هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فجرت الأزمة بين "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، جدلا واسعا في العراق على خلفية الاتهامات المتبادلة بين الطرفين الذي نشبت بعد مقتل صاحب أحد المطاعم الشهيرة في بغداد.
وعلى خلفية تلك الاتهامات، تبرز تساؤلات عن مدى إمكانية تطور هذه الأزمة إلى حد الصدامات المسلحة، ولاسيما أن كلا الطرفين يمتلك أجنحة مسلحة، في وقت طرح فيه الرئيس العراقي مبادرة لنزع فتيلها.
وفي حديث لـ"عربي21" قال الدكتور إحسان الشمري رئيس مركز "التفكير السياسي" إن "رئيس الجمهورية مقبول بين الأطراف السياسية، فبالتالي هناك مقبولية لمبادرته من أجل تطويق الأزمة، وإيقاف تداعياتها بعد تبادل الاتهامات بين الطرفين".
وأضاف أن "الوضع في العراق لا يسمح بتصيد قد يصل إلى حد الصدامات بين الطرفين، وأن رئيس الجمهورية والعقلاء في البلد لن يدعوا الخلافات بين الجهتين تمضي إلى حالة الصدام المسلح".
وأشار الشمري إلى أن "جهات عدة أطلقت مبادرات ومنهم رئيس الجمهورية، وحتى أطراف إقليمية تدخلت في موضوع التهدئة وتطويق الأزمة، لكن يبقى اللاعب الأساسي هو الأهم".
أمريكا على الأبواب
من جهته، رأى المحلل السياسي الدكتور عدنان التكريتي أن "هذه المناوشات التي تتكرر كل حين هي أمر طبيعي يعكس تشتت المعسكر الشيعي الداخلي وتضارب المصالح الذي يوصلها بين فترة وأخرى إلى نقطة الصدام لضرورة تغلب جهة على أخرى".
وأوضح لـ"عربي21" أن "الوحدة الظاهرية المتحققة تجاه المكون السنّي لا تعني عدم التمايز الداخلي، ولعل واحدة من الأسباب تنامي القوى المسلحة لكل فريق ومعها تنامي الطموح بالمزيد من المكاسب وصولا حتى هدف قيادة المكون".
وشدد التكريتي على أنه "في المرحلة الراهنة والقوات الأمريكية تدق أبواب العراق من جديد سيتم الاحتواء لأن وجود الجميع سيكون مهدد بالخطر".
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي مؤيد البياتي إن "هذه ظاهرة طبيعية قد تتكرر لاحقا بين فصائل وقوى سياسية شيعية أخرى كون الشيعة الآن يعيشون مرحلة السيطرة التامة على القرار السياسي والاقتصادي في العراق مفردين دون منافس سني أو كردي".
وبصورة أدق، بحسب حديث البياتي لـ"عربي21"، فإننا نعيش مرحلة الصراع الداخلي للشيعة وقد شهدنا في الأشهر الماضية كيف تحشد كل الشيعية لإبعاد حزب الدعوة عن رئاسة الوزراء وهذا ما جرى.
واستبعد المحلل السياسي العراقي من ذهاب هذه المناوشات إلى مديات أبعد، بالقول: "لكن تبقى هذه الصراعات إلى سقف معين لا يضر بالهيمنة الشيعية على العراق، وقد يستدعي تدخل الطرف الإيراني في نهاية المطاف".
وعلى إثر مناوشات كلامية بين الطرفين، عقدت قيادات من الحشد الشعبي، أمس الجمعة، اجتماعا طارئا بمنزل قيس الخزعلي، وضم كلا من هادي العامري وهمام حمودي وأبو مهدي المهندس وسامي المسعودي وأحمد الأسدي وأبو جهاد الهاشمي.
وذكر بيان في ختام الاجتماع أنهم تدارسوا تداعيات مشاريع الاستهداف الممنهج للحشد الشعبي وفصائله ورموزه التي تقوم بها جهة سياسية معروفة تمتلك فضائية وجيوش إلكترونية.
اقرأ أيضا: حرب كلامية بين تيارين شيعيين بارزين في العراق
وطالبت قيادات الحشد الشعبي "هذه الجهة بالتوقف عن هذه السياسة فورا والحذر من الفتن والأضرار التي يمكن أن تلحق وضع البلد الأمني والمجتمعي".
وشددوا على ضرورة إعطاء فرصة لمبادرة فخامة رئيس الجمهورية في تحقيق في هذه الإساءات واتخاذ الإجراءات اللازمة تبعا لذلك.
ووجه المجتمعون شكرهم إلى "جماهير الحشد الشعبي على مشاعرهم الصادقة وحرصهم على عدم السماح بالمساس به أو الإساءة إليه وندعوهم إلى الهدوء وتأجيل تظاهراتهم لحين ظهور تغيير فعلي في سياسة استهداف الحشد الشعبي".
