية
ليس قوة السياسة أو الظلم الاجتماعي بل ودفاعها عن هذه المثل كبديهيات تلتزم
بتحقيقها وتفتح الطرق للنضالات التحررية
التي ستكون مستحيلة و "لهذا السبب كنت سعيدا بانتقالي هنا".
وما حدث هو انتخاب دونالد ترامب رئيسا
بعد شهرين من وصوله و"راقبت بعصبية كيف حط من قدر المثل الديمقراطية ونفذ
بوقاحة سياسات قامت على ضيق ومصلحة قصيرة النظر".
وعنى هذا دعم الولايات المتحدة لحلفائها
وهم ينفذون سياسات متهورة بدون الأخذ على أيديهم. وعنى رمي أجندات حقوق الإنسان من
النافذة وتشجيع الديكتاتوريين.
وعلى الصعيد المحلي "حبست أنفاسي
على أن ما كان في الماضي يعتبر تصرفا مستحيلا ولكنه أصبح عاديا، تعيين ابنته وزوجها
في مراكز مهمة، التفاخر بالتهرب الضريبي، تدمير استقلالية المؤسسات، خرق الأعراف
التي تقوي العملية السياسية، التشهير بالنساء والأقليات، دعم المتفوقين البيض
والداعين لنظريات المؤامرة، استفزاز الصحافيين، دعوة الحرس الوطني لقمع التظاهرات
وفصل الأطفال عن عائلاتهم وحبسهم في أقفاص على الحدود".
وفي أقل من أربعة أعوام خلق ترامب جو خانقا
"مشابها لم تركته وراء ظهري في مصر (..) وأثرت الانعطافة المظلمة علي شخصيا،
فبدون تنظيمات للهجرة لم أستطع السفر لمدة ثلاثة أعوام، وفي مرة منعت من الكتابة
في صحيفة "واشنطن بوست"، واتصلت صديقة لي مع المحامين عندما سمعت أن
الإدارة سترحلها رغم وضعيتها كلاجئة.
ووجد صديق آخر قضيته ضد معذبه تعرقل
لأن الإدارة حمت المتهم من الظهور في المحاكم الأمريكية. وكان هناك الكثير من
أصدقائي يختفون في السجون المصرية بناء على اتهامات مفبركة بما فيهم فنانون ونواب
في البرلمان ورموز سياسية. وظلت الإدارة صامتة حتى عندما مات مواطنون أمريكيون في
السجون المصرية.
وكانت أمريكا الجديدة التي لم تعد
مهتمة بالمثل الليبرالية في الداخل والخارج في أعلى تجلياتها عندما ذبح الصحافي
المشارك في "واشنطن بوست" والمقيم في أمريكا، جمال خاشقجي على يد عملاء
سعوديين في القنصلية السعودية بإسطنبول.
ورغم اعتراف ترامب بدور ولي العهد
السعودي وتباهى أن المملكة لن تبقى "أسبوعين" بدون الدعم الأمريكي، فلم
يكن لديه سبب للتدخل في جريمة قتل صحافي، فطالما ظل السعوديون يستثمرون فأمريكا
ترامب لا يهمها.
و"بعبارات مختصرة، فإن أمريكا ترامب
كانت أمريكا التي جردت من مثلها".