لا يمكن أن
يتصور أحد أن "بورت
رويال"؛ قرية الصيادين الوادعة الواقعة في جامايكا، كانت في يوم ما بقعة سيئة
الصيت، إلى حد اعتبارها من جانب كثيرين "
المدينة الأكثر شرا على وجه
الأرض"، وذلك إلى أن ابتلعتها مياه البحر في نهاية المطاف.
في الثامنة وتسع دقائق تماما من صباح
العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي؛ شهدت جامايكا حدثا اعتقد الكثير من
مواطنيها، بأنه لن يُقيض لهم رؤيته على الإطلاق. فللمرة الأولى منذ 40 عاما، رست
سفينة سياحية في ميناء "بورت رويال" التاريخي بمدينة كينغستون عاصمة هذا
البلد الواقع في منطقة الكاريبي. حينذاك، مدت سلطات الميناء رصيفا عائما جديدا
ومبتكرا، ليتدفق عليه 2000 زائر، قادمين من سفينتهم الضخمة، التي حملت اسم
"ماريلا ديسكفري 2"، وعلى وجوههم علامات البشر والحبور.
فـ"بورت رويال"، وهي الآن
قرية صيادين وادعة نسبيا، تقع في نهاية شريط رملي يمتد لمسافة 29 كيلومترا تقريبا
خارج كينغستون، لم تكن على هذه الشاكلة في أواخر القرن السابع عشر؛ إذ كانت موصومة
آنذاك بسمعة شائنة، إلى حد جعل البعض يصفها في تلك الفترة بـ "المدينة الأكثر
شرا على وجه الأرض".
للتعرف على أسباب ذلك، وتحديدا في
عام 1655، انتزعت قوة استكشاف إنجليزية، السيطرة على جامايكا من يد الإسبان، بعدما
أخضعوها لسيطرتهم لأكثر من 150 عاما، بسبب موقعها الاستراتيجي.
بعد ذلك، سرعان ما تحولت جامايكا إلى
مصدر ربح لحكامها الجدد. لكن الافتقار للموارد البشرية، أجبر حاكمها الإنجليزي
وقتذاك إدوارد دويلي، على أن ينشد الحماية من تحالف يتألف من
القراصنة المزودين
بسفنهم المدججة بالسلاح.
وبفعل هذا الأمر، مُضافاً إليه تراكم
الثروات الناجمة عن التجارة في العبيد والسكر وخشب البقم؛ تحولت "بورت
رويال" إلى مرتع لا ضابط له ولا رابط؛ لتداول الأموال ومعاقرة الخمور وممارسة
الجنس.
ولم يمض وقت طويل، حتى تراكمت
الثروات في تلك المنطقة، التي أصبحت مدينة عُرِفَت آنذاك، بأن الحانات والمواخير،
تشكل رُبع مبانيها على الأقل. وأصبح انغماس القراصنة المقيمين فيها، في الملذات
والشهوات، وإصرارهم على تجاوز كل الحدود، مادة خصبة للحكايات والأساطير.
فضلا عن ذلك، اجتذبت "بورت
رويال"، عددا من مشاهير البحارة في تلك الحقبة، مثل الكابتن هنري مورغان.
وهاجم هؤلاء الموانئ الإسبانية، التي كانت تعاني من ضعف دفاعاتها؛ وسلبوا ما فيها.
لكن أولئك البحارة، لم يكونوا يتورعون في الوقت ذاته، عن المسارعة إلى إنفاق كل ما
يحصلون عليه من أموال، على ملذاتهم الدنيوية المبتذلة.
ويقول المؤرخ بيتر غوردون المقيم في
هذه المنطقة: "كان لهؤلاء القراصنة حرفيا مطلق الحرية لفعل كل ما يحلو لهم،
إذ كان يُنظر إليهم على أنهم حماة جامايكا. ولم يكن لدى السلطات خيار، سوى تركهم
وشأنهم".
لكن في صباح السابع من يونيو/حزيران
1692، تبدلت هذه الأجواء تماما، بل وتغير وجه "بورت رويال" نفسها إلى
الأبد. فقد ضرب زلزال هائل المدينة، ودمر الجانب الأكبر منها وأودى بحياة ألفيْن
من سكانها. ومنذ ذلك الحين، لم تعد "بورت رويال" قط، إلى ما كانت عليه
في السابق.
ويقول سلفينيوس وولترز المسؤول
التقني عن قسم الآثار في صندوق التراث الوطني بجامايكا: "دمر الزلزال الجانب
الأكبر من بورت رويال.. التي كانت تمتد على مساحة تقارب 52 فدانا.. ثلثا هذه
المساحة دُمِر تقريبا، وغرق في منطقة مرفأ كينغستون. فقد ألحق الزلزال دمارا شبه
كامل بالمباني، وأزهق أرواح الكثير من الناس، جراء انهيار الجدران عليهم. بل إن
عدد القتلى فاق نصف السكان".