وأكد قيادات الحشد في بيانهم أن "الحشد الشعبي سيبقى صمام الأمان والمدافع عن الوطن والشعب والمقدسات ولن تستطيع المحاولات المكشوفة النيل من هذا الكيان المقدس".
وبعدها قرر تيار الحكمة، على لسان الأمين التنفيذي بليغ أبو كلل تأجيل التظاهرات التي كانت تنوي جماهير التيار الخروج بها في بغداد ردا على تظاهرات مؤيدة لـ"عصائب أهل الحق"، بقيادة الخزعلي.
وقال في تغريدة له على "تويتر" إنه "بناء على وساطة فخامة رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح وطلبه تأجيل تظاهرات الحكمة وتهدئة الأمر وتغليب المصلحة الوطنية، فقد تقرر تأجيل تظاهراتنا احتراما وتقديرا لهذه المبادرة الكريمة".
وبلغ تصيد الخطاب بين الطرفين إلى حد تبادل الاتهامات بالعمالة لقوى خارجية، إضافة إلى اتهامات بارتكاب عمليات قتل وسرقة المال العام والاستيلاء على بيوت الطائفة المسيحية في بغداد.
وتأتي هذه المناوشات الكلامية، على خلفية مقتل صاحب مطعم ليمونة الشهير في مدينة الصدر ببغداد على يد مسلحين، حيث نشرت قناة الفرات التابعة لعمار الحكيم، خبرا مفاده بأن "القوات الأمنية اعتقلت القتلة وهم من العصائب، والأخيرة تحاول الضغط للإفراج عنهم".
وردا على تلك الأنباء التي بثتها "الفرات"، قال قيس الخزعلي في تغريدة على "تويتر" إن "منتهى الدناءة التي يمكن أن يصل إليها إنسان هو أن يتهم الآخرين زورا وبهتانا إذا اختلفوا معه، إلا إذا كان مأجورا فإنه يكون معذورا لأنه سيكون عميلا".
اتهامات بالسرقة والقتل
وبعدها أصدر مدير قناة "الفرات" أحمد الساعدي وعضو المكتب التنفيذي لتيار الحكمة، بيانا شديد اللهجة، وصف فيه حديث الخزعلي بأنه "عدوان سافر لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهبت بعض قياداتكم المليشياوية الفاقدة لأية كياسة ودراية وبأسلوب العصابات تكيل الشتائم والاتهامات لمشروعنا الوطني".
وأضاف: "هذه الوسائل الفاقدة للياقة الحوار والنقاش دليل صارخ على أنّكم جماعة لا تفقه بالسياسة والثقافة شيئا، وكل ما لديكم هو القدرة على إرهاب وابتزاز الناس العزل والأبرياء".
وأردف الساعدي أنّه "لفرق كبير بين من كان سلاحه للإيجار واستغله للدخول في الحشد لأهداف خاصة، وبين من حمل السلاح بعد صدور الفتوى المباركة بدقائق وتخلى عنه بعد النصر تاركاً للدولة أخذ دورها في إدارة الأمن".
ووجه خاطبه للخزعلي قائلا: "إنكم أكثر من أساء للحشد، ولعلك وجماعتك في العصائب تحاولون ذر الرماد في العيون للتعتيم على أفعالكم، أو لعلكم تحاولون تناسي جلوسكم وتحالفكم مع من كان يحرض ضد الحشد والمجاهدين، بل إنكم من أعدتم أعداء الحشد إلى السلطة، فهل نذكركم أكثر؟".
وتابع: "إن كنت حريصا يا شيخ (العصائب) على هذا الوطن، فالأولى بك أن تحاسب أتباعك الذين يشتبه بهم بأنهم نهبوا مصفى بيجي ومعداته التي تقدر بالمليارات، حاسبهم إن كنت صادقا على ما يراه حول سرقتهم لبيوت المسيحيين واستيلائهم عليها في الكرادة وزيونة، وقائمة الموبقات تطول والله المستعان".
ولفت الساعدي إلى أن "الشعب يعلم ويعرف العصابات التي ترهب الناس وتغتال الأبرياء وتهددهم، وقد اختنقت الصدور بروائح نتنة جراء الممارسات المخلة بالدين والقيم والأخلاق من تلك الأفعال الخسيسة".
وهدد قائلا: "لا تتمادى، ولا ينسى تاريخ الرجال وأفعالهم منذ القدم، فما بيننا طارئ أو تاجر حرب أو زعيم عصابة، دونك تاريخ لونته دماء الشهداء فاقرأ جيدا واعرف من تخاطب. لا تظن أنّنا لسنا قادرين على مواجهتكم أو التصدي لكم، فنحن أبناء هذا العراق وشبابه، أبناء الحكمة والحكم، نواجهكم بالقانون والسياقات التي تقوّم الدولة وتقويها.. ولا نستعمل أساليب العصابات، فنحن الأصلاء في هذا البلد العظيم ومشروعنا الوطني غاية لرفعته وسموه".